سلط تقرير موسع لموقع "ميدل إيست آي"
البريطاني الضوء على ظاهرة الاغتيالات السياسية التي تعرض لها ناشطون عراقيون،
وكيف أن تلك الجرائم قد سجلت ضد مجهول، أو عدت ضمن جرائم على خلفيات عشائرية
وليست جرائم سياسية.
يتتبع التقرير عددا من حوادث الاغتيالات خصوصا في مدينة
العمارة مركز محافظة ميسان (جنوبا).
ويؤكد التقرير أن الصراعات الشيعية الشيعية ربما تكون
عاملا رئيسيا وراء تلك الجرائم، لكن لا أحد يستطيع تأكيد ذلك بما فيها الأجهزة
الأمنية الرسمية، وذلك بسبب سطوة تلك الفصائل والأحزاب.
وينقل الموقع عن مسؤولين أمنيين فيدراليين قولهم إن التلاعب
في وصف الجريمة ودوافعها الحقيقية و"تجنب ذكر كل ما يتعلق بالطبيعة السياسية والممارسة
الحصرية"، يسرع في إغلاق التحقيقات، ويفسح مجالا للجُناة والأطراف الداعمة لهم
للإفلات من العقاب أو من التداعيات المحلية.
وفي ما يأتي نص التقرير:
تواصل عائلة ناشط المجتمع المدني الراحل أمجد الدهامات، الذي
قُتل بعد مشاركته في مظاهرة مناهضة للحكومة في العمارة بالعراق في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، حدادها بعد مرور سنة تقريبًا
على وفاته.
لم يلاحظ جاسم حطاب الهليجي وجود دراجة نارية يركبها شابان.
كانت مجرد دراجة أخرى تشق طريقها بين المارة في الشوارع الضيقة والمزدحمة في حي الصناعية
في العمارة. لم يلاحظ الهليجي أيضا نزول أحد الرجلين الذي سار نحوه ببطء ولكن بشكل
مقصود. وحسب شهود عيان، أخرج الرجل حينئذ مسدسا ووجهه إلى رأس الهليجي وأطلق رصاصة
أسكتت الرجل البالغ من العمر 57 عامًا إلى الأبد.
بعد أقل من ساعة، أعلنت الشرطة المحلية أنها ألقت القبض على
القاتل وأن الجريمة سببها نزاع قبلي. وقال ضابط شرطة محلي بارز لموقع "ميدل إيست
آي": "الهليجي هو ابن عم القاتل، وكان لديهم خلافات كبيرة ودعاوى قضائية
متبادلة. لقد أوضح القاتل ذلك في اعترافاته". وفي إفادته، قال الجاني إنه كان
عائدا من العمل وعندما وجد الهليجي أمامه أثناء مروره بمنطقة الصناعية أخرج مسدسه وأطلق
عليه الرصاص وأرداه قتيلا.
كانت البيانات الرسمية والاعترافات المسجلة بالفيديو للقاتل
صريحة: إنها جريمة غير سياسية، ونزاع عائلي. لكن الطبيعة الدقيقة للنزاع لم تُوضح أبدًا،
ولم يفهم سبب حمل القاتل مسدسًا في المقام الأول. بالنسبة للكثيرين في مدينة العمارة
الجنوبية والعراق بشكل عام، كانت هناك قصة مختلفة. كان الهليجي ضحية أخرى لوباء الاغتيالات.
ومثل عمليات القتل السابقة، لم تكن الدوافع التي قدمتها السلطات مقبولة.
اختفاء الابن
تعود مأساة الهليجي إلى أبعد من ذلك، وتحديدا السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر 2019. في ذلك اليوم، تلقى ابنه المحامي علي جاسم حطاب الهليجي مكالمة
هاتفية من امرأة قالت إنه وقع تعيينه لينوبها في قضية طلاق. وتُظهر لقطات كاميرات المراقبة
في ذلك المساء علي وهو ينتظر بسيارته في وسط العمارة، عندما اقتربت منه امرأة ترتدي
عباءة سوداء. ويظهر في اللقطات أنه يتحدث إلى المرأة التي لا يمكن رؤية وجهها لعدة
دقائق قبل أن تتوقف سيارة شيفروليه تاهو سوداء على بعد 10 أمتار من الاثنين وينزل منها
ثلاثة رجال ملثمين ويُجبروا علي على ركوب سيارتهم.
