نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لعالم الاجتماع السياسي الأمريكي، والزميل في معهد "فريمان سبوغلي" للداراسات الدولية بجامعة ستانفورد، لاري دياموند، تحدث فيه عن مشهد الهجوم على الكونغرس في واشنطن من قبل أنصار الرئيس المثير للجدل، دونالد ترامب.
وقال دياموند في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن الهجوم أضر بشكل كبير بهيبة الديمقراطية الأمريكية، ومنح خصوم الولايات المتحدة فرصة التشفي بها، حتى إن رابطة الشبيبة الشيوعية الصينية وصفت المشهد بأنه "جميل"، وذكر واشنطن بموقفها من احتجاجات 2019 المؤيدة لـ"الديمقراطية" في هونغ كونغ.
وفي المقابل، صُدم حلفاء أمريكا الديمقراطيون، الذين يفهمون جيدا أهمية قيادة أمريكا لقضية الحرية العالمية.
والأكثر إثارة للصدمة هو حدوث ذلك بالتزامن مع "أقوى تجمع ديمقراطي في العالم في يوم مهمته التداولية الأكثر أهمية: التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية"، بحسب الكاتب.
وتابع دياموند بالقول إن القادة السياسيين والمدنيين الأمريكيين يواجهون الآن مهمة عاجلة تتمثل في إصلاح نسيج الديمقراطية الأمريكية.
وبحسبه، فقد كان حصار مبنى الكابيتول مأساة، "لكنه كان أيضا جرس إنذار. حاليا لا يوجد دليل يشير إلى مؤامرة تم وضعها بعناية من قبل مليشيات منظمة أو مدربة جيدا.. إذا كان بإمكان عصابة من المتظلمين راديكاليا الذين يحملون عقلية المؤامرة إجبار أعضاء الكونغرس الأمريكي على تكسير قطع أثاث المجلس للدفاع عن أنفسهم، وإخلاء غرفهم خائفين، فماذا كان يمكن أن يفعل عصيان خطير؟".
وأضاف أن الضرورة الأولى لأي ديمقراطية "هي تأمين وحماية نفسها ماديا، شعبها وموظفيها العامين ومؤسساتها. وحيث إنه تم التذكير بهذه الحقيقة بوقاحة، فإنه يمكن أن تتجنب البلاد مأساة أسوأ بكثير في المستقبل".
ومع ذلك، فإنه "ما كان ينبغي أن يهاجَم المجلس التشريعي لتنبيه الأمريكيين إلى المخاطر الكامنة تحت سطح خطابهم السياسي. لقد حذر المحللون لسنوات من تآكل المعايير الديمقراطية للولايات المتحدة ومن الاستعداد المتزايد لناخبيها المستقطبين بشدة للتغاضي عن العنف السياسي أو احتضانه".
وذكّر الكاتب باستطلاع أجري في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وجد أن واحدا من كل خمسة أمريكيين ممن تم تحديدهم على أنهم ديمقراطيون أو جمهوريون شعروا بأن العنف سيكون على الأقل مبررا "قليلا" إذا فاز المرشح من الحزب المعارض في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
والأكثر إزعاجا، بتعبير دياموند، هو أن واحدا من كل عشرة أعضاء من كلا الحزبين قال إنه سيكون هناك "الكثير" أو "قدر كبير" من المبررات للعنف إذا فاز الطرف الآخر.
وبينما بدا الديمقراطيون والجمهوريون منفتحين بالمثل على أعمال العنف بعد الانتخابات، فقد كان هناك اختلاف كبير بين الحزبين. فقد أعلن زعيم الحزب الجمهوري - الرئيس دونالد ترامب - أنه سيرفض نتيجة الانتخابات إذا خسر، وكرر ذلك مرارا حتى قبل الانتخابات.
وأثار ترامب الشكوك حول مصداقية الانتخابات قبل إجرائها، ورفض نتائج الاستطلاعات ووصفها بأنها "كاذبة" وألمح بشكل ينذر بالسوء إلى احتمال حدوث تزوير انتخابي.
ويضيف الكاتب: "لقد أنذرت اعتداءات ترامب المتكررة على نزاهة الاقتراع عبر البريد ورفضه الالتزام بقبول نتيجة الانتخابات بأزمة شرعية بعد الانتخابات حذر منها الكثيرون، بمن فيهم أنا، مسبقا".
وتابع بأن حالة الطوارئ الحالية، يمكن أن نطلق عليها "قصة أزمة تم التنبؤ بها" على وزن عنوان رواية غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة "قصة وفاة تم التنبؤ بها".
اقرأ أيضا: حشد لـ"محاسبة ترامب".. هل يتنحى طوعا في اللحظات الأخيرة؟
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، كان ترامب هو المسؤول عن "إشعال الحرائق"، حيث أشعل اللهب الشعبوي للشائعات والغضب. وبعد مسيرة عنيفة للعنصريين البيض في شارلوتسفيل عام 2017، أصر على أن هناك "أشخاصا رائعين جدا" على طرفي الصراع.
وفي وقت لاحق، أعاد تغريد التهديد بالحرب الأهلية إذا تم عزله.
