ملفات وتقارير

مسارات الأردن المتاحة والمتوقعة في قضية "الشيخ جراح"

هناك عدة خيارات أمام الأردن تجاه القدس منها طرد السفير الإسرائيلي وإلغاء اتفاقية الغاز وتحريض دعوى بالجنائية الدولية- بترا

يثير تواصل الانتهاكات الإسرائيلية بحق أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، والتي تشمل وضع يدها على أراضيهم وتسليمها للمستوطنين، تساؤلات حول المسارات التي يمكن للأردن أن يسلكها إزاء القضية، وخصوصا أن دستوره ينص على أن الضفة الغربية (بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس) جزء من المملكة الأردنية الهاشمية.

وكان من المقرر أن تصدر المحكمة العليا الإسرائيلية، الخميس، قرارا نهائيا بخصوص إجلاء أربع عائلات فلسطينية من الحي لصالح مستوطنين يدّعون ملكيتهم للأرض، إلا أنها أعلنت عقد جلسة جديدة، الإثنين القادم، فيما تلقت 12 عائلة فلسطينية بالحي قرارات بالإخلاء، صدرت عن محكمتي الصلح و"المركزية" الإسرائيليتين.

وفي حين طالبت لجنة فلسطين المنبثقة عن مجلس النواب الأردني مؤخرا بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردني في "إسرائيل" ردا على "الاعتداءات الصهيونية" على حي الشيخ جراح؛ دعا الناطق باسم كتلة الإصلاح النيابية ينال فريحات، الملك الأردني عبد الله الثاني إلى التدخل والتحرك لتحريك القضية في محكمة الجنايات الدولية.

نقيب المحامين الأسبق، النائب صالح العرموطي، أوضح أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في حي الشيخ جراح تُعد "خروقات للاتفاقيات الموقعة بين الأردن والصهاينة، وللقانون الدولي والإنساني، وحرب إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، ما يرتب المساءلة الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية".

اللجوء للمحكمة الجنائية وطرد السفير

وقال العرموطي لـ"عربي21" إن الأردن وقع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ما يتطلب منه أن يتقدم بشكوى لدى هذه المحكمة، لافتا إلى أن "الولاية المناطة بالأردن على المقدسات يجب أن تدفعه للتحرك على أرض الواقع، ولو من خلال طرد السفير الإسرائيلي من أراضيه، واستدعاء السفير الأردني لدى الكيان الصهيوني".

وأكد أن بإمكان الأردن أيضا اللجوء إلى محكمة لاهاي الدولية لتقديم شكوى ضد الانتهاكات التي يرتكبها العدو الصهيوني، خارقا بها اتفاقية وادي عربة و14 اتفاقية أخرى أبرمت بين الأردن والاحتلال.

وحول الفرق من الناحية القانونية بين أن يتوجه الأردن إلى محكمة الجنايات الدولية، وبين أن تتوجه السلطة الفلسطينية؛ بين العرموطي أنه "لا فرق سوى أن الأردن صاحب ولاية على المقدسات، وحينما احتُلت الضفة الغربية كانت تحت ولايته ولا تزال، وبالتالي فإن دور الأردن مهم جدا في هذا الإطار، وخصوصا أن هناك أراضي وأملاكا لخزينة الدولة الأردنية ليس فقط في حي الشيخ جراح، وإنما في منطقة سلوان أيضا".

وعن توقعاته إزاء المسارات التي ستسلكها الدولة الأردنية في التعامل مع قضية حي الشيخ جراح؛ قال النائب إن الأردن الرسمي "لن يفعل شيئا".

وردا على رفض الدعوات المطالبة بقطع العلاقات بين الأردن و"إسرائيل" وطرد السفير الإسرائيلي من البلاد؛ أشار العرموطي إلى أن الدستور الأردني ينص على أن الضفة جزء لا يتجزأ من الأردن، وبالتالي من حقنا كأردنيين أن نطالب بقطع العلاقات مع هذا العدو الذي ينتهك حقوقنا.

وأضاف أن إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في الأردن هو أكثر شيء يرعب الاحتلال، متسائلا: "ماذا استفدنا من هذه العلاقات سوى أنها ألحقت الضرر بنا، وطال ضررها حتى الحريات العامة للأردنيين؟".

وتابع العرموطي: "التمسك بهذه الاتفاقيات في الوقت الذي يتنصل فيه العدو من تبعاتها؛ هو في الحقيقة انتهاك لكرامتنا وسيادتنا كأردنيين".

