قضايا وآراء

كيف يمكن أن ندعم القدس قانونيا؟

1300x600

يخوض المقدسيون معركة وجود مع الاحتلال الذي يسعى بكل إمكاناته السياسية والعسكرية والمالية والأمنية إلى أن يهوّد مدينة القدس ويرحل سكانها الأصليين منها، متذرعا بحجج واهية لا تستند إلى قانون أو أخلاق أو حتى منطق. في مقابل ذلك لا يمتلك المقدسيون إلا إمكانات المواجهة والصمود، ويواجهون باللحم الحي آلة عسكرية ضخمة لا تتورع عن استخدام أقذر الأساليب وأبشعها؛ من قتل واستيلاء وترحيل وتضييق على المصلين.

ويلقى المقدسيون دعما عاطفيا من الشعوب العربية والإسلامية لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب. أما على المستوى السياسي العربي فالأمر مخجل عن حق، وبالكاد تسمع بيانات تنديد أو شجب، وأكثر من ذلك قامت بعض الدول العربية بعمليات تطبيع مع الاحتلال دون النظر إلى ما يجري على الأرض بحق الفلسطينيين بشكل عام وسكان القدس بشكل خاص.

دوليا، لا يختلف الأمر كثيرا، فالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول أصدروا بيانات خجولة مترددة.

يلقى المقدسيون دعما عاطفيا من الشعوب العربية والإسلامية لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب. أما على المستوى السياسي العربي فالأمر مخجل عن حق، وبالكاد تسمع بيانات تنديد أو شجب، وأكثر من ذلك قامت بعض الدول العربية بعمليات تطبيع مع الاحتلال دون النظر إلى ما يجري على الأرض

إزاء صمود المقدسيين في مواجهة آلة الفتك والإجرام الإسرائيلية في القدس، وإزاء صمت عربي ودولي مريب، كيف يمكن أن ندعم القدس قانونيا؟

أولا: الوضع القانوني لمدينة القدس:

1- مدينة القدس مدينة محتلة:

تبنت الجمعية العامة في جلستها العامة رقم 128 بـ23 صوتاً مقابل 13 وامتناع 10، القرار (181)، الذي ينصّ على أن تنشأ في فلسطين دولتان مستقلتان: عربية ويهودية. ويكون لمدينة القدس حكم دولي خاص، لتكون بذلك كياناً منفصلاً (Corpus Sepratum) خاضعاً لنظام دولي خاص؛ تتولى الأمم المتحدة إدارة المدينة، وتعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عنها.

كما أصدرت الأمم المتحدة بالإضافة إلى القرار 181 العديد من القرارات بخصوص مدينة القدس، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967 والذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال حرب حزيران/ يونيو 1967، وضرورة إحلال سلام وطيد عادل في الشرق الأوسط، كما دعا قرار مجلس الأمن رقم 252 في 21 أيار/ مايو 1968 "إسرائيل" بصفتها دولة احتلال؛ إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع القدس، ورفض جميع تلك الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها والتي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في وضع القدس.

ضمّت دولة الاحتلال الإسرائيلي في 30 تموز/ يوليو 1980 القدس الشرقية إليها، لتصبح بذلك، حسب قرارها، خاضعة للسيادة الإسرائيلية، واعتبرتها عاصمتها الموحدة بموجب تشريع قانون أساسي نصت المادة الأولى منه على أن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل".

ورغم ذلك لم تعترف معظم دول العالم بالوجود الإسرائيلي في القدس، وبالتالي لم يُعترف بها عاصمةً لها كما أعلنت سنة 1950.

2- الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية: القدس مدينة محتلة

في عام 2004 وبعد سبعة أشهر من المداولات القانونية، قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنّ الجدار الفاصل الذي يقيمه الاحتلال الإسرائيلي على مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس ينتهك القانون الدولي، ودعت إلى إزالته وتعويض الفلسطينيين المتضررين من بنائه. وجاء في نص الرأي الاستشاري أنّ بناء الجدار شكل عملاً لا يتطابق مع التزامات قانونية دولية عديدة مفروضة على دولة الاحتلال.

3- اتفاق أوسلو حاول تمييع الوضع القانوني لمدينة القدس المحتلة:

نص اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1993، على أنَّ قضية القدس والحدود واللاجئين والاستيطان، مؤجلة إلى مفاوضات الحل الدائم. هذا التأجيل أدَّى على أرض الواقع إلى تكبيل أيدي السلطة الفلسطينية من جهة، وفتح الباب أمام الاحتلال الإسرائيلي لمُمارسة سياسة تهويد المدينة. هذا العبث القانوني الذي أوجده اتفاق أوسلو حاول تمييع الوضع القانوني لمدينة القدس، لكن الرأي القانوني الرصين قال بأن اتفاق أوسلو أساسا يتعارض مع القانون الدولي لأنه يتعارض مع أحكام آمرة في القانون الدولي.

