أكدت الكاتبة والمعارضة السعودية مضاوي الرشيد، على أن "السعودية الديمقراطية" هي الحالة الوحيدة التي قد تسهم في استقرار المملكة، مشيرة إلى الموقف الأمريكي من بلادها، والحاجة إلى تغيير النظام على طراز مشابه لذلك في الأردن والمغرب.
جاء ذلك في مقال نشرته على مجلة "فورين أفيرز" وترجمته "عربي21"، قالت فيه إنه خلال السنوات الأربع من رئاسة دونالد ترامب، حصلت السعودية على حرية تصرف تامة من الولايات المتحد، ولم يكتف ترامب بالإشادة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بل رفض معاقبته، بعد أن خلصت وكالات المخابرات الأمريكية إلى أنه لعب دورا مباشرا في مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
ولفتت المعارضة الرشيد إلى "نهج بايدن" المختلف تجاه السعودية، مشيرة إلى أن إفراج إدارته الشهر الماضي عن تقرير منقح عمره عامان من مدير المخابرات الأمريكية (DNI) يؤكد أن محمد بن سلمان كان الجاني الرئيسي في مقتل خاشقجي، خطوة مرحب بها نحو العدالة، ومع ذلك، لم يصل بايدن إلى حد تحميل العقل المدبر لعملية القتل المسؤولية، ورفض معاقبة ابن سلمان مباشرة، وأعلن "إعادة تقويم" بدلا من قطع العلاقات الأمريكية مع السعودية.
وتابعت، بأن إدارة بايدن بررت قرارها بعدم قطع نصف الميل الأخير مع محمد بن سلمان، على أساس أن أمريكا نادرا ما عاقبت القادة الذين تقيم معهم علاقات دبلوماسية، وقد يكون هذا صحيحا، لكنه ليس القصة الكاملة.
وأوضحت أن التحفظ الأمريكي على دفع السعودية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان -سواء في عهد بايدن أو ترامب- ينبع من مكانة المملكة الخليجية كشريك مهم لأمريكا والديمقراطيات الغربية الأخرى، فالرياض تشارك معلومات استخبارية قيّمة في الحرب ضد الإرهاب، وتعمل على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وتحمي من التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، وتوفر سوقا مربحة للاستثمارات المالية ومبيعات الأسلحة.
ونوهت إلى أن العديد من المسؤولين الأمريكيين يخشون من أي حالة زعزعة باستقرار التاج السعودي، وفقدان التعاون الاستخباراتي القيم، أو أن قادة البلاد قد يسعون إلى إقامة شراكات مع الصين وروسيا.
وتشمل المخاوف الأمريكية أيضا أن تؤدي زعزعة الاستقرار إلى استيلاء القوى الإسلامية الراديكالية على المملكة ومواردها، ما يهدد ليس فقط السعودية فحسب، بل جيرانها الخليجيين المقربين.
اقرأ أيضا: بلينكن يضفي ضبابية على إمكانية دخول ابن سلمان إلى أمريكا
وأكدت أن نهج بايدن الحذر تجاه ولي العهد يعكس الفهم الخاطئ للمسؤولين الأمريكيين بأن الضغط يعني الاختيار بين نظام ملكي مستقر وإن كان قمعيا، ودولة إسلامية لا يمكن التنبؤ بها، وربما راديكالية.
وذكرت أن هناك دائما "طريق وسط" قابل للتطبيق، وهو الطريق المستدام للإصلاح الديمقراطي يحمي من جميع التجاوزات، الملكية والجهادية على حد سواء. بالاستفادة من علاقتها التاريخية الوثيقة مع السعودية، فيجب على إدارة بايدن الضغط على العائلة المالكة لإجراء عملية إصلاح تدريجية يُستبدل في نهاية المطاف بمجلس شورى البلاد، الهيئة التشريعية المعينة التي تقدم المشورة للملك، حكومة منتخبة مماثلة لحكومة الأردن أو المغرب.
