نشرت مجلة "أتالايار" الإسبانية، مقال رأي للكاتب، بيدرو كانالس، سلط من خلاله الضوء على الحكومات الإسبانية المتعاقبة، متسائلا عن القيمة السياسية والمنافعية التي ستجنيها وتترتب على مدريد في حال أقرت بالسيادة المغربية على الصحراء.
وتساءل الكاتب في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، ما الذي ستكسبه إسبانيا أو تخسره إذا اعترفت بالسيادة المغربية على إقليمها الاستعماري السابق؟
أورد الكاتب في هذا الإطار أن الاعتراف سيحقق في مرحلة أولى الاستقرار السياسي والأمن في المنطقة التي تشمل كلا من شماليّ غربيّ أفريقيا وجنوبيّ غربيّ أوروبا.
علاوة على ذلك، يعد البحث عن إدراج الصحراء الغربية كَمنطقة محددة ضمن المملكة المغربية بمثابة مشروع مهم نحو إرساء المغرب الكبير الموحد، الذي ستشكل الصحراء جزءًا منه.
وفي الواقع، سيُوقف الحل المغربي الصحراوي داخل المنطقة المغاربية الموحدة القنبلة الموقوتة التي تثقل كاهل المنطقة، والتي تجوب فيها الجماعات الإرهابية ومافيات تهريب المخدرات وتهريب البشر إلى أوروبا.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الاعتراف سَيسمح بإبرام اتفاقيات ثلاثية مثمرة بين إسبانيا والمغرب والجزائر، علما أن الصراع الإقليمي على المنطقة يجعل الحدود بين الجزائر والمغرب مغلقة، ناهيك عن أنها الحدود الوحيدة المغلقة بإحكام بين بلدين في العالم بأسره. كما سيسمح لمدريد بالاستفادة من طريق إسبانيا - المغرب، اقتصاديًا وتجاريًا.
من الواضح أن قرار الاعتراف التاريخي للحكومة الإسبانية بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، سيؤدي حتما إلى تحقيق العداء وإرساء المزيد من الصراعات نظرا لأن أعداء القوى الاستعمارية السابقة في أفريقيا، على غرار فرنسا وبريطانيا العظمى، لا يريدون أن تكون المنطقة الناطقة بالإسبانية أي سبتة ومليلية بأيدي الحكومة الإسبانية وأن يقتصر نفوذها على أرخبيل الكناري.
على المستوى المحلي الإسباني، سيُضاعف هذا القرار من عداء جماعات الضغط القديمة المعادية للمغرب التي لا تزال نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي دوائر الأصدقاء أصحاب النفوذ المالية أو العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت ذكرى "مغربية سبتة ومليلية"، التي تحدث عنها رئيس الحكومة المغربي هذه الأيام، ردود فعل غاضبة للمغاربة من أصول إسبانية.
ينبغي على الحكومة الإسبانية أن تواجه مع شركائها مثل هذه الظروف، التي تجعل دعم "القضية الصحراوية" سببا قويًا لمعاداة الملكية العلوية، تمهيدًا للحملة الصليبية الجمهورية التي يريدون إغراق إسبانيا فيها.
ومن بين بعض شركائها، الذين يمتلكون جذورا تاريخية ويعتبرون منافسين أقوياء، إقليم الباسك والقوميين الكتالونيين.
أكد الكاتب أن هناك جالية صحراوية موجودة بالفعل في إسبانيا، حيث تحمل الأغلبية الجنسية الإسبانية، والتي ينبغي على الحكومة أن توضح لها أن الاعتراف بالسيادة المغربية وإدارة المستعمرة السابقة لا يعني التخلي عن سكان تندوف أو الإقليم بصفة عامة، حيث ستواصل إسبانيا الدفاع عن حقها المشروع في هويتها وتاريخها وثقافتها.
قال الكاتب إنه لن يكون من السهل أبدا على الحكومة الإسبانية مواجهة ردود الفعل الغاضبة المحتملة للجزائر، التي لا تنسى ما حدث خلال فترة السبعينيات.
كما أنه من المنطقي أن تتبع إسبانيا المسار الذي تبناه دونالد ترامب. في المقابل، هل ستتمكن الحكومة الإسبانية من مواجهة المغرب، والاعتراف بالسيادة المغربية في الصحراء، كما فعلت الولايات المتحدة؟ ربما سيكون ذلك بمثابة خطوة كبيرة في بداية استقرار غرب البحر الأبيض المتوسط.
