أن يجري احتفال بعيد الجلاء السوري في قاعدة حميميم العسكرية وسط احتفال روسي، فهذا يعني وفق منطوق المنظمين أن القوات الروسية هي الجهة الرئيسية القادرة على تحقيق الجلاء السوري وإنهاء تواجد الاحتلالات في سورياة.
وأن يعقد "مجلس الشعب" جلسة برلمانية غداة عيد الجلاء مباشرة لفتح باب الانتخابات، فهذا يعني أن النظام السوري أراد استغلال بروباغندا احتفال الجلاء لإيصال رسائل للعالم بأن أي حل سياسي مستقبلي لن يكون من خارج دمشق.
لا داعي للكتابة عن افتقاد هذه "الانتخابات" للشرعية، ليس لأنها لا تحظى بدعم دولي فحسب، ولا لكونها تجري وسط انقسام شعبي حاد بين مؤيد مشارك فيها ومعارض ممتنع عنها، ولا لأنها تجري وسط بيئة غير محايدة أمنيا وسياسيا واقتصاديا، بل لأن فكرة الاختيار الشعبي الحر غير موجودة في سورية منذ عام 1954.
لن تضيف هذه "الانتخابات" أي شي جديد على المشهد السياسي والقانوني، فقيمتها السياسية والقانونية صفر، لكن دلالة إجراءها وطريقة الإصرار عليها، يطرحان أسئلة عن الأهداف البعيدة من ذلك.
بناء الشرعية المفقودة
بالنسبة للنظام السوري، تشكل الانتخابات عملية مهمة لاستعادة الشرعية، فهو يوجه رسائل لجمهوره في الداخل بأن ثمة تغيرا سياسيا قد طرأ في البلاد ليس بالسهل، فبعد أن كانت الانتخابات تجري بطريقة الاستفتاء (مرشح واحد)، أصبحت "انتخابات حقيقة" فيها أكثر من مرشح، وفيها رسائل للخارج بأنه، أي النظام بدأ عملية حوكمة في الحكم من خلال إشراك منافسين في الانتخابات، وهو ما دفع كثيرين من مؤيدي النظام في الداخل للقول بأن الانتخابات المقبلة هي انتخابات ديمقراطية فيها أكثر من مرشح.
من وجهة نظر النظام، يعتبر فتح المجال لمرشحين رئاسيين آخرين غير الأسد، مقدمة لتوسيع دائرة المرشحين لتشمل شخصيات معارضة في المستقبل، وهذا هو ما يرغب به المجتمع الدولي، وإذا ما حصل ذلك مستقبلا، يكون النظام قد حقق أحد أهم بنود الحوكمة في الحكم.
المقاربة الروسية تقوم على التالي: فصل مسار مفاوضات جينيف عن أية انتخابات تجري في الداخل السوري، ومن شأن ذلك، أن يجعل أي اتفاق يجري التوصل إليه مستقبلا في جينيف موضع تنفيذ في لحظة الاتفاق وليس بأثر رجعي، بمعنى أن الأسد سيبقى رئيسا، ويحق له الترشح إلى أن يحين الاتفاق السياسي.
إنها محاولة مدروسة لقطع الطريق على فكرة "البيئة المحايدة" التي يطالب بها المجتمع الدولي والقرار الأممي 2245، فالنظام قد يقبل بدخول مرشحين من المعارضة في ظل الهيمنة الأمنية المطلقة له، لكنه لن يقبل إجراء انتخابات في ظل بيئة أمنية وسياسية محايدة.
هذه هي أهم رسائل الانتخابات للمنظومة الدولية، فأي حل سياسي في سوريا من خارج النظام أو بموازاة معه هي عملية مكتوب لها الفشل مسبقا، فليس ثمة حل إلا على طريقة النظام، وهي الهيمنة الكاملة مع هوامش لا ترقى إلى المستوى السياسي، بقدر ما هي إعادة لتشكيل ديكور سياسي جديد يتناسب مع المرحلة المقبلة.
روسيا والحل المفقود
من وجهة نظر روسيا، يعتبر إجراء "الانتخابات الرئاسية" السورية ورقة ضغط على المجتمع الدولي، وتأكيد على أن الحلول السياسية الدولية لا تستقيم مع الوضع الذي أصبحت عليه البلاد من الناحية العسكرية.
المقاربة الروسية تقوم على التالي: فصل مسار مفاوضات جينيف عن أية انتخابات تجري في الداخل السوري، ومن شأن ذلك، أن يجعل أي اتفاق يجري التوصل إليه مستقبلا في جينيف موضع تنفيذ في لحظة الاتفاق وليس بأثر رجعي، بمعنى أن الأسد سيبقى رئيسا، ويحق له الترشح إلى أن يحين الاتفاق السياسي.
هذه المقاربة، تمنح الأسد ونظامه الوقت الكافي للاستمرار في الحكم، لأن الاتفاق السياسي الدولي سيمنح النظام وجودا في الحكم، وبهذا يكون النظام قد أمن لنفسه سنوات أخرى في الحكم في مرحلة ما بعد الاتفاق.
تعول روسيا على الوقت، فسياسة تمرير المراحل كافية لاستنزاف المجتمع الدولي والدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، فضلا عن استنزاف المعارضة ذاتها، التي قد تتحول إلى معارضات وازنة، قد يقبل جزء منها في ظل الاستعصاء السياسي القبول بالحلول الجزئية، فيصبح جزءا من لعبة النظام.
حاولت روسيا خلال الأشهر الماضية إقناع أطراف في المعارضة بالمشاركة في الانتخابات والحصول على مناصب رفيعة، في خطوة تهدف إلى ضرب أسفين في صفوف المعارضة من جهة، ومنح نظام الأسد الشرعية من جهة أخرى، وقد عقدت موسكو اجتماعات مع منصات من المعارضة السورية (منصة القاهرة، منصة موسكو، هيئة التنسيق) واجتماعات مع "قوات سورية الديمقراطية" / قسد بهدف دفع شخصيات من هذه الكيانات إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لكن هذه الخطوة لقيت رفضا قاطعا من المعارضة.
كما تعول روسيا على استمرار الاستعصاء السياسي في حدوث تغير في المزاج السياسي لبعض الدول العربية تجاه النظام السوري، خصوصا في ظل المتغيرات التي تجري في المنطقة.
*كاتب وإعلامي سوري
لماذا ترفض القيادات إجراء أي انتخابات؟!
الأردن.. كلفة الدور ومعركة الاستقرار
انتخابات فلسطينية على قاعدة المصالحة لا المغالبة