حادثة السلط، تفتح الباب امام تساؤلات أخطر تتجاوز هذه الحكومة، وسابقاتها، ومن سيأتي بعدها، وهذه التساؤلات تقول كلها: لماذا تركتم العديد من الأمور تتفكك وتخرب بهذه الطريقة؟
هذا هو السؤال الأساس؛ لأننا قبل حادثة السلط، شهدنا حادثة البحر الميت، وبينهما قوس كبير من تراجع كل شيء، من التعليم إلى الصحة إلى النقل، إلى الإدارة العامة، وصولا إلى غياب الثقة، وترهل الحكومات، وزيادة العجز، والمديونية، والبطالة، وتفشي الغضب الشعبي بكل أنواعه، وبيع كل مقدرات البلد، وخصخصة كل شيء.
لو كان الأردن خربا، ضعيفا، لقلنا هذا هو حال البلد منذ يومه الأول، لكنه ليس كذلك؛ كان يتلقى الحسد من كل مكان، على بنيته التحتية، والتعليم، والتعليم العالي، والقطاع الصحي، كان مضرب المثل في كل شيء، من نظافة الشارع، وصولا إلى مستوى الخريج، وتأهيل المسؤول، كان كاملا، مثل هرم، تم تركه لاحقا، وكلما صرخ الناس، تنبيها لما يجري، لم يكن أحد ليهتم.
المسؤولون لا يأبهون، وكأننا نبالغ، ونواصل التذمر فقط، وكأن تحويل الأردن الصغير جغرافيا، قليل السكان، منخفض الديون في مرحلة ما، إلى بلد يعاني الديون، ويتراجع في بعض القطاعات التي طالما تميز بها. لا تفسير لسكوت المسؤولين عما يجري تحت أعين الكل.
حادثة السلط قد تتكرر في مواقع ثانية، وبأنماط ثانية، حتى لا ننشغل بحفلة اللطم في عمان وشقيقاتها، وسواء بقيت الحكومة، أو رحلت، فإن جذر الأزمة ما يزال قائما، وهو السؤال المتجدد: لماذا وصلنا إلى حد الاختناق، وبدلا من أن تتهموا الأزمة السورية تارة، والأزمة الكورية الشمالية تارة ثانية، وكلف الكهرباء، وغير ذلك من قصص، لم يحاول أحد وقف هذا التراجع، وكأننا استسلمنا إلى هذا الواقع، الذي لم يصنعه الناس، بل ساهمت فيه الإدارات الحكومية المتعاقبة، التي أدارت الشأن الداخلي، بشكل يومي، دون استراتيجيات، ودون تخطيط، ودون دخول إلى الملفات بشكل تفصيلي، لتصحيح الاختلالات، وتصويب الأداء على المستويات كافة.
منذ سنين طويلة، لم نشهد مشروعا تنمويا كبيرا واحدا، لم نفتتح مستشفى جديدا على مستوى عال، لم نفتتح جامعة تضيف اثرا على مستوى التنافسية، لم نفتح شارعا غير مرقع، لم نبن مدارس جديدة، لم نسأل التجار، ولا المزارعين، ولا الصناعيين، عما يريدون، لم نبن مدينة سكنية جديدة، لم نعبد شارعا قديما الا بعد أن يرحل المئات، لم نفعل شيئا، سوى إدامة الحياة في أدنى مستوياتها.
هذا التوقيت فاصل، ولا بد أن يصحو المسؤول أمام السؤال: لماذا تركنا البلد ليتراجع، برغم أن كل شيء واضح، هل هذا كان متعمدا، أم سوء إدارة، أم قلة إدراك؟
لقد صعد هذا البلد صعودا عظيما، منذ 1950 حتى 1990، حتى بات أيقونة في المنطقة، ثم دخل الرحلة المعاكسة منذ 1990، حتى يومنا هذا، وكأننا اكتفينا بما حققنا، واستسلمنا لمشاكلنا التي كانت صغيرة وكبرت، لأنها لم تجد من يعالجها، واليوم تضخمت المشاكل، وسواء نحرنا الحكومة، سياسيا، أو النواب، أو المعارضة، أو نحرنا كل من يعترض، فإن هذا لا يغير من جذر الواقع، ولا يدخل إلى عمق الأزمة بما تعنيه على مستويات مختلفة.
آن الأوان أن نجلس كخبراء واستشاريين، ليسألوا: كيف نسترد الذي بنيناه، وكيف نوقف عملية التراجع؟
بدون هذا الحل، سنبقى في حالة ترقيع تقودنا إلى ما هو أسوأ.