عندما غادرت سيارة التاهو السوداء، ظهرت سيارة تويوتا جديدة
وصعدت المرأة على متنها عن طواعية، ثم انطلقت خلف سيارة التاهو. وبعد فترة وجيزة من اختفاء
علي، بدأت الشائعات تنتشر بأنه اختفى بسبب صلته بحركة الاحتجاج المناهضة للحكومة في
تشرين الأول/ أكتوبر 2019 التي اندلعت في العمارة وجنوب العراق وبغداد.
وفقا للعديد من النشطاء البارزين في المدينة الذين تحدثوا
إلى "ميدل إيست آي"، لم يكن علي ناشطا ولم يكن أيضا من المتظاهرين، بل شارك
مع عدد من المحامين في الدفاع عن بعض الشباب الذين وقع اعتقالهم بسبب مشاركتهم في الأسبوع
الأول من المظاهرات المناهضة للحكومة في سنة 2019. وقال ناشطون إن شائعات خطفه بسبب
دعمه للمتظاهرين انتشرت لممارسة مزيد من الضغط على السلطات للإفراج عنه، بينما كانت
المظاهرات تستقطب أنظار العالم.
كان لهذه القصة جانب آخر غير معلن عنه. لقد أمضى الهليجي
17 شهرا بين اختفاء علي ووفاته وهو يبحث يائسًا عن ابنه. بالنسبة لآخر 13 شهرا، بدأ
في اتهام حيدر الغراوي، زعيم جماعة "أنصار الله الأوفياء" الشيعية باختطافه.
وقالت المصادر إن المرأة التي اتصلت بعلي وظهرت لاحقا في تسجيلات كاميرات المراقبة
كانت إحدى زوجات الغراوي السابقات، وأن الدافع وراء الخطف هو أن الهليجي "تجرأ
على مقاضاة الغراوي".
في تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قال مساعد سابق
للغراوي اشترط عدم الكشف عن هويته: "لا أحد يعرف الكثير عن هذه التفاصيل لأنها
تتعلق بامرأة يُقال إنها كانت الزوجة الثانية للغراوي. لقد استخدمت علي للحصول على
جواز سفر لها بعد انفصالها عن زوجها". وأضاف قائلا: "المعلومات التي لدي
تشير إلى مقتل ودفن علي في إحدى المناطق الخالية بالقرب من الحدود العراقية الإيرانية.
أما المرأة فلم يسمع عنها أحد أي شيء منذ ذلك اليوم ولا نعلم أين هي الآن. قد تكون
قُتلت أيضًا". لم يقل المساعد صراحة إن الغراوي قتل الاثنين، لكنه أشار إلى أنه
يعرف مصيرهما "على وجه اليقين".
رويت القصة نفسها مع اختلاف في بعض التفاصيل من قبل الهليجي
عشرات المرات في اجتماعاته الخاصة والعامة، وذلك وفقا لنشطاء ومسؤولين محليين وأقارب
اتصل بهم موقع "ميدل إيست آي". مع ذلك، لم يتمكن الموقع من التحقق من صحتها
على الرغم من المحاولات المتكررة للاتصال بالغراوي وأحد رفاقه الشخصيين والمتحدث باسمه
الشيخ عادل الكرعاوي. مع ذلك، أرسل موقع "ميدل إيست آي" أسئلة مكتوبة إلى
الكرعاوي التي لم يرد عليها حتى وقت النشر.
إغلاق القضية
في 12 آذار/ مارس، أعلنت محكمة تحقيق العمارة علنا أنها ستغلق
ملف اغتيال الهليجي بعد الموافقة القضائية على اعتراف المشتبه به. وبناء على الاعتراف،
خلصت المحكمة إلى أن الهليجي كان يتهم المشتبه به بخطف ابنه، وأن الضغط دفعه لقتله.
لكن المحكمة لم تذكر علاقة المشتبه به مع الغراوي ولم يتم التحقيق معه على ما يبدو.
حسب مصدرين مقربين من الغراوي، فإن المشتبه به الذي بثت الشرطة
المحلية اعترافاته كان من مقاتلي جماعة "أنصار الله الأوفياء" منذ سنة
2011، حتى إنه قاتل مع الفصيل في سوريا. وقال ضابط شرطة محلي: "لسنا على علم بالانتماءات
السياسية أو غير السياسية للقاتل. ولم تتناول التحقيقات هذا الجزء". وأضاف أن
"الجريمة وقعت بسبب خلافات عائلية واعتُقل القاتل واعترف بجريمته وانتهى الأمر".
