مقالات مختارة

عن الخيارات البديلة في لبنان

1300x600

يبدو أن الستاتيكو التصعيدي هو سيد الموقف بالنسبة لمجمل الوضع في لبنان، وخصوصا الملف الحكومي، بحيث يخشى أن تعقب مرحلة الانفجار الحاد بين العهد والرئيس المكلف سعد الحريري مرحلة أخرى من الشلل السياسي قبل اتضاح ما يمكن أن تتجه إليه الخيارات البديلة التي تتردد عناوينها بين استقالات نيابية وانتخابات مبكرة أو حكومة انتقالية تبدو مستبعدة.


صحيح أن محركات رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما تزال مستمرة في محاولة ترقيع الجسور بين ميشيل عون، وسعد الحريري، والذي عنوانها أن لا ثلث معطل لأحد في حكومة الحريري القادمة، ووجود تصور معين عند بري لكيفية تسمية الوزيرين المسيحيين "إذا كانت هذه فعلا هي العقدة التي تحول دون التأليف".


لكن حرب البيانات التي تندلع بين الحين والآخر بين قصر بعبدا وبيت الوسط ( مقر الحريري)، تهدد بشكل حقيقي مبادرة نبيه بري.


وليس خافيا على أحد في لبنان أن عون الذي رفض "اتفاق الطائف" الذي صار دستورا للبلاد، لم يتوقف يوما منذ وصوله إلى بعبدا عن محاولة ضرب اتفاق الطائف وفرض التعديلات عليه، والبحث عن تفسيرات لجهة دوره ودور رئيس الحكومة المكلف.


لكن تغيير الدستور ليس عملية مزاج ولهذا قال البطريرك بشارة الراعي: "إن المسؤولين استنزفوا الدستور حتى جعلوا نصّه ضد روحه، وروحه ضد نصه".


كان هذا الكلام موجها ضمنا إلى بعبدا، وعون تحديدا، لأن الحديث عن "الصلاحيات الدستورية" هو عنوان الموقف الذي يتلطى خلفه رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل.


وكانت أحد خرطوشات الرئيس عون التي أطلقها، في سياق محاولات تعديل الدستور، هو تدبيج رسالة رئاسية وجهها إلى مجلس النواب، بهدف سحب التكليف من سعد الحريري، والتي تحولت إلى عراضة فاشلة، لأنها أعادت التركيز على تكليف الحريري تشكيل الحكومة، ما شكّل ردا صافعا على محاولات إزاحته.


وكانت الكلمة النارية التي ألقاها الحريري في مجلس النواب، ووجّه فيها اتهامات إلى عون بأنه لا يريده قائلا : "ظاهريا نحن أمام رئيس جمهورية يمارس حقه في توجيه رسالة إلى مجلس النواب، ولكننا بالفعل أمام رئيس يقول للنواب أنتم سمّيتم رئيسا للحكومة أنا لا أريده ولا أسمح له بالتشكيل فتفضلوا خلصوني منه".


أما الخرطوشة الثانية، فهي موضوع الاستقالة من المجلس النيابي، والتي طرحها جبران باسيل، وربطها بتحقيق هدف وحيد وهو "سحب التكليف من الحريري"، باعتبار أن تكليفه يسقط حكما مع انتخاب برلمان جديد.


ويبقى تهويل باسيل باستقالة نواب «تكتل لبنان القوي» يبقى في حدود «تهبيط الحيطان» لأن هناك شبه استحالة لإجراء انتخابات مبكرة، في ظل عدم وجود حكومة لبنانية.


ويمكن أن باسيل ينطلق في تهويله بالاستقالة من البرلمان من أن عامل الوقت لن يكون لصالحه وأن «العهد القوي» مع مرور الزمن لن يشكّل له رافعة يوظّفها لإعادة تعويم نفسه، وبالتالي من الأفضل الضغط لإجراء انتخابات مبكرة في القريب العاجل قبل أن يقترب البرلمان من الفترة الزمنية التي لا تجيز إتمامها، أي لحظة دخوله في الأشهر الستة من انتهاء ولايته، وقبل أن تتمكن القوى المدنية في الشارع المسيحي من تنظيم نفسها، بحيث تصبح مصدر تهديد حقيقي للتيار العوني.


ولكن من المؤكد أن نبيه بري لن يدخر جهدا في سبيل تجنيب سلطته التشريعية أي هزّات ارتدادية للزلزال الحكومي في حال انعكاس التصلب في المواقف الحكومية على نصاب المجلس، إذا ما كرت سبحة الاستقالات النيابية للضغط باتجاه إجراء انتخابات نيابية مبكرة، فإنه ما زال يراهن على إنعاش مبادرته الحكومية بالتعاون مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.


ويقول قيادي بارز في الثنائي الشيعي، بأنه "لا يعقل بأن نقف متفرجين، على موضوع الاستقالات الجماعية، من مجلس النواب سواء من التيار العوني، أو القوات اللبنانية، أو حتى تيار المستقبل، وما يترتب عليها من حل المجلس النيابي، وفراغ في البلد"، مشيرا إلى أن الثنائي أرسل رسائل في أكثر من اتجاه مفادها أن أي خطوة من هذا النوع سوف يكون ثمنها الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي شامل.


ولا تنفي مصادر مطلعة، الصعوبة بأن يشكل الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية الحكومة اللبنانية، إلا أن لا خيار آخر غير مبادرة نبيه بري المطروحة حاليا، طالما لم يعتذر الحريري عن التأليف، وطالما أن أي كلام عن انتخابات نيابية مبكرة لا يعدو كونه فكرة يقترحها البعض للخروج من المأزق دون أن تتحوّل إلى مشروع بحث داخلي أو خارجي.


ويبدو بأن الخيارات بدأت تضيق أمام الرئيس الحريري وأنّ "أحلاها مرّ"، وعلى الأرجح ستنتهي "عاجلا أم آجلا" إلى خيار الاعتذار والتنحي "ولو بعد حين".


ولكن هناك من يقول، بأن المنطق السياسي وفي وقائع الوضع الراهن يتحدث عن نفسه، بأنه ليس من مصلحة الحريري وباسيل تشكيل حكومة في ظل هذه الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة، فالمشهد الماثل أمام الرجلين هو مشهد فشل أي حكومة في عملية الإنقاذ وانعكاس ذلك على شعبيتهما السياسية.

 

والمطلوب مراكمة المزيد من المؤيدين عبر إشعال السجالات والخلافات ووضعها في سياق طائفي ومذهبي، من خلال الحديث عن التعدي على صلاحيات المنصب المسيحي الأول أي رئاسة الجمهورية وصلاحيات المنصب السني الأول أي رئاسة الحكومة، وعدم التفريط في حقوق الطائفة سواء المسيحية أو السنية، ما يرفع من حظوظهما في أي انتخابات نيابية مقبلة. وبمعنى آخر، فإن ما يجري هو صراع ديوك بين سعد الحريري، وجبران باسيل، تحكمه حسابات الربح والخسارة السياسية، وهي الأساس في كل كلمة وموقف وخطوة.


(الأيام الفلسطينية)