تجالس عربا، وبعضهم يتطاول بعنقه على الأردن، برغم أنه من دولة فاشلة، فرّط أهلها بها، ويغمز من قناة الأردن، صراحة، ويقول لك؛ إن هذه دولة صغيرة، وظيفية، ليس لها تاريخ.
حين يشتد النقاش مع هؤلاء، وتحكي لهم تفاصيل كثيرة، تستنتج أن الغيظ ربما هو الذي يصنع قناعات هؤلاء، خصوصا، حين تقول لهم؛ إن دولة صغيرة وفقا لتعبيرهم، بموارد قليلة، وبتنوع اجتماعي غني، وبدون دكتاتورية رسمية، استطاع أن يبقى على خريطة الإقليم، مائة عام، وهو يستعد لأن يدخل المئوية الثانية، دون أن ننكر هنا، وجود مشكلات.
الدولة الصغيرة، جغرافيا، بنظامها غير الدموي، وشعبها الأصيل، هي التي بقيت، وستبقى بإذن الله، فهي لم تكن صغيرة في إرادة من فيها، بل إن أهلها برغم هذا التجريح، أحيانا، يشعرون بألم قومي حين يرون كيانات أكبر باتت ذبيحة، في هذا الزمن الصعب، فلا يتخلون عن أحد من جوارهم، برغم كل ضنك العيش هنا، وضيق الطرقات.
لكننا في الوقت ذاته، لا نستغرق في الفخر، ونفهم جيدا الفرق بين الفخر الزائف والفخر المنطقي، فهو فرق بسيط، ويكمن في تشخيص العلل، من أجل وضع الحلول.
في منطوق الأمير الحسن، قبل يومين، كلام مهم عن المئوية الثانية، في مقاله الذي نشره بعنوان “على عتبة المئوية الثانية للدولة”، وعبره تظهر أولا تلك السلسلة التاريخية التي استند إليها، في رواية قصة الدولة، من الملوك الأجداد، وصولا إلى الملك عبد الله الثاني، في مشهد يكرس شرعية الحكم، ويمتثل بكل خلق نبيل واحترام، أيضا، لروح الشرعية التي يمثلها الانتقال في الحكم، في إشارة تدل على أن مصلحة الأردن أولا لدى الأمير. مثلما أن شخصا كالأمير وبكل ما تعنيه قيمته، يعزز صورة العائلة الحاكمة كوحدة واحدة صلبة قوية، عبر التاريخ، والواقع الحالي، والمستقبل، تاركا الروايات المضللة للذين يصنعونها.
تلك هي أيضا، شهادة وازنة حول ما يقوله الأمير عن الملك، الذي استطاع أيضا أن يعبر بالأردن في ظل تحديات دولية وإقليمية صعبة جدا، تحديات أطاحت بدول وكيانات وشعوب.
يستعرض الأمير في مقاله نشأة الدولة، وعروبة هويتها، والمشروع العربي الكبير، ودور الأردنيين الذين ساندوا هذا المشروع، ثم تعقيدات البريطانيين والفرنسيين وعلاقتهم بتقسيم المنطقة، وما كل ما له علاقه بفلسطين، والتآمر على الدولة العربية الكبرى، ثم حديثه عن نشأة الجيش العربي الأردني، ودور العشائر، وأهم عناصر قيام الدولة الأردنية.
عبر استعراض تاريخي محمل بالإشارات، يدخل الأمير إلى مئوية الدولة الثانية، التي تأتي في عهد الملك عبدالله الثاني، وعبرها يؤشر على جملة قضايا، واضعا عنوانين للمئوية الثانية، هما: رسالة عمان، التي تشدد على التسامح والاعتدال، وأوراق الملك النقاشية السبعة، التي حدد فيها الرؤية والاستراتيجية، وذلك في سياق كلام الأمير عن دولة المئوية الثانية التي لا بد أن تقوم على خطاب حداثي ومتنور.
يتحدث الأمير صراحة ويقول: ”تظل المشكلة التي يجب الوقوف عندها باهتمام، هي خطاب الحكومات في المئوية الأولى، وآلياته وكيفية تفاعل الشعب معه، هذا هو التحدي الذي يجب حسمه مع مطلع المئوية الثانية، لئلا تستمر ذات آلية الخطاب، كي لا يتم إقصاء الفئات التي تمتلك الكفاءات المناسبة للزمن القادم، وكي لا تتكرر الوجوه وتدور في دائرة مغلقة”.
يتطرق الأمير الى ملف الإدارة الموحدة للدولة، وعبر هذا العنوان يناقش الحاكمية الرشيدة في المؤسسات الرسمية والخاصة، الوضع الاقتصادي، تكريس دور المؤسسات دون ربطها بالأشخاص، تحديث التشريعات، هوية المجتمع الأردني وقدرته على التجديد.
مقالة الأمير، مقالة من رجل دولة، ساهم في نهضة المملكة، وبقي من أعمدة استقرارها، وما يزال، وقدم رؤيته قائلا بما معناه؛ إن عهد الملك، استمرار لسلسلة الآباء والأجداد، بكل هذه الشرعية، وهو عهد مؤهل لأن نجدد فيه شباب الدولة، ونطرح فيه برنامجنا الجديد.
بعضهم يقول هذه دولة صغيرة، ولن تبقى! الذي يقول هذا الكلام، لا يفهم قصة الأردن جيدا، فهي دولة كبيرة حقا، بكل إرثها ومؤسساتها ورجالاتها وشعبها، وقدرتها على النجاة، ولا أحد فينا يفرط فيها، أو ينزع إلى غدرها في ظهرها، أو نقض عهودها.
يكفي الحكم في الأردن، شرفا، أنه لم يرفع سيوفه على أعناق الناس، ويكفي الناس فخرا، أنهم يدركون قيمة وطن يستحق أن نحميه، فتعلموا منا سرّ البقاء، بدلا من إطالة اللسان.
(عن صحيفة الغد الأردنية)