لكن الأمر لم ينته بالنسبة للبعض.
سلط اغتيال الهليجي وطريقة تعامل السلطات مع هذه القضية الضوء
على الاتجاه المتنامي في جنوب العراق، حيث تُنسب جرائم القتل لأسباب قبلية وشخصية على
الرغم من أنها تبدو ذات طابع سياسي للغاية، ناهيك عن أن الضحايا في أغلب الأحيان كانوا
ضمن النشطاء والصحفيين والمتظاهرين.
سلسلة من الأحداث الدموية
تقع مدينة العمارة الحدودية، مركز محافظة ميسان، على ضفاف
نهر دجلة، 320 كيلومترا جنوب شرقي بغداد. وعلى غرار معظم المحافظات الحدودية العراقية،
تهيمن المفاهيم القبلية على الحياة في مدينة العمارة وبقية مدن وبلدات ميسان.
تعدّ مدينة العمارة واحدة من أكبر معاقل التيار الصدري في
الجنوب، وهم أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. ويسيطر "الصدريون" على
الحكومة المحلية ومعظم الدوائر الأمنية المرتبطة بها. وتعدّ مدينة العمارة مكانا
مثاليا لأولئك الذين يتطلعون إلى القيام بأنشطة غير مشروعة في العراق. وهي من أهم الممرات
التي تستخدمها العصابات الإجرامية لتهريب الأسلحة والمخدرات والآثار وغيرها من السلع
المهربة.
لا عجب إذن أن تتصارع الفصائل المسلحة والسياسية على السيطرة
على مقاليد السلطة، وتكون نتائج ذلك في بعض الأحيان مميتة. وكان من المحتم تقريبًا
أن يصطدم الشباب المناضل، الذي يحتج من أجل مستقبل أفضل في شهر تشرين الأول/ أكتوبر
2019، بهذا العالم الدموي وما ترتب عن ذلك من عواقب وخيمة.
في بداية حركة الاحتجاج، تجمع المتظاهرون حول مقرات الفصائل
شبه العسكرية القوية والأحزاب السياسية، التي تمثل رموزا للقوى التي بنت ثروتها على
حساب العراقيين العاديين. أضرم المتظاهرون النيران في العديد من المقرات، وعندما بدأ
مئات المحتجين بالتحرك من ساحة مدينة العمارة الرئيسية باتجاه مقر جماعة "عصائب
أهل الحق" في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ الفصيل الشيعي شبه العسكري المخيف بالاستعداد للأسوأ.
كان وسام العلياوي، القيادي البارز في جماعة "عصائب
أهل الحق"، يعتلي سطح مبنى مكون من طابقين مع مجموعة من المسلحين التابعين له.
وعندما حاول المتظاهرون اقتحام المبنى، بدأ العلياوي ورجاله بإطلاق النار في الهواء
لإبعادهم، ثم على أرجلهم لاحقًا.
فجأة ظهرت مجموعة من المقاتلين التابعين لتنظيم "سرايا
السلام"، وهم يعتبرون الجناح العسكري لمقتدى الصدر. وقال شهود عيان لموقع
"ميدل إيست آي" إنهم كانوا يرتدون بدلات وقبعات سوداء، وكانوا يتنقلون على
متن شاحنات صغيرة من طراز تويوتا، ويحملون بنادق كلاشينكوف وقاذفات صاروخية من طراز
"آر بي جي" وقنابل يدوية.
اشتبك الجانبان في معركة دامية استمرت حوالي خمس ساعات. وقُتل
معظم رجال العلياوي، وأصيب القائد نفسه بجرح في الرأس من شظية قنبلة يدوية. وتدخل ثلاثة
من قادة التيار الصدري في مدينة العمارة لإجلاء العلياوي، الذي نُقل مع شقيقه إلى مستشفى
الصدر، حيث أصر الأطباء على ضرورة إخضاعه للعلاج.
كان هذا المستشفى مجاورا للميدان الذي احتشد فيه الآلاف من
المتظاهرين. وفور وصول سيارة الإسعاف، هاجمتها مجموعة من المتظاهرين، وأخرجوا منها
العلياوي وشقيقه، وقتلوهما، ثم اقتلعوا أعينهما وشوهوا جسديهما. لقد أطلقت تلك الأحداث
العنان لسلسلة من الأحداث الدموية التي لا تزال قائمة في المدينة الجنوبية.