في أمريكا وحول العالم، "يجب على الديمقراطيين التفكير في كيفية تمكن ترامب، حتى بعد أربع سنوات من الإساءة المستمرة للمعايير الديمقراطية والاستجابة غير الكفؤة بشكل مأساوي لوباء فيروس كورونا، من الحصول على أصوات أكثر من أي مرشح رئاسي في التاريخ الأمريكي باستثناء جو بايدن"، وفق الكاتب.
جزء من الإجابة "يتعلق بعوامل التمكين الجبارة التي يستخدمها ترامب. فحتى الديماغوجي الأكثر جاذبية لا يمكن أن يسود بمفرده، ويحتاج لمتواطئين، ويتطلب الأمر حزبا لتخريب الديمقراطية".
وتابع الكاتب بأن ترامب قد يكون منفصلا عن الواقع في هذه المرحلة، لكن أنصاره "الماكرين والمتواطئين معه في الكونغرس وفي إدارته يعرفون جيدا التنازلات التي قدموها في الحقيقة".
وهؤلاء، بحسب الكاتب، مذنبون بارتكاب الجريمة الأكثر شيوعا في تدمير الديمقراطية، التي أسماها عالم السياسة الراحل خوان لينز "شبه الولاء"، أي "الاستعداد للتشجيع والتسامح والتستر والمعاملة اللطيفة والتعذر أو تبرير أفعال المشاركين الآخرين التي تتجاوز حدود السياسة السلمية والشرعية... في الديمقراطية".
وحتى بعد المشهد السوداوي في واشنطن، فقد واصل العديد من هؤلاء شبه الموالين في الكونغرس دعم جهود ترامب الفظيعة لعكس نتائج الانتخابات.
ومنذ عهد بعيد يعود إلى اليونان القديمة، كان المنظرون السياسيون قلقين بشأن احتمال أن تفسح الديمقراطية الطريق للاستبداد الشعبوي. وكانت عبقرية الديمقراطية الأمريكية - المبكرة وغير الكاملة - هي أنها تتحقق من القوة وتوازنها وتوزعها بحيث لا يمكن أن يصبح الديماغوجي طاغية، وفق الكاتب.
لكن الضوابط المؤسسية لا تكون قوية إلا بقدر الأشخاص المستعدين لفرضها. ويستمر هنا السؤال الشهير للشاعر الروماني جوفينال: "من يحرس الحراس أنفسهم؟".
وإلى درجة فاجأت العديد من منتقدي ترامب، فقد قدمت المحاكم إجابة مطمئنة لهذه المعضلة - ليس أكثر وضوحا من رفضها لعشرات الدعاوى القضائية التي لا أساس لها للطعن في نتائج الانتخابات.
ومع ذلك، لا يستطيع القضاء وحده كبح جماح الاستبداد الشعبوي، ولم تثن أحكامه غالبية الجمهوريين في مجلس النواب، وأكثر من عشرة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، عن دعم تحدي ترامب السام لشرعية الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
لقد تطلب الأمر حدوث المأساة الصادمة بهجوم الغوغاء على مبنى الكابيتول لإقناع البعض منهم (لكن بعضهم فقط) بالتراجع.
وتعتمد صحة الديمقراطية الأمريكية الآن جزئيا على ما إذا كان السياسيون الجمهوريون سيتوقفون أخيرا عن تشجيع ومسامحة وتبرير تصرفات هذا الزعيم غير الديمقراطي الذي قدم العون لأعداء الديمقراطية في الداخل والخارج، بحسب الكاتب.
ويضيف: "إذا كان هناك أي أخبار سارة يمكن استخلاصها من أزمة أمريكا التي طال أمدها بعد الانتخابات، فهي أن المجتمع المدني قد احتشد للدفاع عن الديمقراطية. انضمت مجموعة مؤلفة من الحزبين بشكل مثير للإعجاب تضم أكثر من 40 من المسؤولين المنتخبين السابقين والوزراء وضباط الجيش السابقين إلى قادة مدنيين آخرين في المجلس الوطني لنزاهة الانتخابات، وبذلوا جهود دعم تقدر بملايين الدولارات لضمان احتساب كل صوت ولإحباط الجهود المبذولة لسرقة انتخابات 2020 أو عرقلتها".
وتابع: "عندما يُكتب هذا الفصل الأليم من التاريخ الأمريكي، فإن الفضل في تجاوزه سينسب إلى الجهود الدؤوبة لمنظمات مثل العدد الأول، وإصلاح النظام، والقيادة الآن، وحماية الديمقراطية، ومشروع الانتخابات الصحية وإلى التحليلات الصريحة لخبراء الانتخابات في وقتها، بما فيهم بن جينسبيرغ وإدوارد فولي وريتشارد بيلدس".
وختم بالقول: "إذا كان للديمقراطية الأمريكية أن تستقر وتتجدد، فستكون على أساس المشاركة المدنية المبدئية والحزبية".
فورين أفيرز: فشل أمني ذريع حوّل واشنطن إلى "جمهورية موز"
الغارديان: شغب مؤيدي ترامب الوجه الحقيقي لأمريكا
MEE: ما جرى في الكونغرس عكس "روح أمريكا"