رصدت صحيفة "واشنطن بوست" مواقف الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في دول تعارض الإسلام السياسي على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد البرلمان وعزل رئيس الوزراء. وأشارت باركر إلى إن أصواتا مؤثرة في مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، رحبت بفرح بالاضطرابات في تونس واعتبرتها ضربة للإسلام السياسي.
وقالت؛ إن التونسيين لا يزالون يحاولون فهم الأزمة
السياسية الجارية في بلادهم، بعد قيام الرئيس قيس سعيد بشكل مفاجئ، بعزل رئيس الوزراء
وتجميد البرلمان ليلة الأحد.
وبالنسبة للبعض في تونس، قصة النجاح الوحيدة
من الربيع العربي، فالتحرك ضد المؤسسات التي دعمتها أو قادتها حركة النهضة، الحزب الإسلامي
يعتبر بمنزلة انقلاب، فيما مدح آخرون تهميش القادة السياسيين الذين يرون أنهم عاجزون
واضطهاديون، لكن سعيد يرى أن ما قام به قانوني.
ومع ذلك، فالسرد البارز من الدول العربية التي
ترى في تونس الربيع العربي أكبر تحد لها، وهي السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، كان واحدا- أحداث تونس تمثل المسمار الأخير في نعش الإسلام السياسي ومشاركته بالديمقراطية.
واعتبرت الصحف والمعلقون التلفزيونيون والمؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي في السعودية
ومصر والإمارات، ما قام به سعيد انتصارا للإرادة الشعبية ضد النهضة. وحاولت الدول الثلاث
التي تعارض الحركة- وعلى مدى سنوات ربط النهضة بالإخوان المسلمين والإرهاب، مع أنها
فكت روابطها مع الإخوان منذ عدة سنوات.
وأعلنت الصحيفة السعودية، شبه الرسمية
"عكاظ" في عنوان رئيسي لها "تونس تثور ضد الإخوان"، أما صحيفة
"24 ميديا" الإماراتية فقد قالت فرحة "قرار شجاع لإنقاذ تونس"،
ووصفت صحيفة "الأهرام" الرسمية الأحداث "بخسارة آخر معقل للإخوان في
المنطقة". أما أحمد موسى المعلق المعروف، فقد قال إن العالم العربي يشهد
"السقوط الأخير" للإخوان المسلمين.
ويرى المحللون أن الحملة الإعلامية تكشف عن محاولة
الدول المستبدة الثلاث، استغلال الأزمة لسحق أي دعم للإسلام السياسي في المنطقة. وتتعامل
هذه الدول مع الإخوان المسلمين والحركات التي تدعو للإسلام السياسي كتهديد عليها، وبخاصة
بعد الدعم الشعبي لهذه الحركات في أعقاب الربيع العربي.
ونقلت الصحيفة عن إلهام فخرو من مجموعة الأزمات
الدولية في بروكسل: "لم يكن هناك أي حديث عن المؤسسات التونسية أو الحفاظ على
أي نوع من الحكم الديمقراطي، بل صورت على أن الشعب حرر نفسه من حكومة إسلامية قمعية".
وحصلت حركة النهضة على أعلى الأصوات في أول انتخابات
ديمقراطية في أعقاب ثورة 2011، وفي مصر التي انتقلت للديمقراطية كان استطلاعات الرأي
مؤيدة للإخوان، ولكن الجيش تدخل وأطاح بالرئيس المنتخب عام 2013، وحصل على دعم سريع من
السعودية والإمارات. وأخاف الانقلاب المصري حركة النهضة التي دخلت في تحالفات مع الأحزاب
العلمانية، ولكن الغضب تزايد ضدها في السنوات الماضية.
ووسط
أزمات اقتصادية وانتشار للوباء، تصاعدت الدعوات لحل البرلمان الذي يتزعمه زعيم الحركة
راشد الغنوشي. وقالت الصحيفة؛ إن تحرك سعيد لتجميد البرلمان وعزل رئيس الوزراء بعد احتجاجات
يوم الأحد التي كانت موجهة ضد حركة النهضة تحديدا. وأظهرت لقطات فيديو المتظاهرين وهم
يخربون مقرات الحزب المحلية. وخرج أنصار سعيد إلى الشوارع للاحتفال بقراراته.
لكن النهضة اعتبرت في بيان لها يوم الثلاثاء،
قرارات سعيد بالانقلاب. وطالب الغنوشي بحوار أكبر ودعا سعيد للتراجع عن قراراته.
ونقل موقع "مدى مصر" عن مسؤول لم تكشف
عن هويته قوله؛ إن مصر ترى في قرارات سعيد موجهة ضد النهضة والحد من تأثيرها السياسي، الذي تأمل أن تكون نهاية الديمقراطية التونسية التي لا تزال تلهم الناشطين المصريين.