سلسلة من عمليات القتل
تعود العداوة بين مقتدى الصدر و"عصائب أهل الحق"
إلى سنة 2005 عندما انشق زعيم العصائب قيس الخزعلي عن جيش المهدي، الذي كان آنذاك الجناح
العسكري للصدر، ليؤسس قوته شبه العسكرية.
استقطبت جماعة "عصائب أهل الحق" عددا كبيرا من
مقاتلي النخبة الذين انشقوا عن جيش المهدي، ومنذ ذلك الحين نشبت بين الطرفين بين الحين
والآخر معارك دموية. وتشير لقطات الفيديو التي سجلها المتظاهرون والمراقبون في 25 تشرين
الأول/ أكتوبر إلى أن الصدريين قد لعبوا دورا رئيسيا في أعمال العنف التي تسببت في
مقتل العلياوي.
في أعقاب الحادث، أمر الخزعلي، الذي عُرف بالجرأة والمواجهة
والخبث، رجاله باستعادة جثث رفاقهم ودفنهم و"الاختفاء تماما من مكان الحادث حتى
إشعار آخر"، وذلك وفق ما صرّح به أحد المقربين من الخزعلي لموقع "ميدل إيست
آي".
قال مساعد الخزعلي: "معلوماتنا أكدت أن ما حدث للعلياوي
كان مخططا وأي رد فعل من رجالنا كان يمكن أن يؤدي إلى الدخول في معركة خاسرة مع الصدريين".
كانت أوامر الخزعلي واضحة وصريحة: "ترك كل شيء على الفور ومغادرة مدينة العمارة".
حسب ما أفادت به عدة مصادر لموقع "ميدل إيست آي"،
فإنه ردا على أوامر الخزعلي، غادر معظم رجاله مدينة العمارة في تلك الليلة. ولكن أبواب
الجحيم فتحت في وجه المتظاهرين والنشطاء الذين لم يكونوا حتى موجودين في مكان الحادث
عندما وقعت الاشتباكات وعمليات القتل.
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من تلك السنة، وقعت أربع محاولات
اغتيال استهدفت ناشطين بارزين مرتبطين بالمظاهرات، اثنتان منها كانتا ناجحتين. وكان أحد
أبرز الضحايا أمجد الدهامات الذي قتل في السادس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي
كان يُنظر إليه على أنه شخصية مرشدة للعديد من النشطاء والمتظاهرين في مدينة العمارة.
كان الدهامات وعدد من رفاقه قد انتهوا لتوهم من اجتماع مع
قائد الشرطة آنذاك عندما اعترضته سيارة جيب سوداء أثناء مغادرته. أطلق أحد ركابها وابلا
من الرصاص باتجاه الدهامات، ثلاثة منها أسقطته أرضًا، بينما أصيب اثنان آخران وهما
زميله الناشط بسام السعيدي، وذلك وفقا للشرطة والناشطين.
سرعان ما قدم عدد من قادة التيار الصدري للنشطاء معلومات
"مفصلة" عن الجناة، وقالوا إنهم من مقاتلي "عصائب أهل الحق"، واتهمت
الروايات العامة رجال الخزعلي. ولكن التطورات على أرض الواقع تشير إلى رواية مختلفة.
قليلون هم الذين صدقوا الادعاءات القائلة إن أحداث 25 تشرين الأول/ أكتوبر كانت نتيجة
الغضب الشعبي، عندما اشتبكت مجموعتان مدججتان بالسلاح لساعات أثناء صد محاولات الوساطة.
وقد وضع احتمال اندلاع الصراع بين الشيعة في تلك الليلة كلا من الخزعلي والصدر تحت
ضغط محلي وإقليمي كبير.
تراجع الخزعلي، الذي شوهد يبكي علنا لأول مرة في تلك الليلة،
عدة خطوات وسحب رجاله من مدينة العمارة "لتجنب المزيد من المواجهات الدموية والمعركة
الخاسرة" مع الصدريين "المتهورين" الذين يمتلكون معاقل في كل المناطق
التي يهيمن عليها الشيعة كما أنهم يفوقونهم عددا"، وذلك وفق ما صرّح به مساعد
الخزعلي لموقع "ميدل إيست آي".