ولفت الكاتب إلى أن أول خطأ إسباني كبير وقع ارتكابه بشأن الصحراء الغربية، كان إبان حكومة براخسيدس ماريانو ماتيو ساغستا، حيث لم تتمكن من فرض قرارها في مؤتمر برلين فترة ما بين سنتي 1884 و1885، وذلك فيما يتعلق بامتلاكها لحدود الشريط الساحلي للصحراء الغربية، مما أجبر القوى الاستعمارية المجتمعة في ألمانيا على عدم الاعتراف بالسيادة الإسبانية على الأراضي الصحراوية بالكامل التي تبلغ مساحتها نصف مليون كيلومتر مربع، أي أكبر من دولة إسبانيا نفسها.
ونوه الكاتب أنه في وقت لاحق وتحديدا في سنة 1900، سمحت معاهدة باريس بين إسبانيا وفرنسا بضم المسطحات الملحية في إيل التي خسرتها إسبانيا.
بالإضافة إلى ذلك، دائما ما تخسر الحكومات الإسبانية جميع الاتفاقيات الموقعة بين إسبانيا وفرنسا بشأن ترسيم الحدود الإقليمية للمستعمرات.
وذكر الكاتب أن حكومة مدريد حولت الصحراء في سنة 1958 إلى مقاطعة إسبانية، نتيجة اتحاد الصحراء الغربية وريو دي أورو.
وكان هذا القرار ضروريا وإن كان متأخرًا، لكن لم يتبعه نتائج عملية، باعتبار أن السكان آنذاك يحملون الجنسية الإسبانية.
واستمر هذا الحال حتى سنة 1976، حيث نظرت حكومة إسبانيا في ذلك الوقت في إمكانية منح حكم ذاتي واسع النطاق للمقاطعة، وهو ما لم تطبقه على الرغم من الوعود.
عندما ظهرت جبهة البوليساريو في سنة 1973، التي اقترحت إنهاء استعمار المنطقة، كانت لإسبانيا اتصالات مع الحركة التي تتألف في الغالب من طلاب صحراويين سابقين في إسبانيا.
وآنذاك، لم تكن حكومة مدريد قادرة على رؤية المستقبل ولم تترك بديلاً للبوليساريو سوى الوقوع في أحضان العقيد القذافي الليبي وبومدين الجزائري.
يرى الكاتب أن هناك خطأ تاريخيا كبيرا آخر وقع ارتكابه سابقا، وهو اتفاق مدريد الذي أُبرم في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1975، الموقع بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، والذي أعلنت مدريد بموجبه انسحابها النهائي من الصحراء في 28 شباط/فبراير سنة 1976. وإثر هذا الانسحاب، وقع نقل إدارة الإقليم إلى مدينتي الرباط ونواكشوط.
أكد الكاتب أن هذا الاتفاق القانوني أُودع في سجل الأمم المتحدة. في المقابل، لم تعلن الحكومات الانتقالية في إسبانيا أن إدارة الإقليم تعود بالأساس إلى مملكة المغرب، حتى بعد انسحاب موريتانيا منها.
ولسائل أن يسأل، كيف يمكن لدولة إسبانيا أن تتصرف بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية؟ ليس على الحكومة الإسبانية سوى الاعتراف بأن الأرض تحت إدارة المغرب بشكل قانوني، التي سَتفترض بحكم الواقع قبول سيادتها عليها.
يعتقد الكاتب أن الصراع مستمر طالما لم يتم التعرف على الهوية التاريخية المحددة للسكان الذين يعيشون في الصحراء ولم يتم التحقق منها.
ولا يؤدي الاعتراف بالسيادة الترابية المغربية سوى إلى تغيير الإطار الذي ينبغي إيجاد الحل النهائي حوله. كما أن الاقتراح الذي قدمه محمد السادس بالحكم الذاتي الواسع والمتقدم للإقليم يعد بمثابة خطوة أولى أساسية.
اقرأ أيضا : مناقشة دولية لقضية "الصحراء" بعد اعتراف ترامب بسيادة المغرب
أوبزيرفر: صفقات ترامب لن تجلب السلام للشرق الأوسط
مجلة: ربط "الصحراء" بالتطبيع سيدفع بالمنطقة إلى الخطر
تقرير: ترامب ينتهك باستخدام فلسطين والصحراء القانون الدولي