نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" مقالا للصحفي سكوت بيترسون، قال فيه إن كلمة "النصر" هي الكلمة التي تستخدمها وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري للإشارة إلى بقاء بشار الأسد في السلطة، إلا أن الحقيقة غير ذلك.
وأوضحت أن الأسد لم يقدم أي تنازلات مع المعارضين الداخليين المطالبين بحكم ديمقراطي أكثر شمولا، ولا مع جهاديي تنظيم الدولة الذين حاولوا وفشلوا في تحويل سوريا إلى دولة خلافة لهم.
وبدلا من ذلك، فقد تجنب الأسد الهزيمة باستخدام الأسلحة الكيميائية، والتعذيب المنهجي، والتكتيكات التي ليس عليها قيود والتي حولت مدنا بأكملها إلى أنقاض وخلفت مئات الآلاف من القتلى السوريين.
ولكن المحللين يقولون إنه انتصار باهظ الثمن.
يقول جوليان بارنز-داسي، الخبير في الشأن السوري ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR): "كان انتصار الأسد في المقام الأول هو البقاء"، مضيفا أنه "منذ البداية، قال الأسد وأنصاره 'الأسد أو نحرق البلد' وقد نفذ ذلك في معركته ضد المعارضة".
وقال: "لذلك فهو الآن ملك بلد مدمر مستقبله اليأس المطلق والانهيار المتزايد.. وإذا كان الثمن الذي يجب دفعه للبقاء هو الانهيار الداخلي المستمر، فأعتقد أن النظام مستعد تماما لدفع هذا الثمن".
ومع ذلك، فإن التكلفة المستمرة لشعبه لا يمكن حسابها.
اقرأ أيضا: "صندي تايمز": أسماء الأسد ستلاحق بجرائم حرب في بريطانيا
وضع مأساوي
تجمد الأطفال حتى الموت في مخيمات اللاجئين، من بين أكثر من نصف السكان الذين نزحوا من ديارهم بسبب الحرب. وتحتل القوات الأجنبية أو وكلاؤها أجزاء كبيرة من الأراضي وتسيطر على الجزء الأكبر من موارد سوريا.
تطارد ندرة الغذاء المزمنة 60 بالمئة من السوريين ولا تزال ترتفع -إلى جانب أسعار المواد الغذائية- مع انهيار الاقتصاد، وفقا للأمم المتحدة.
والخوف من حكم الأسد منتشر كما كان دائما، ولا نهاية في الأفق.
حجم الضرر الذي لحق بالنسيج الاجتماعي في سوريا واضح في استطلاع للرأي شمل 1400 شاب سوري -800 منهم داخل البلاد- نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوم الأربعاء.
وجدت جيلا يعاني من الأضرار النفسية. في سوريا، ما يقرب من نصف الشباب يعرفون قريبا من الدرجة الأولى أو صديقا قُتل في النزاع.
وقال روبرت مارديني، مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "لقد كان هذا عقدا من الخسارة الفادحة لجميع السوريين"، تميز "بفقدان الأحباء، وفقدان الفرص، وفقدان السيطرة على مستقبلهم".
في الواقع، وحتى مع دخول الحرب إلى طريق مسدود في ساحة المعركة -مع قتال ضئيل نسبيا في العام الماضي- فإن ندرة الغذاء "أسوأ من أي وقت مضى"، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. ويذكر أن 12.4 مليون سوري يعانون من "انعدام الأمن الغذائي"، مع تضاعف الحالات الشديدة في العام الماضي وحده.
وعلى الرغم من مزاعم النظام بالنصر، فإنه لا يوجد إحساس بوجود ذلك النصر.
ويقول عبد الرحمن المصري، محلل الشؤون السورية في أتلانتيك كاونسل: "داخليا، بدأ النظام يشعر بعبء الانتصار: لقد نجوت، لكنك لا تتحكم بأي شيء تقريبا".
"المستقبل قاتم بالتأكيد لكل السوريين، للأسد، لكل هؤلاء الفاعلين في جانب المعارضة. لا توجد آفاق مأمولة لأي شيء للتقدم".
هذا له عواقب ليس فقط على الأسد والشعب السوري، ولكن على القوات الخارجية التي لا تزال منتشرة في جميع أنحاء المشهد السوري، وبعضها تقيم تكاليف تدخلها.
قوى عديدة
تقدمت القوات الموالية للحكومة إلى حدود الأراضي التي تمت استعادتها في القتال.
وربع البلاد، إلى الشمال الشرقي، تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا والتي يقودها الأكراد، والتي لعبت لسنوات دورا مهما في القتال ضد تنظيم الدولة.
هذه هي سلة غذاء سوريا، وموطن مواردها النفطية، الآن تحت الإدارة العرقية الكردية، بدعم من قوة متبقية من عدة مئات من القوات الأمريكية.
في الشمال الغربي، يوجد حوالي 12000 جندي تركي في البلاد، لحماية جيب إدلب ومنطقة عازلة حدودية، فضلا عن منع إنشاء دويلة عرقية كردية قد تساعد المسلحين الأكراد في تركيا على شن حربهم ضد أنقرة.
ومما يزيد من ضعف "النصر" بالنسبة لدمشق عودة ظهور جهاديي تنظيم الدولة، الذين تصاعدت أساليبهم في حرب العصابات ضد قوات الحكومة السورية -التي لا تزال تدعمها روسيا وإيران- في العام الماضي. وتسببت هجمات تنظيم الدولة المتعددة في الصحراء الوسطى في شباط/ فبراير، على سبيل المثال، في مقتل أكثر من 50 جنديا مواليا للنظام.