واستدركت بأنه لا شك أن بعض أفراد العائلة المالكة سيكرهون التخلي عن السلطة طواعية. لكن النظام الملكي في السعودية أكثر عرضة للخطر اليوم مما يرغب العديد من أفراد العائلة المالكة الاعتراف به، ويجب على بايدن أن يضع خطة للإصلاح، باعتباره السبيل الوحيد لإنقاذ النظام الملكي بعد فضيحة خاشقجي.
وشدد على أنه إذا فشل الأمريكيون في تخيل مثل هذا المسار الوسطي، فسيكون الحال ذاته بالنسبة للسعوديين، مشيرة إلى أن السجون السعودية ممتلئة بسجناء الرأي.
وأضافت قائلة: "صحيح أن بعض المعتقلين هم من أنصار القاعدة أو تنظيم الدولة، لكن معظمهم ليسوا كذلك. الأسماء كثيرة جدا لسردها، من ناشطة حقوق المرأة لجين الهذلول، والمصلح الديني الإسلامي الشيخ سلمان العودة، إلى ناشط المجتمع المدني محمد القحطاني، والاقتصادي عصام الزامل".
وأشارت إلى أنه يمكن تخيل السعودية الجديدة التي تحتفظ بالعائلة الملكية ودورها المزعوم في تحقيق الاستقرار، لكنها تسمح في الوقت نفسه ببعض الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك مجلس نواب منتخب، وفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وحرية التعبير والتجمع، وبعبارة أخرى، تريد كل هذه الشخصيات طريقا نحو الديمقراطية البدائية التي تكرم الأمراء الملكيين، لكنها تشارك السلطة مع الشعب، ويمكن أن يطلق عليها اسم "ملكية دستورية".
وتابعت: "فر منتقدون آخرون من السعودية، ليس للانضمام إلى جماعات إسلامية تعدهم يوتوبيا متخيلة مثل داعش، ولكن للعيش في ديمقراطيات الغرب.
وأوضحت أن كندا والولايات المتحدة ودولا أوروبية مختلفة تستضيف الآن مئات من السعوديين المنفيين وطالبي اللجوء، الذين يواصلون الضغط من أجل التغيير في المملكة، ويعتبرهم النظام السعودي عملاء غربيين يلوثون سمعة الأمراء بنشاطهم على الإنترنت، ويعيش العديد من هؤلاء المعارضين في خوف من أن ينتهي بهم الأمر كما انتهى بخاشقجي.
ولفتت إلى إعلانها وآخرين يعيشون في المنفى، في أيلول/ سبتمبر 2020، تشكيل حزب الجمعية الوطنية، وهو حركة مؤيدة للديمقراطية لا تسعى إلى دولة إسلامية ولا جمهورية، بحيث يختار الناس نظامهم السياسي المستقبلي، باستخدام الوسائل الديمقراطية والانتخابات وحرية التعبير.
وأشارت إلى أن هناك قصة تاريخية لإدارة بايدن مع إصدارتها التقرير الاستخباراتي، للناي بنفسها عن شريكها القمعي في الرياض، ومعاقبة قيادتها الإجرامية.
وقالت المعارضة السعودية إن ثمة طريقا ثالثا يتمثل في أن يبدأ الرئيس "بايدن" به، وهو الدفع بالسعودية لتشكيل مجلس سعودي للإصلاح السياسي يتألف من أعضاء سعوديين وأمريكيين من المجتمع المدني ونشطاء ودبلوماسيين وقضائيين.
اقرأ أيضا: مسؤولة أمريكية تجيب عن سؤال "لماذا لم يُعاقب ابن سلمان؟"
،
وتابعت، بأنه يجب أن يكون التفويض الأساسي لمجلس الإصلاح هو إعداد السعودية للانتخابات العامة التي تحل محل مجلس الشورى المعين ببرلمان منتخب والإشراف على رفع القيود المفروضة على التعبير والتجمع والتنظيم السياسي والمجتمع المدني، ويجب على الرياض أن تتعهد بأن العائلة المالكة لن تهيمن على الوزارات المهمة في أي حكومة ينتخبها هذا البرلمان، بعبارة أخرى، أنها ستضع السعودية على طريق ملكية دستورية على الطراز الأردني أو المغربي.
