تتشكّك فئات واسعة من أبناء
الشعب الفلسطيني في جدية وصحّة إجراء الانتخابات، في شهر أيار / مايو المقبل، فهذه
ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها عن انتخابات، من دون أن تتم.
وتدور نقاشات واسعة بين مختلف الفئات والأوساط
الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل وحتى في الخارج، وفي المناطق
الفلسطينية المحتلّة عام 1948، حول موضوع الانتخابات، وتتمحور بين مؤيّد لها
ومتحمّسٍ لخوضها، وبين معارض لها، وما بينهما من جمهور صامت ومتشكّك أو منتظر،
وكلّ طرف يسوق حججه وبراهينه على صحّة رأيه وموقفه.
وفي واقع الحال، فإنّ الشعب الفلسطيني وقواه
وأحزابه في مأزق! فالانتخابات لن تأتي باستقلال وطني وجلاء الاحتلال عن الضفة
الغربية وقطاع غزة، وتبقى محكومة بسقف اتفاقات أوسلو وملحقاته، التي لم تجلب للشعب
الفلسطيني سوى الكوارث والمآسي، المتمثّلة في ابتلاع الاحتلال الإسرائيلي للضفة
الغربية، وتكثيف الاستيطان ونهب الأراضي، وتهويد القدس وثلّة فاسدة لا يهمّها سوى
المحافظة على مصالحها. ناهيك بأنّها لن تأتي بشخصيات جديدة ونهجٍ مقاوم فعلا، لا
قولا، للاحتلال. ومن ناحية أخرى، فإنّ المقاطعة تتيح للمتسلّقين ولنهج التفريط
الوصول إلى "التشريعي" ومواقع صنع القرار، للتحكّم بالقضايا المعيشية
والحياة اليومية لأبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتؤدّي في ما
تؤدّيه، إلى تهميش كلّ أبناء الشعب الفلسطيني خارج الضفة الغربية وقطاع غزة.
(تقول إحدى الدعايات السياسية: إنّ الانتخابات
هي التي ستجعل العالم يحترمنا ويحسب لنا ألف حساب، وهي دعاية تنطلق من إذاعة محلية
محسوبة على تيار سياسي، يُعرّف نفسه بأنّه "ليبرالي"). وفي مواجهة هذا
التضليل، والاستهانة بوعي "الناخب"، لا بدّ من السؤال: كيف ستفعل
الانتخابات ذلك؟!
وممّا يزيد الناس حيرة وشكّا في النتائج
"الإيجابية" للانتخابات، التي يتحدّث عنها المتحمّسون لها، هو وجود
قناعة راسخة لدى غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، أنّ الانتخابات لن تغيّر في واقع
الانقسام المقيت شيئا، فلا "حماس" مستعدّة للتنازل عن غزة
لـ"فتح"، ولا هذه الأخيرة مستعدّة للتنازل عن الضفة الغربية
لـ"حماس"، مهما كانت نتائج الانتخابات، وأيّا كان الفائز فيها.
ما الذي يريده طرفا الانقسام من الانتخابات؟
السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحزبها المهيمن "فتح"، يريدان تجديد
ثقة متآكلة على مدار سنوات سابقة، أمّا "حماس"، فتريد "شرعنة"
هيمنتها على قطاع غزة، إضافة إلى البحث عمّن يحمل عبء التمويل عنها في قطاع غزة،
وسواء هنا أو هناك، لن تغيّر الانتخابات من الأمر شيئا. هذا إذا أهملنا العوامل
الدولية والإقليمية في الضغط على ضرورة إجراء الانتخابات.
