نشرت صحيفة
"إل ميساجيرو" الإيطالية مقالا لرئيس الوزراء الإيطالي الأسبق رومانو برودي،
يقول فيه إن الأزمة التونسية الحالية تركت الرأي العام الغربي في حالة ارتباك، ودفعت
للواجهة عديد الأسئلة الملحة، بشأن تراجع النفوذ الأوروبي في جنوب المتوسط، والصراع
بين معسكرين داخل العالم الإسلامي، والمساعي لدفع البلاد نحو الدكتاتورية.
ويقول برودي
في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن الأزمة التونسية طرحت تساؤلات
جدية بشأن احتمال نهاية المسار الديمقراطي الوحيد المنبثق عن الربيع العربي، وهو ما
يمثل أقصى مؤشرات انحسار النفوذ الأوروبي في جنوب البحر الأبيض المتوسط.
ويرى برودي أن التطورات السياسية الأخيرة في تونس تطرح نقاط استفهام بشأن مدى تأثيرها المباشر
على الجوار الإيطالي، بالنظر لارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في تونس، والتحذيرات
من تدفق المهاجرين، رغم أن هذا الخطر سببه الأساسي هو مستوى الفقر والبطالة، وليس الأحداث
السياسية.
خطوات استبدادية
تنسف المسار الديمقراطي
يقول برودي إن تونس بذلت بعد الثورة التي أطاحت بالنظام الدكتاتوري السابق، جهودا ملموسة للتحوّل
نحو الديمقراطية، وقد تم عقد الكثير من التسويات الصعبة بين القوى السياسية المختلفة.
وقد أظهر الزعيم
التاريخي لحركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي طوال السنوات الماضية أنه يتمتع بشخصية
متوازنة وقدر كبير من الاعتدال، دافعا بالفكر
المتطرف نحو الصفوف الخلفية داخل التيار الإسلامي.
ويعتقد الكاتب
أن الأشواط التي تم قطعها ضمن هذا المسار لم تكن كافية لبناء ديمقراطية مستقرة، حيث
أن التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بات عميقا، والتحالفات الحكومية الهشة واجهت أزمات
مستفحلة بسبب تفشي الفساد وانعدام الكفاءة.
هكذا أصبح
واضحا مدى صعوبة مواصلة الجهود لبناء نظام إسلامي معتدل -حسب برودي-،، حيث أن القوى
الراديكالية قوية جدا. وقد شهدت البلاد خروج أكثر من ثمانية آلاف شاب للالتحاق بصفوف
تنظيم الدولة خلال السنوات الماضية، وهذه الظاهرة لم تكن معزولة، بل نابعة من عمق تناقضات
المجتمع التونسي.
وهذه الأحداث
التي تضاف إليها الأزمة الاقتصادية الخانقة والتفشي الكبير لفيروس كورونا، دفعت بالكثير
من التونسيين لتأييد الخطوات الاستبدادية التي قام بها الرئيس، حسب تعبير برودي.
ومن وجهة نظره،
فإن هذه التطورات تقود للاعتراف بأنه في المرحلة الحالية التي يمرّ بها العالم الإسلامي،
لا يوجد بديل مقبول وحلّ وسط بين الأطراف المتنازعة، بل هناك فقط ثنائية التطرف والحكم
الاستبدادي.
ويرى الكاتب
أن الدكتاتورية يمكن أن تظهر بدرجات متفاوتة من القمع والقسوة، "ولهذا لا يسعنا
إلا أن نأمل أن التطورات الاستبدادية المحتملة في تونس سوف يتم تعديلها من طرف الرئيس
قيس سعيد، الذي يتميز لحد الآن بتاريخ شخصي ناصع وخال من المؤامرات والفساد. وبفضل
هذه الصورة التي يكتسبها، إلى جانب خيبة الأمل من الديمقراطية، حصل سعيد على الدعم
الشعبي الواسع الذي يتمتع به اليوم".
اقرأ أيضا: MEE: "سعيّد" أبدى نزعة سلطوية منذ البداية.. لماذا الدهشة؟
أوروبا غائبة
عن المشهد
ويضيف برودي أن أحد أهم الأسئلة المطروحة بعد الأحداث الأخيرة على الساحة التونسية، تتعلق بالغياب
الأوروبي والأمريكي عن المشهد، بينما يقتصر التأثير على دول من داخل العالم الإسلامي.
من جانب، توجد
مصر ودول الخليج وخاصة السعودية، التي تدعم الإجراءات الاستبدادية للرئيس قيس سعيد،
وفي الجانب الآخر تركيا وقطر اللتان عملتا في كل المنابر على دعم موقف جماعة الإخوان
المسلمين.
أما روسيا
فعلى الرغم من قربها من مصر، لا يبدو أنها تلعب دورا في هذه الأحداث، كما يبدو أن الفرنسيين
غائبون تماما.
وحسب برودي،
كان من الممكن أن تختلف الأوضاع في تونس وعديد البلدان الأخرى، تماما لو وجدت سياسة
خارجية أوروبية موحدة، وهو أمر مفقود لحد الآن.
ويضيف في هذا
السياق: "أوروبا اليوم لا يمكنها الاختيار بين الغنوشي والسياسات التركية من جهة،
أو دعم استبداد قيس سعيد من جهة أخرى، لأن هذا متناقض مع كل مواقفنا الداعمة للديمقراطية
البرلمانية. لذلك أعتقد أن ما يحدث في تونس ليس مهما فقط في سياق الأحداث الجارية حاليا،
بل أيضا بسبب الطريقة التي تسير بها البلاد نحو التحول إلى نظام استبدادي".
ويؤكد الكاتب
أن انحسار اللعبة داخل العالم اﻷسلامي دليل على أن الأوروبيين يخسرون بشكل نهائي كل
تأثير سياسي لهم في الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، والسبب وراء ذلك ليس التحول
نحو الديمقراطية، بل بسبب التركيز المتزايد على الهوية الإسلامية، على الرغم من الانقسامات
العميقة داخل العالم الإسلامي.
وحسب رأيه،
فإن الرأي العام والحكومات الأوروبية لا يهتمون بشكل خاص بالأحداث في تونس لأن التطورات
الجارية هناك لا يبدو أنها تشكل أي خطر على اقتصادهم، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلا
"ﻷننا نعلم جيدا أن كل العلاقات الاقتصادية تتأثر عاجلا أم آجلا بتطورات الأحداث
السياسية".
مقابلة قديمة لسعيّد تؤكد عزمه المسبق الانقلاب على الدستور
حصيلة 10 أيام: قيس سعيّد يطيح بـ30 مسؤولا تونسيا
لماذا يدعم السيسي انقلاب سعيّد على البرلمان والحكومة؟