العالم كله يتحدث عن
لبنان، من صلاة حاضرة الفاتيكان إلى روما مرورا بالرياض وباريس حيث اللقاء الثلاثي الملفت جدا، وحدهم اللبنانيون المعنيون غائبون ليس فقط عن السمع، بل عن البصر والبصيرة والرحمة والشفقة.
ولا زالت معركة الذل التي يعيشونها اللبنانيون مستمرة رغم الإجراءات الصورية المتخذة، التي يدرك التجار الجشعون كيفية استخدام ثغراتها لمواصلة مص دم اللبنانيين من الفئات الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة إلا انتظار الفرج الذي يبدو بعيدا، خاصة إذا ما نظرنا إلى لعبة التمييع الداخلي في قتل الوقت في لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتغريدات تصلح لملء الفراغ للمؤسسات الإعلامية في أوقاتها، التي تحتاج إلى مادة إعلامية غير مغرية ولا مربحة؛ سوى في تأجيج النفوس التي ملت من كل شيء.
فالعتمة تجتاح ليالي اللبنانيين وبيروت الحزينة، مع البرادات الخاوية التي هي عنوان المرحلة، ومعها انتظار التفلت الأمني المرتقب. وما جرى بعروس المتوسط طرابلس، في الشمال اللبناني، ليس ببعيد في لحظات التخلي التي قد تفضي إلى
أزمات ضخمة تحت القناع الاجتماعي الاقتصادي، أو انتظار الصدمة السلبية بكل أشكالها وأنواعها، وهو حديث الناس حيث الكلام الشعبي: "لا حل بلا صدمات، وللأسف هل ما زال يحتمل لبنان مزيدا من الماسي: لا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا وظائف ولا أموال ولا تنمية، وحدها
الصراعات سيدة الموقف في لعبة هدر الفرص التي يحترفها كثير من سياسيي هذا البلد الضائع في لعبة الأمم.
فمن الداخل، لعبة التكاذب والمماطلة وصراع طواحين الهواء أفصح عنها اللاعب الأقوى بتصريح لا يقبل التأويل. فمع علمنا بمدى حساسية موقع حزب الله في اللعبة الدائرة واستنزاف الوقت، إلا أن الكلام كان أكثر من واضح. لقد قالها رئيس كتلة المقاومة علنية مخاطبا بيئته الحاضنة، ومن خلفها كل اللبنانيين بالقول أنتم أهل الحل، ولستم أهل المشكلة. فأهل المشكلة هم الذين يتخاصمون حتى اللحظة رغم طوابير السيارات أمام محطات المحروقات، وفقدان الأدوية من الصيدليات والمستودعات والمخازن والمستشفيات، والأدوات الطبية التي يحتاجها المريض إذا ما اضطر إلى عملية جراحية، وفقدان لقمة العيش وحليب الأطفال. فهؤلاء يتآمرون عليكم حين لا يتنازل بعضهم لبعض. وهنا السؤال: لماذا لا يفضحون بالأسماء كما هي حتى يتمكن اللبنانيون من محاسبتهم؟!!
بل أكثر من ذلك وبعد استهلاك الوقت منذ انفجار المرفأ في فراغ قاتل، أكد النائب رعد أن لا أحد يتوقع في لبنان أن تتشكل حكومة ملائكية، فنحن نعرف النوعية القادمة في أي حكومة ستشكل، وهي لن تستطيع أن "تشيل الزير من البير". وإذا لم تكن الحكومة معقد آمال أحد من الناس، فعلى ماذا تتخاصمون؟ لماذا لا يتنازل بعضكم للبعض الآخر؟ وهنا التأكيد أن مصير البلاد والعباد واقف على تنازل من هذا أو ذاك، والحقيقية تقول؛ إن الكل مدانون أمام شعب بات يحترف الصبر ثم الصبر وإلى متى؟!!
وفي أخطر ما تحدث به بصراحة مطلقة، قال رعد؛ إن على البعض أن يتوقفوا عن الكذب على اللبنانيين حينما يقولون بأن المشكلة التي تؤخر تأليف الحكومة تكمن في تسمية وزيرين، فثمة من لا يريد تشكيل حكومة، وهو يعرف نفسه وأوساط العمل السياسي تعرفه.
وربطا، هل بات اعتذار الرئيس المكلف الحريري جاهزا؟ وماذا بعد اعتذار الحريري؟ وهل ما تبقى من أشلاء وطن قادر على القيام، وكيف؟!
وهنا لا بد من الوقوف عند جملة لقاءات قد تحمل في طياتها جديدا في الملف اللبناني، أولها اللقاء الأمريكي- الفرنسي- السعودي، الذي يقدر أن يحرك شيئا ما في المياه الراكدة، خاصة أن لهذه الدول بعدها الداخلي عبر الأطراف اللبنانية، وباتت الأحداث الاقتصادية الاجتماعية المتسارعة تستدعي حكومة. ولا أدل على ذلك من عقد اللقاء نفسه، مرورا بتغريدة وزير الخارجية الأمريكي التي تحمل إشارات جمة إلى أهمية اللقاء وخطورة الوضع، حيث قال: "مناقشة مهمة مع نظيريّ السعودي والفرنسي، فيصل بن فرحان وجان إيف لودريان، فيما يتعلق بضرورة أن يظهر القادة السياسيون في لبنان قيادة حقيقية، من خلال تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتوفير الإغاثة التي يحتاجها الشعب اللبناني بشدة".
فهل سيصبر المجتمع الدولي أكثر في انتظار الإصلاحات حتى وصول اللبنانيين إلى عتبة المجاعة وانتظار الإغاثات كي يتحرك؟! علما أن الحديث عن حكومة انتخابات يكثر الخوض فيه، ولكن حتى موعد الانتخابات، من ينجد اللبنانيين ولعبة صراع البقاء مع أزمات تحرق الأخضر واليابس؟
وعطفا، جاء لقاء السفيرة الأمريكية في بيروت مع نظيرها السعودي، الذي أكد فيه السفير بخاري الموقف السعودي الذي يُشدد على التزام المملكة العربية السعودية بسيادة لبنان واستقلاله، وعلى ضرورة الإسراع بتأليف حكومة قادرة على تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني.
فهل من بوادر لبلورة حلول جديدة على الطاولة عبر انفراجه سعودية قبل أن يندم الجميع، أم إن الحلول متوقفة بانتظار راع أوحد جديد أو قديم، يدير الدفة كما جرى بعد الطائف؟
وفي هذا السياق، كان لافتا كلام النائب بقردونيان القائل؛ "إن تعثر ولادة الحكومة لا يعود إلى عدد الوزراء، بل إلى رغبة دولية في تركيع الشعب اللبناني وإرغامه على القبول بشروط كثيرة في ملف توطين الفلسطينيين واللاجئين السوريين، كما ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى ملف استخراج النفط والغاز. وما نخشاه في هذه المرحلة، هو أن يعطى لبنان جائزة ترضية لسوريا أو فرنسا أو تركيا أو إيران بعد اتفاق دولي وإقليمي بدأت ملامحه تلوح في الأفق، ما يعني أننا وإن استمرت الأمور على ما هي عليه، سنكون حتما أمام وجود أجنبي جديد على الأراضي اللبنانية".
فهل هذه هي الحقيقة المرة التي لا يجرؤ الكثيرون على قولها؟ وعليه سيكون الانتظار سيد القرار!