ملف ملكيات اللاجئين


ووجهت مؤسسة القدس الدولية مؤخرا، نداء للملك عبد الله الثاني لفتح ملف ملكيات اللاجئين ما قبل 1948 كرد سياسي على محاولة الاحتلال فرض نكبة ثانية على حي الشيخ جراح، إلا أن الأردن اكتفى بإبراز بعض المراسلات بين حكومته وبين أهالي الحي، والمصادقة حديثا على 14 اتفاقية زودها بها الأهالي، وقامت الخارجية الأردنية بتسليمها لمحاميهم وللخارجية الفلسطينية.

واتهم النائب حسن الرياطي خلال جلسة للبرلمان الأردني الأربعاء، حكومة بشر الخصاونة بأنها "مصرّة على دعم العدو الصهيوني" ضد أهالي حي الشيخ جراح؛ من خلال عدم إخراج الوثائق التي تثبت ملكيتهم للعقارات فيها.

إلا أن النائب العرموطي رأى أن "الذي قدمه الأردن الرسمي حتى الآن إيجابي، ولكن كان يجب أن يكون له دور أقوى في الجانبين الإعلامي والدبلوماسي".

وقال: "صحيح أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد ذهب إلى فلسطين المحتلة، وسلّم الرئيس محمود عباس بعض الوثائق التي هي عبارة عن مراسلات جرت بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية وبين أهالي حي الشيخ جراح، ولكن لا بد أيضا من إبراز المستندات التي تؤشر إلى إثبات الملكية".

 

اقرأ أيضا : الأردن يصادق على 14 اتفاقية مع سكان "الشيخ جراح" بالقدس


من جهته؛ أوضح المحلل السياسي هشام البستاني أن سبب امتناع الأردن عن فتح ملف ملكيات اللاجئين "يعود إلى كون الإرادة السياسية غير متوفرة، بالإضافة إلى حرص الدولة على إبقاء قصة (أردني وفلسطيني، وشتى الأصول والمنابت) عاملا أساسيا في التحكم الاجتماعي.

وقال لـ"عربي21" إن "الأردن الرسمي يتخوف من فكرة أن المطالبة بحقوق الأردنيين من أصل فلسطيني يعني إخراجهم من الدائرة الأردنية، مما سيشكل أزمة هوية".

إلغاء اتفاقية الغاز

وحول ما يمكن للأردن أن يفعله إزاء قضية حي الشيخ جراح؛ رأى البستاني أن "بإمكان الحكومة الأردنية التوقف عن التمويل المباشر للصهاينة ولجيشهم وانتهاكاتهم، وذلك من خلال إلغاء اتفاقية الغاز المبرمة بينه وبين الكيان الصهيوني".

وأوضح أن قيمة اتفاقية الغاز 10 مليارات دولار أمريكي، مقسومة على 15 سنة، "أي أن الأردن يدفع حوالي 660 مليون دولار سنويا للاستعمار الاستيطاني الصهيوني"، لافتا إلى أن "58 بالمئة من قيمة الاتفاقية تذهب للاحتلال على شكل ضرائب ورسوم".

وأضاف البستاني أن أكبر شريك في حقل ليفياثان الذي تستورد منه الحكومة الأردنية الغاز؛ هو شركة ديليك التي تضعها الأمم المتحدة على قائمة مرتكبي الحرب بسبب دعمها لإقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، "وهي ذاتها المستوطنات التي يدينها الأردن ويؤكد أنها غير شرعية".

وعن توقعاته للمسارات التي ستسلكها الدولة الأردنية فعليا للوقوف مع أهالي حي الشيخ جراح؛ قال البستاني إنها لن تقدّم سوى الكلام المجاني والمزيد من الإدانات الكاذبة والفارغة المضمون، كما عودتنا عبر عشرات السنين، "وهذا مسار سهل وغير مقلق".

 

وأكد أن مطالبة الأردن بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية نوع من العبث، "فالقانون الدولي كله هو أداة بيد القوي على الضعيف، وليس للضعيف منه شيء"، مضيفا أن هذا المسار سيكون مضيعة للوقت، "فالقوى الكبرى ليست معنا، ولا أحد يجبر إسرائيل على تنفيذ قرارات المحاكم".

ومنذ عام 1956 تعيش عشرات العائلات الفلسطينية بحي الشيخ جراح، الذي وصلته بعد نكبة العام 1948، وأقامت تلك العائلات في الحي بالاتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت حكمت الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس قبل احتلالها عام 1967) ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.