بالنسبة لأهالي مدينة العمارة، فقد أثارت تلك الاشتباكات
مجموعة من التساؤلات: ما هي السلطة التي خوّلت لأتباع الصدر التدخل بدلا من الأجهزة
الأمنية؟ هل كانت هناك بالفعل حاجة لتدخلهم؟ وهل كانت حقا مسألة حماية المتظاهرين،
أم كانت فرصة لتصفية حساباتهم مع العلياوي وجماعة "عصائب أهل الحق"؟
"بدأوا في مهاجمتنا علنا"
أدت اغتيالات تشرين الثاني/ نوفمبر إلى تصاعد الغضب تجاه
"عصائب أهل الحق"، حيث أصبحوا العدو الأول للمتظاهرين في العمارة. وأيا كان
من نفذ هذه الاغتيالات فقد قدم خدمة قيّمة جدا لرجال الصدر في العمارة، من خلال تخفيف
الضغط عليهم وتبرير تدخلهم بتعلة "دعم المتظاهرين"، وفرض هيمنتهم عليهم ثم
مهاجمتهم. تُرى من كان وراء الاغتيالات؟ هل كانت "عصائب أهل الحق" أم "الصدريون"
أم طرف ثالث؟ لم تحسم تحقيقات الشرطة الأمر، لكن التطورات اللاحقة أجابت عن بعض الأسئلة.
بعد مرور ثلاثة أشهر على المظاهرات، فقدت الحركة الاحتجاجية
في جميع أنحاء العراق العشرات من أبرز قادتها، الذين قتلوا أو جرحوا أو اعتقلوا أو
خطفوا أو فروا. وفي العمارة، تولى شابان قيادة الاحتجاجات إثر وفاة أمجد الدهامات،
وهما عبد القدوس قاسم (ممثل مسرحي) ورضا العقيلي (منسق الحركة الطلابية). وقد نجح كلاهما
في إحياء شعلة الاحتجاجات في المدينة وإبقاء أهالي ميسان يحتجون بإصرار في الشوارع.
في شباط/ فبراير 2020، استغل الصدر ترشيح محمد توفيق علاوي
لرئاسة الوزراء للدعوة إلى إنهاء الاحتجاجات، وانسحب أنصاره من الساحات. لكن المتظاهرين
رفضوا علاوي، حيث رفضوا مطالبة الصدر بالوصاية على ساحات الاحتجاج، وقاموا بمظاهرات
حاشدة مرددين هتافات ضد الرجلين. أخبر ناشط بارز في العمارة موقع "ميدل إيست آي":
"مثلت هذه اللحظة مفترق الطرق الذي وصلنا إليه مع الصدريين، حيث بدأوا في مهاجمتنا
علنًا في كل مكان".
قال عدد من النشطاء في الخارج لموقع "ميدل إيست آي"
الذين هاجروا قبل نحو سنتين بعد مقتل رفاقهم، إن قاسم وعقيلي، اللذين تحديا أمام الجميع
أوامر الصدر كانا أكبر عقبة واجهها "الصدريون" أثناء محاولتهم إنهاء المظاهرات
في العمارة. وبحسب أحد النشطاء، فقد "رفض عبد القدوس مغادرة العمارة رغم إصرارنا، واستمر
في انتقاد الصدر ورجاله في منشوراته على "فيسبوك" ومحادثاته مع المتظاهرين.
رضا أيضا لم يلتزم الصمت واستمر في انتقاد الصدر في مقابلاته مع وسائل الإعلام".
في العاشر من آذار/ مارس 2020، اغتيل قاسم وصديقه كرار عادل
وسط مدينة العمارة فيما نجا عقيلي من محاولة اغتيال بعد ذلك بيومين. قال ضابط شرطة
رفيع المستوى في العمارة: "ما يحدث حقا هو صراع دموي على السلطة والنفوذ، مع غياب
شبه كامل للرغبة في إنهاء إراقة الدماء وحل النزاعات عن طريق الحوار. إن السلاح منتشر
في كل مكان ولا تزال العادات القبلية تُمارس في المنطقة، فكيف نتحكم في شاب في العشرينيات
من عمره يمتلك لعبة "آر بي جي 7" ويتمتع بحماية كاملة من قبيلته والفصيل
الذي ينتمي إليه؟".
جرائم القتل المضللة
لا تتوفر إحصاءات رسمية عن جرائم القتل التي تشهدها كل محافظة
بشكل شهري أو سنوي، لكن مسؤولا في التطوير الأمني أخبر موقع "ميدل إيست آي"
بأن 11.5 من كل 100 ألف عراقي يُقتلون كل سنة.