في الطريق إلى الانتخابات، وقبل موعد إجرائها
المقرّر في أيار / مايو، لا بدّ من الإجابة على تساؤلات عديدة، وإيضاح أمور لا بدّ
منها، نوجزها في التالي:
أولا: موضوع القدس وهو من أكثر المواضيع
تأثيرا وحساسية، فهل ستشارك القدس في الانتخابات في شكل واضح وجلي، أي بوجود
صناديق الاقتراع في مراكز انتخابية داخلها، وليس خارجها وعلى أطرافها، كما حصل في
مرات سابقة، وهل ستسمح سلطات الاحتلال بذلك؟ وفي حال رفضها، هل ستتمّ الانتخابات
من دون القدس، بكل ما يعنيه ذلك من مدلولات سياسية؟ وما هي الضمانات لعدم اعتقال
المرشحين من أبناء القدس قبل الانتخابات، أو بعد نجاح من ينجح منهم؟
إذا كانت في انتخابات سابقة
لـ"التشريعي"، أو "الرئاسة" لم تسمح سلطات الاحتلال بوجود
صناديق انتخابية داخل القدس، وقامت لاحقا باعتقال عدد من "نوّاب القدس"،
وما زال بعضهم رهن الاعتقال، فهل ستسمح بذلك الآن، وهي المتسلّحة بقرار أميركي
باعتبار القدس "عاصمة" إسرائيل، في ظل انعدام موقف عربي ولا حتى فلسطيني
جريء وردٍّ على مستوى الحدث؟
ثانيا: اتفاق "فتح"
و"حماس" على قائمة موحّدة، ما يلغي مسبقا إمكانية نجاح أيّ مرشح خارج
تلك القائمة، إلا إذا "تمّ إلحاق" البعض من قوى وأحزاب من خارج الحركتين بقائمتهما المشتركة، للديكور
وتحسين الصورة ليس إلّا، من دون أن يكون لأولئك الملحقين أيّ تأثير يُذكر لا في
السياسة، ولا قضايا الناس اليومية، وهمومهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ينزع
عن الانتخابات صفتها "الديمقراطية"، حيث تتحدّد النتائج مقدّما.
ثالثا: هل ستشارك كلّ القوى والأحزاب
الفلسطينية في الداخل والخارج في هذه الانتخابات، وفي حال استنكاف غالبيتها
"العددية" عن المشاركة، فما هو مصير ما يُسمّى بـ"العرس
الديمقراطي"؟
رابعا: كلّ من يشارك في هذه الانتخابات
سيُعتبر تلقائيا، موافقا على اتفاقات أوسلو، ونهجها وملحقاتها، حتى لو أصدر من
البيانات والتصريحات المضادّة لأوسلو ركاما يساوي جبال فلسطين.
خامسا: يحاجج أنصار الانتخابات والمتحمّسون
لخوضها، بأنّ معارضة نهج السلطة السياسي والاقتصادي ستكون أقوى من الداخل، ومع
الاحترام لهكذا رأي، فمن سيضمن نجاح هؤلاء المحاجِجين، وكم ستكون نسبتهم في مجلس
تشريعي، يدين في غالبيته الساحقة لنهج السطلة الذي يعتبر "أوسلو" سقفه
الأعلى؟
سادسا: ما هو مصير أبناء الشعب الفلسطيني خارج
الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ألا تمثل الانتخابات قطيعة تامة ونهائية معهم ومع
قضاياهم؟
سابعا: ما مصير "منظّمة التحرير
الفلسطينية" التي فاوضت ووقّعت على اتفاق أوسلو، وخصوصا قد شهدنا في الفترة
السابقة تلاشي وذوبان دورها لمصلحة "السلطة الفلسطينية"، والذي يُتوقّع
أن يزداد ويتعمّق بعد الانتخابات العتيدة؟
ثامنا: هل سيلغي "التشريعي" كلّ
القوانين التي أصدرها الرئيس (قرار بقانون) وهي تُعدّ بالمئات، في ظلّ غياب
المؤسّسة التشريعية في القترة الماضية؟ أو بالأحرى هل سيُسمح له بذلك؟
تاسعا: هل يستطيع "التشريعي
العتيد"، معالجة قضايا الناس وهمومهم اليومية، مثل تغوّل شركات الاحتكارات،
والحد من ارتفاع الأسعار الذي أرهق جيوب العمّال والفلّاحين وصغار الموظفين وسائر
الفئات الكادحة.
عاشرا: وأخيرا، هل يستطيع "التشريعي
العتيد"، محاسبة وملاحقة الفاسدين في مؤسّسات السلطة وخارجها، واسترداد
الأموال المنهوبة؟
هذه أسئلة الشارع الفلسطيني، وهي موجّهة في
الأساس إلى المتحمّسين للانتخابات وخوضها، وعليهم الإجابة عليها من خلال برامجهم
الانتخابية، بشكل واضح وجلي لا لبس فيه، ليتمكّن الناخب من المفاضلة وانتخاب من
يعتقد أنّهم قادرون على تنفيذ برامجهم، في حال إجراء الانتخابات، والمشاركة فيها تصويتا.
ويبقى السؤال الكبير الذي سقناه في المقدّمة،
هل ستجري الانتخابات فعلا في موعدها، المعلن عنه؟