قالت صحيفة
الفايننشال تايمز، إن كل المطالب التي
حاولت الدول التي حاصرت
قطر تحقيقها، لم تحصل على شيء منها، سوى تنازلات قليلة
ربما تكون على شكل تغطية إعلامية أقل حدة.
واستشهدت الصحيفة في تقرير لها بتصريح مثير
للأكاديمي
الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي قال: "إنه بالإمكان القول إن
قطر قد انتصرت".
وأضافت نقلا عن عبد الله: "تكلفة التنازع
كانت باهظة للغاية وبات هناك إدراك بأن قطر هي البطة السوداء لدول الخليج وما علينا
إلا أن نتحملها. لقد كانت هذه أسوأ ثلاث سنوات ونصف في تاريخ دول مجلس التعاون
الخليجي".
وفي ما يلي النص الكامل لتقرير الفايننشال تايمز
البريطانية:
اتفقت المملكة العربية
السعودية وحلفاؤها العرب
على إعادة العلاقات مع قطر في خطوة كبيرة من شأنها أن تنهي ما يزيد عن ثلاث سنوات
من الشقاق والضغينة في صفوف حلفاء الغرب الخليجيين.
وحسب ما صرح به وزير الخارجية السعودي الأمير
فيصل بن فرحان للصحفيين فإن "جميع القضايا العالقة، سواء كانت عودة العلاقات
الدبلوماسية أو الرحلات الجوية، ستعود إلى سابق عهدها. وهذا إنجاز هائل نعتقد أنه
سيساهم بشكل كبير في تعزيز أمن جميع دولنا في المنطقة".
ألقى الأمير خطابه بعد أن وقّع زعماء دول
الخليج على بيان في قمة عُقدت في السعودية، بعد ساعات من إعلان الرياض أنها سترفع
الحظر الجوي والبري والبحري المفروض على قطر. ومن المتوقع أن تحذو الإمارات
العربية المتحدة والبحرين ومصر حذوها الآن، مما يخفف من حدة الأزمة التي تشهدها
منطقة الخليج منذ سنوات، بينما لا تزال ملامح الإطار الزمني لهذه الخطوة غير واضحة
بعد.
قال وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش
إنه تم التوصل إلى "اتفاق جيد"، مضيفا: "سنشهد تطبيقا سريعا للعديد
من الإجراءات التي تم اتخاذها". وأكمل حديثه مع شبكة "سي إن إن"
قائلا: "أنا متفائل جدًا، لكن وبالطبع، دائما ما يُتوقع في أعقاب خلاف مثل
الذي شهدناه.. أن تستغرق قضية إعادة بناء الثقة وقتًا وجهدا. والإمارات مستعدة لترسيخ
كل ذلك لإعادة بناء هذه الجسور مرة أخرى".
اندلع الخلاف في حزيران/ يونيو 2017 عندما قادت
السعودية والإمارات مقاطعة إقليمية ضد قطر، حيث قطعتا جميع الصلات الدبلوماسية
وروابط النقل مع جارتهما الخليجية، بتهمة رعاية الجماعات الإسلامية والتقرب من
إيران. ومن جهتها، نفت الدوحة تلك المزاعم، ووصل الخلاف إلى طريق مسدود إلى أن كثف
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جهوده لحل الأزمة، بدعم من وساطة الكويت
والولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السنة الماضية.
تردد صدى هذا الخلاف في جميع أنحاء العالم
العربي، حيث شعرت دول أخرى بأنها مضطرة للانحياز إلى أحد الجانبين. أما في واشنطن،
أحبط النزاع جهود إدارة ترامب لتشكيل تحالف ضد إيران وعزل الجمهورية الإسلامية؛
حيث لجأت قطر التي نبذتها جاراتها، والتي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في
المنطقة، لإقامة علاقات أوثق مع إيران. كما عزز الخلاف علاقات الدولة الخليجية مع
تركيا التي سارعت لإرسال قواتها لقاعدة في الدوحة في استعراض قوي لإظهار دعمها
لقطر.
يقول أستاذ السياسة في دبي عبد الخالق عبد الله
إنه "بالإمكان القول إن قطر قد انتصرت"، حتى وإن وجد التحالف السعودي
الإماراتي بعض السلوى من تسليط الضوء على سياسات قطر الإقليمية. وأضاف أن
"تكلفة التنازع كانت باهظة للغاية - وبات هناك إدراك بأن قطر هي البطة
السوداء لدول الخليج وما علينا إلا أن نتحملها. لقد كانت هذه أسوأ ثلاث سنوات ونصف
في تاريخ دول مجلس التعاون الخليجي".