وشددت على أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على دفع العائلة المالكة السعودية لإجراء مثل هذه الإصلاحات، ومنذ عام 1945، قدمت الحكومة الأمريكية للسعودية دعما دبلوماسيا وعسكريا، بل ودافعت عن حدود المملكة ضد العدوان الأجنبي، واكتشفت الشركات الأمريكية نفط السعودية وباعته في جميع أنحاء العالم. وتواصل أمريكا نقل الأسلحة والتكنولوجيا إلى الرياض، وتعليم الآلاف من المهنيين والتكنوقراط المبعوثين بمنح حكومية سعودية.
وفي الماضي، جاء هذا الدعم الأمريكي دون مطالب بالإصلاح السياسي، ويرجع ذلك بحسب الكاتبة إلى المقايضة المتصورة بين الاستقرار والديمقراطية.
وأكدت أن السعودية لم تعد مستقرة كما كانت من قبل، وأدت عدة سنوات من انخفاض أسعار النفط، وعام من كوفيد -19، وارتفاع معدلات البطالة، وتلاشي الاستثمار الأجنبي المباشر، إلى إضعاف الوضع الاقتصادي للمملكة، وإذكاء السخط الشعبي. وأدى القمع السياسي، بما في ذلك سجن المعارضين، إلى مزيد من الضغط على النظام الملكي، كما كان الحال بالطبع للتداعيات الدولية لمقتل خاشقجي.
وتابعت: "لا شك أن البعض في الرياض سيرون أي جهد لربط الالتزام الأمريكي المستمر بالأمن السعودي بالإصلاحات السياسية، باعتباره انتهاكا لسيادة البلاد، لكن يجب على بايدن وفريقه التأكيد على أن خارطة طريق للابتعاد عن القنبلة الموقوتة التي تكمن في الملكية المطلقة هي الطريقة الوحيدة لضمان استقرار السعودية وبقاء العائلة المالكة".
وأشارت إلى أنه يجب إقناع الملك وولي عهده وغيرهم من كبار أفراد العائلة المالكة بقبول القيود المفروضة على سلطتهم؛ من أجل تجنب الانجراف بفعل موجة التغيير على مستوى القاعدة، وأعلى الأصوات المطالبة بالإصلاح في السعودية الآن هي أصوات المعتدلين، لكن هذا يمكن أن يتغير بسهولة. يمكن للجماهير أن تسعى للإطاحة بالملكية وإلغائها.
وأكدت أن المخاوف من أن ينتهي الأمر بواشنطن بدفع الرياض إلى أحضان الصين أو روسيا إذا ضغطت بشدة من أجل الإصلاح السياسي لا ينبغي أن تثني إدارة بايدن عن اتباع هذا الطريق الوسطي، فالرياض لن تذهب فجأة للبحث عن تحالفات جديدة، لأسباب عملية وأيديولوجية، ومن وجهة نظر لوجستية، يكاد يكون من المستحيل تغيير مزودي الأسلحة بين عشية وضحاها، وأجهزة الأمن السعودية، وخاصة سلاح الجو، متداخلة بشكل كبير مع أجهزة الأمن الأمريكية. كما تعمل الروابط التاريخية والثقافية واللغوية مع أمريكا على مقاومة الرحيل المفاجئ إلى الشرق. لقد بدأ الملك عبد الله، الذي حكم من 2005 إلى 2015، علاقات مالية أوثق مع الصين وروسيا. لكن لم تقترب بكين ولا موسكو من استبدال واشنطن بصفتها الشريك الأساسي للرياض، كما أن السعودية أصبحت أكثر اعتمادا هيكليا على أمريكا اليوم.
وشددت على أن الحاجة إلى إصلاح سياسي جوهري -على عكس التغييرات التجميلية، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة- هي حاجة ملحة، ولن تتلاشى ملحمة خاشقجي ببساطة، وفي النهاية ستنتصر إرادة الشعب على سلطة الملكية والسياسة الواقعية لشريكها الأكثر أهمية.
معهد بروكينغز: ابن سلمان بوضع هش ومعاقبته ستضعفه
FT: على إدارة بايدن الضغط للإفراج عن المعتقلين بالسعودية
التايمز: السياسة الخارجية الأمريكية ترى السعودية شريكا فقط