ووفقا لإحصاءات غير رسمية أعدت للدراسة ولأغراض التطوير الأمني
التي حصل عليها موقع "ميدل إيست آي"، فقد سُجلت في سنة 2020 حوالي 4700 جريمة
قتل، مقابل 4180 جريمة قتل خلال 2019، علما بأن هذه الإحصائيات لا تشمل الجرائم ذات
الدوافع الجنائية أو الجرائم العسكرية.
وبحسب ما أفاد به علي البياتي، عضو المفوضية العراقية العليا
لحقوق الإنسان، فإنه وقع اغتيال سبعة أشخاص في العمارة منذ تشرين الأول/ أكتوبر
2019، وهو ثالث أعلى معدل لجرائم القتل التي استهدفت النشطاء والمتظاهرين والصحفيين
في العراق.
في العمارة والبصرة، التي تعد نقطة احتجاج ساخنة أخرى، تم
تصنيف عدد كبير من جرائم القتل "العمد" على أنها عمليات قتل بدوافع قبلية،
وذلك وفقا لما قاله مسؤولو الأمن الفيدراليين لموقع "ميدل إيست آي".
وأكد مسؤولون أمنيون فيدراليون أن التلاعب في وصف الجريمة
ودوافعها الحقيقية و"تجنب ذكر كل ما يتعلق بالطبيعة السياسية والممارسة الحصرية"،
يسرع في إغلاق التحقيقات، ويفسح مجالا للجُناة والأطراف الداعمة لهم للإفلات من العقاب
أو من التداعيات المحلية.
بعد مراجعة معظم حوادث الاغتيال المسجلة في محافظات العمارة
والبصرة والناصرية والديوانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتحدث إلى عدد من ضباط
المخابرات والشرطة ومسؤولين ونشطاء أمن محليين واتحاديين، توصل "ميدل إيست آي"
إلى أن عشرات جرائم القتل سُجلت باطلا على أنها اغتيالات ذات دوافع سياسية أو جرائم
جنائية عادية أو جرائم ذات دوافع قبلية.
حسب ما أخبر به ضابط مخابرات يعمل في الناصرية موقع
"ميدل إيست آي": "لا يُجري ضباط التحقيق والمخابرات تحقيقات جادة عندما
يتعلق الأمر بجرائم القتل التي تورطت فيها قوى سياسية أو فصائل مسلحة. وبمجرد وصول
التحقيق إلى هذه المرحلة، يتم إغلاقه. في الحقيقة، لا يجرؤ أي ضابط على مواصلة التحقيق
في جرائم الاغتيال على وجه الخصوص. إذا كان محظوظا، سيقتصر عقابه على تهديده بإبعاده
من مكان عمله، أما إذا كان سيئ الحظ وواصل التحقيق بقصد أو دون قصد، سيُقتل".
وأضاف المصدر نفسه: "نحن نعلم جميعا هذه الحقيقة، ومع
ذلك يتم تسجيل هذه الجرائم عادة ضد أشخاص مجهولين أو بسبب دوافع عشائرية، وإذا ألقوا
القبض على القاتل متلبسا ولم يتمكنوا من إطلاق سراحه، فإنه لا يفصح أبدا عن انتماءاته السياسية
أو الحزب الذي يعمل لصالحه".
وقال مستشارو الكاظمي إن مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي
تدخل لإحالة قضية الهليجي إلى السلطات في بغداد "لضمان سلامة ونزاهة التحقيق وعدم
تدخل المليشيات لتحويل مسار التحقيق".
وقال ناشط بارز، يتابع تطورات القضية مع عائلة الهليجي، لموقع
"ميدل إيست آي": "اجتاحت المليشيات مدينة العمارة بالكامل، والقضاء
المحلي مقيد وغير قادر على إجراء تحقيقات مهنية ونزيهة في مثل هذه القضايا"، مشيرا
إلى أن "نقل القضية إلى بغداد يعني إعادة فتح التحقيق بعيدا عن الضغوط. نحن نتمنى
أن تكشف التحقيقات عن القاتل الحقيقي هذه المرة".
غضب سُني من "تغيير ديموغرافي" جنوب بغداد.. من وراءه؟
إلغاء انتخابات الخارج يثير جدلا واسعا بالعراق.. من المتضرر؟
ماذا وراء حجب "التحالف" إمداداته العسكرية عن الحشد الشعبي؟