واتصل وزير الخارجية التونسية مع نظيره السعودي
الذي قال؛ إن السعودية تدعم كل الجهود لتحقيق "الأمن والاستقرار والازدهار في تونس"،
وذلك حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية. ولم تعلق الإمارات بعد، لكن الدولة تمارس
قمعا لحرية التعبير، وما ينشر في الصحافة يعبر عن الخط الرسمي.
وتقول فخرو؛ إن الإمارات والسعودية "ستنظران
للتطورات في تونس على أنها انتصار للسياسة الخارجية، اللتين تحاولان الترويج لها في
المنطقة".
وتقوم منصات التواصل الاجتماعي بالدفع باتجاه
هذا السرد، ويقول مارك أوين جونز، من جامعة حمد بن خليفة في الدوحة؛ إنه شاهد أدلة على
حملة تلاعب في "توتير" يقودها مؤثرون سعوديون وإماراتيون. وقام جونز بتحليل آلاف من التغريدات، ووجد أن معظم المغردين يقومون بنشر تغريدات أو إعادة نشر تغريدات
بهاشتاغ "تونس تثور ضد الإخوان"، ومعظمها قادم من السعودية والإمارات ومصر.
وعلق جونز: "بالنسبة لي، فهذه حملات سعودية
إماراتية"، "وهي حسابات تحمل الختم المعروف الذي تتوقع مشاركاتها في هذا النوع
من السلوك".
وكشفت "تويتر" أنها علقت مئات الحسابات
عندما اكتشفت علاقتها بعلاقات مع عمليات حكومية، بالإضافة لآلاف الحسابات المرتبطة
بحملات التضليل السعودية.
وقد يكون تأثير هذه الحملات محدودا، لكنها تثير
أسئلة حول التورط السعودي- الإماراتي في أحداث تونس، حسبما تقول فخرو.
اقرأ أيضا: دول ترغب بالتأثير على تطور أحداث تونس.. ما موقف الإمارات؟
وأشارت الصحيفة إلى تغريدة نشرها ضاحي خلفان،
نائب مدير شرطة دبي، قبل أيام من تحركات سعيد التي قال فيها؛ إن "أخبارا سعيدة،
ضربة جديدة، قوية على الإخوان".
وفي مقابلة مع التلفزيون التركي "تي أر
تي العربية" يوم الاثنين، اتهم الغنوشي الإعلام الإماراتي بالدفع نحو "الانقلاب"
في تونس.
وكانت التغطية التركية التي تدعم النهضة متعاطفة
مع الغنوشي.
ولا توجد بعد أدلة عن ضغوط على سعيد للقيام بتحركاته،
كما يقول المحلل التونسي محمد ضيا الحمامي، لكن قوات الأمن التونسية قامت يوم الاثنين
بمداهمة مقر قناة الجزيرة القطرية المتعاطفة مع النهضة. ودعا السناتور الديمقراطي عن
كونيكتيكت كريس ميرفي إدارة جوزيف بايدن، بالتحقيق في احتمال تدخل سعودي وإماراتي في
الأزمة السياسية التونسية.
وقالت
فخرو أن التشابه بين التغطية السعودية والإماراتية لانقلاب مصر 2013 والأحداث الأخيرة
في تونس "لافتة للنظر". لكن هناك خلافات بين الوضعين، فقد قال سعيد لجماعات
العمل المدني إنه لا يزال ملتزما بالديمقراطية وأن الإغلاق هو مؤقت. وقال معتز عبد
الفتاح، المعلق التلفزيوني المصري؛ إن ما يجري في تونس ليس ثورة ضد الإخوان المسلمين
بل رد على "الشلل في الحياة السياسية"، لكن ما يحدث في تونس التي لا تزال
رمزا لنجاح الربيع العربي، سيحدث هزات في المنطقة حسبما يقول الباحث في وقفية كارنيغي
أتش إي هيلر، و"سيواصل المعارضون للكفاح من أجل حكومات خاضعة للمساءلة، كبت فرحهم
تجاه هذه الخطوة البعيدة عن عملية خاضعة للمساءلة، وبخاصة أنه تم تصويرها في قطاعات
على أنها ضغط ضد مؤيدي التيار الإسلامي الذي يعارضونه".
هل سقط النموذج الوحيد الناجح للديمقراطية بالمنطقة العربية؟
هيرست: ما فعله قيس سعيّد لا يختلف عن انقلابي مصر وتركيا
الغارديان: قيس سعيد "الشرطي الروبوت" متهم بتنفيذ انقلاب