بعد فرض الحظر في سنة 2017، أصدرت الرياض
وحلفاؤها قائمة متنوعة من المطالب، بما في ذلك إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية التي
تمولها قطر، وإيقاف العلاقات مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تديرها تركيا. ولم يتم
تلبية أي من هذه الشروط.
ويستبعد المحللون أن تنحرف قطر، التي لطالما
اعتبرها جيرانها متمردة، عن سياساتها الراسخة لدعم الحركات الشعبية في العالم
الإسلامي، بما في ذلك الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين المحظورة في السعودية
والإمارات.
مع ذلك، يعتقد المحللون أنها قد تقدم بعض
التنازلات، مثل الحد من الاتصالات مع جماعة الإخوان، والتخفيف من حدة الجوانب
الأكثر عدوانية في تغطية الجزيرة؛ القناة التي لطالما انتقدت محاولات السعودية
والإمارات لتقويض القوى الديمقراطية في العالم العربي.
وفقًا لشخص مطلع على عملية الوساطة، فإنه بعد
رفع السعودية الحظر الجوي والبري والبحري، كان من المتوقع أن تجمد الدوحة القضايا
القانونية التي رفعتها ضد منافسيها في مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية، ومنظمة
الطيران المدني الدولي.
تسبب التوتر في العلاقات في تقويض التماسك
الاقتصادي في الخليج، مما أدى إلى تعطيل التجارة وتدفقات الاستثمار، وتفريق
العائلات، ووضع حواجز أمام النشاط التجاري الإقليمي.
في أعقاب المقاطعة، اضطرت قطر إلى استرداد ما
يزيد عن 20 مليار دولار من الودائع الخارجية لدعم نظامها المالي وشكلت الدولة التي
تعتمد على الاستيراد طرقًا تجارية جديدة، مما ساهم في توطيد العلاقات التجارية مع
إيران، والاعتماد على المجال الجوي للجمهورية الإسلامية.
أوضح روري فايف من شركة "مينا
أدفايزرز" الاستشارية أن المصالحة تعزز الانسجام الإقليمي، ولكن الفوائد
الاقتصادية "هامشية"؛ حيث من غير المرجح أن تعود قطر إلى الشبكات
السعودية والإماراتية السابقة التي قد تتركها عرضة لمقاطعة أخرى.
تأمل الشركات في دبي في تحقيق بعض المكاسب، حيث
كانت المدينة بمثابة قناة مهمة للدوحة، وجذبت زوارًا قطريين ذوي إنفاق مرتفع. وفي
هذا الشأن، قال توفيق رحيم، الزميل البارز في مؤسسة "نيو أمريكا"
الفكرية: "سنشهد مكاسب في الإمارات بمجرد رفع هذه القيود، لا سيما في دبي".
أما علاقات قطر مع تركيا، التي رحبت بالوفاق
وقالت إنها تأمل في تسوية "شاملة ودائمة"، فيمكن أن تكون عائقًا أمام
المفاوضات لإنهاء الخلاف بشكل نهائي.
وعلى غرار الإمارات، أعربت السعودية عن مخاوفها
بشأن دور تركيا في الشؤون الإقليمية، حتى أنها أطلقت مقاطعة غير رسمية للبضائع
التركية السنة الماضية. لكن أبرز ظواهر الانقسام تجلّت في ليبيا، حيث تدعم
الإمارات وتركيا وكلاء متنافسين في حرب أهلية.
أفاد مدير مركز بروكنغز الدوحة الفكري طارق
يوسف، أن علاقات الدوحة مع أنقرة تعززت بسبب الخلاف الخليجي، حيث قال: "إن
تعاونهما العسكري القوي يوفر حلّا لمجموعة من المخاوف الأمنية التي ستستمر بعد
التوصل إلى مصالحة، بما في ذلك الأزمة المستمرة في ليبيا. ومن ناحية أخرى، تبدي
أنقرة رغبة شديدة في تطبيع العلاقات مع الرياض - ويمكن لقطر أن تلعب دورًا فعالاً
في الوساطة لإنهاء التوترات الثنائية المتزايدة بين الدولتين".
في نهاية المطاف، قال أحد الأشخاص المطلعين على
تفكير الإمارات، إن المقاطعة قد أخذت مجراها؛ "وسينسى الناس الأمر".