تقول دارين خليفة، كبيرة المحللين المختصين بسوريا في مجموعة الأزمات الدولية: "اليوم إذا نظرت إلى المشهد العسكري في سوريا، فقد فقدت الحكومة 80 بالمئة من الموارد الطبيعية وستظل بعيدة المنال في المستقبل المنظور".
وقالت: "قد يتم جر الجميع إلى تغيير هدف المهمة. لقد حاول ترامب الانسحاب من سوريا ثلاث مرات ولم يستطع.. هذا ليس لأنه كان ترامب، ولكن لأن الموقف صعب حقا".
وقالت: "لم تكن هناك استراتيجية خروج قابلة للتطبيق.. كان الأساس المنطقي وراء الحرب ضد تنظيم الدولة قائما على تحدي التركيبة السكانية المحلية والجغرافيا السياسية المحيطة به، ودعم مجموعة أقلية [الأكراد] في حالة حرب فعلية مع دولة مجاورة [تركيا]. إنه يجعل من الصعب حقا على الأمريكيين الانسحاب دون حدوث كارثة هناك مرة أخرى".
ومما يضاعف من خسارة الأسد للأراضي والموارد تشديد العقوبات، ما يعني أن النظام أيضا "يخسر الحرب الاقتصادية"، على حد قولها. حتى المعلمين والتكنوقراط يتركون مناصبهم الحكومية من أجل رواتب أفضل في منطقة قوات سوريا الديمقراطية.
وقالت خليفة: "لديهم حماية أمريكية، ولديهم النفط، لذا فهي صفقة أفضل".
تسلط هذه النتيجة الضوء أيضا على التحدي المتزايد المتمثل في توفير حتى الخدمات الأساسية، ناهيك عن الغذاء، حيث يعتمد السوريون بشكل متزايد على الخبز المدعوم من الحكومة، مع تضاؤل الإمدادات وانهيار عملتهم.
حتى روسيا بدأت في التفاعل مع القيادة الكردية، وبدأت مؤخرا في تجنيد رجال المليشيات المحلية في المناطق الكردية الخاضعة لسيطرة النظام، "على الرغم من أنه لن يحدث أي شيء كبير حتى يخرج الأمريكيون بشكل واضح"، بحسب عبد الرحمن المصري.
ويضيف أن روسيا تمارس نفوذها كوسيط لوقف إطلاق النار عبر خطوط جبهات متعددة، "لكنهم واقعون في فخ. يتعين عليهم إدارة هذا الأمر باستمرار وإيلاء اهتمام عميق له حتى يتمكن في الواقع من الحفاظ على نفسه".
وأظهر الأسد طيلة الوقت أنه لا حدود لوحشية النظام.
أصدرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا الأسبوع الماضي نتائج تستند إلى ثروة "مذهلة" من الأدلة -و2500 مقابلة على مدى 10 سنوات- بأن مصير عشرات الآلاف من المدنيين المحتجزين والسجناء لا يزال غير واضح، وأن الآلاف غيرهم تعرضوا "لمعاناة لا يمكن تصورها" من التعذيب والعنف الجنسي والموت في الأسر.
لا يمكن أن يكون هناك عرض مصور أقوى من عشرات الآلاف من الصور المهربة من سوريا في 2013 من قبل منشق عسكري يُعرف باسم "قيصر"، كانت وظيفته لدى النظام توثيق حالات الوفاة في الحجز. معظم الضحايا البالغ عددهم 6786 والذين تعرفت عليهم منظمة هيومن رايتس ووتش من الصور كانوا نحيلين وأظهروا علامات مروعة تشير إلى التعرض للتعذيب.
لا تزال الصور تطارد السوريين، وفقا لرجل يقف في طابور الخبز في ريف دمشق، والذي نقل عنه بحث مفصل لمعهد نيولاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن.
يقول الرجل، حسب الكاتبة إليزابيث تسوركوف ومحلل سوري: "في اللحظة التي أبدأ فيها بالتفكير [في التمرد]، تظهر صور قيصر أمامي.. يبدو الأمر كما لو أن كل صورة محفورة في ذاكرتي، كيف بدت أجسادهم هزيلة، وأين أصيبوا. أتخيل ماذا سيحدث لو صرخت ولعنت النظام وثرت".
هذه نتيجة واحدة، بعد 10 سنوات من الحرب التي كان آخر تقدير لعدد القتلى فيها من قبل الأمم المتحدة هو 400 ألف – وكان ذلك في عام 2016.
وقالت خليفة: "التصورات حول مدى وحشية النظام راسخة بشكل جيد الآن في المجتمع لدرجة أنه حتى لو تدهور الوضع الاقتصادي والأمني بسرعة، فأعتقد أن الناس مستنزفون للغاية لمحاولة التعبئة ضد النظام.. إنهم يعرفون الآن أين يكمن ميزان القوى".
وهذه القوة لا تكمن في مواطني سوريا المحاصرين أو الأمم المتحدة أو أي جهة خارجية.
يقول بارنز داسي من ECFR، الذي عاش قبل الحرب في سوريا لأكثر من ثلاث سنوات: "كانت استراتيجية الأسد، في جوهرها، واحدة من فرض حكمه بالإكراه على البلاد، والتي رفضه جزء كبير منها".
"ما زلنا نرى هذه الحسابات بالنظر إلى أن النظام لن يتنازل عن شبر واحد في أي نوع من الإصلاح، وهو ما أظن أنه يعكس اعتقادا بأنه بمجرد فتح الباب شبرا واحدا، فسينهار كل شيء".
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
"صندي تايمز": أسماء الأسد ستلاحق بجرائم حرب في بريطانيا
ايكونوميست: سوريا بعد عشر سنوات.. محطمة والحاكم لم يتغير
التايمز: ثورة سوريا أججت اليمين المتطرف والاستقطاب بأوروبا