نخلص مما سبق إلى أن القدس مدينة محتلة بموجب أحكام القانون الدولي، وأن الاحتلال يبقى احتلالا مهما مر الزمن أو قام بإجراءات وتغييرات على الأرض. إن قرارات بعض الدول بنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة لا يغير من الوضع القانوني شيئا، وإن نضال الشعب الفلسطيني في فلسطين عموما وفي القدس خصوصا يستند إلى أحكام القانون الدولي، وعلى الجميع أن يدعم هذا النضال.
لا يمكن فهم السلوك الإسرائيلي الوقح تجاه القانون الدولي إلا إذا أدركنا أنّ هذه الدولة خارج القانون، وتمارس نظام الفصل العنصري، وهي ذات سجل إجرامي، وقد عبّرت قيادات إسرائيلية بنحو صريح عن هذه العدوانية

لا يمكن فهم السلوك الإسرائيلي الوقح تجاه القانون الدولي إلا إذا أدركنا أنّ هذه الدولة خارج القانون، وتمارس نظام الفصل العنصري، وهي ذات سجل إجرامي، وقد عبّرت قيادات إسرائيلية بنحو صريح عن هذه العدوانية. فمثلاً، صرّح ديفيد بن غوريون يوماً، قائلاً: "إن صراعنا مع الفلسطينيين واضح البساطة، نحن وهم نتنازع على نفس قطعة الأرض، والفرق بيننا وبينهم أننا سنكسب إما بالحرب، وإما بالسياسة، وإما بالخديعة". وبعبارة واضحة عبّرت تسيبي ليفني عن ردّ فعلها على قرار مجلس الأمن رقم (1860) الصادر في 9 كانون الثاني/ يناير 2009 بقولها: "إسرائيل عملت وتعمل فقط بموجب اعتباراتها الأمنية وحقها في الدفاع عن النفس".

ما الخيارات القانونية للدفاع عن مدينة القدس:

1- التوجه لمحكمة الجنايات الدولية مرة ثانية:

إن مجابهة سياسة إسرائيل العنصرية بحق المقدسيين يتطلب التوجه مرة ثانية إلى محكمة الجنايات الدولية وفق جرائم محددة. ويشكل التصنيف الذي قامت به منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بحق السلوك الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الفصل العنصري والاضطهاد، ملفا دسما يمكن أن يقدم إلى محكمة الجنايات الدولية حيث أصدرت هذه المنظمة تقريرا شاملا في 27 نيسان/ أبريل 2021؛ اعتبرت فيه أن القانون الجنائي الدولي يعتبر الفصل العنصري والاضطهاد جريمتين ضد الإنسانية.

2- التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة:

لا شك أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة مثلما هو حال قرارات مجلس الأمن حين تصدر بموجب الفصل السابع من الميثاق. واللجوء إلى الجمعية العامة يعتبر خيارا سياسيا هاما، حيث أن الجمعية العامة تعبر نسبيا عن ضمير العالم، وهي متحررة إلى حد بعيد من القيود والضغوط. وصدور قرارات عن الجمعية العامة من قبيل المقاطعات الاقتصادية لبضائع المستوطنات يعتبر أمرا مهما، لكن يجب لفت الانتباه إلى أن اللجوء إلى الجمعية العامة يحتاج إلى جهد دبلوماسي فلسطيني وعربي وإسلامي كبير جدا.

3- مجلس حقوق الإنسان:

هو من الخيارات المقبولة حيث إن القرارات التي تصدر عنه تحمل صفة سياسية وأدبية مهمة تضاف إلى الملف التراكمي الإسرائيلي. ويعتبر ما يصدر عن مجلس حقوق الإنسان وثيقة مهمة يمكن الاستفادة منها في الملاحقات القانونية.

على المستوى المحلي:

 

فنحن نعلم أن محاكم الاحتلال الإسرائيلي هي جزء فعال من منظومة الاحتلال وهي لا تعمل بمبادئ العدالة والإنصاف، لكن ومع ذلك يبقى اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية خيارا محليا مهما إن توفرت له شروط منها:

محاكم الاحتلال الإسرائيلي هي جزء فعال من منظومة الاحتلال وهي لا تعمل بمبادئ العدالة والإنصاف، لكن ومع ذلك يبقى اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية خيارا محليا مهما

1- أن يلعب الأردن دورا محوريا في الدفاع عن سكان حي الشيخ جراح من خلال توفير الوثائق القانونية اللازمة، ويمكن الاستفادة من منظمات المجتمع المدني الأردني في هذا الخصوص من خلال التعاون مع محامين أردنيين للدفاع عن سكان حي الشيخ جراح. كما يمكن الاستفادة من الولاية الدينية الأردنية على الأماكن الدينية في القدس، وكذلك من تفعيل الدبلوماسية الأردنية على المستوى العربي والإسلامي والدولي.

2- أن تلعب السلطة الفلسطينية دورا واضحا وحاسما في الدفاع عن سكان حي الشيخ جراح، من خلال تشكيل غرفة عمليات قانونية مشتركة بين الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني وتقديم كل أشكال الدعم القانوني الممكن.