كثيرة هي نقاط الخلاف
والتوتّر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. من التنافس العالمي على الأسواق،
واتّهام دونالد ترامب للصين بالسعي للهيمنة على التجارة العالمية، إلى إعداد لائحة
اتّهام لها بانتهاك قواعد التجارة الدولية وحقوق الإنسان والملكية الفكرية وقمع
الأقليات والتضييق على مسلمي إقليم شنجيانغ، وصولا إلى تأكيد عدم وجود حقّ للصين
بالاستثمار والسيطرة في بحر الصين الجنوبي، إلى المناداة الدائمة باعتماد سياسة
العقوبات ضدّها، ورفع الرسوم الجمركية على صادراتها، وهو ما قابلته الصين بالمثل...
لقد كانت العقوبات التي افتتح بها الرئيس
الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب عهده، بحرب علنية على الصين وضرورة تقليم
أظافرها والتعاطي معها كقوة منافسة أو معادية، هي أبرز نقاط برنامجه للسياسة
الخارجية التي انتهجها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إلى آخر يوم من ولايته الرئاسية.
وقد ابتدأت معالم مواجهة الصين، من خلال سلسلة
من الإجراءات العقابيّة وفرض الرسوم العالية على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
لقد شنّ الرئيس الأمريكي، منذ بدايات تسلّمه مقاليد السلطة، حربا إعلامية، تناول
فيها انتهاك الصين لقواعد التجارة العالمية، وسعيِها للسيطرة على التجارة الدولية
بشكل إغراقيّ وغير مشروع. وكان واضحا أنه قرّر أن يخوض حربا متعدّدة الأوجه ولا
هوادة فيها ضدّ التنين الصيني، الذي صنع المعجزة وأصبح منافسا عنيدا، لا بل الأول
على مستوى التجارة الدولية.
ولم تفلح مناورات ترامب
«الدونكيشوتية» وصوره المثيرة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في تلميع
صورته أمام جار الصين المدجّج بالأسلحة الباليستية والذي هدّد بأنّه سيدمّر
الولايات المتحدة في حال ارتكبت أيّ حماقة في منطقة نفوذه السياسي والعسكري. وفي
معرض إشارته إلى الاعتراض على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، أشار الرئيس
الصيني شي جينبنغ إلى أنّه «آن الأوان للولايات المتحدة بشخص رئيسها أن تتعاطى
بإيجابية ومسؤولية مع الصين، وتقدّر بمسؤولية دورها وحضورها وتكفّ عن سياسة العقاب
والاستفزاز التي لا جدوى منها تجاه الصين وتضرّ بمصالح الدولتين وشعبيهما...».
وهذا ما مثّل رسالة صينية مبطّنة ضدّ الولايات المتحدة والثمن الذي يمكن أن تدفعه
هذه الأخيرة، مباشرة جراء سياساتها المتهوّرة أو غير المحسوبة تجاه الصين، أو من
خلال تحريض «الجار المجنون كيم»، في حال استمرّت أمريكا في سياسة الضغط ضدّ الصين.
وقد أتت جائحة «كورونا»، أواخر العام الماضي
2019، فكان الاتهام المباشر من ترامب للصين بما أسماه بـ«فيروس ووهان»، نسبة إلى
مدينة ووهان الصينية، التي قيل إنّ انتشار الجائحة ابتدأ منها. لقد كان اتهام
ترامب للصين بنشر الفيروس، مباشِرا وعلنيا، هو وسعى إلى التشهير بها واعتبارها
مسؤولة عن الوباء وآثاره، كما سعى إلى معاقبتها وتغريمها جراء تسبّبها بالجائحة
العالمية.
بناء على ما تقدّم، يمكن القول إنّ العلاقات
الأمريكية - الصينية، هي علاقات مراقبة متبادلة. وقد طغى عليها عنصر التوتّر في
بقاع مختلفة من العالم، رغم كلّ اللقاءات والقِمم التي جرت على مدى السنوات
الماضية لمحاولة رأب الصدع وتبديد أجواء التوتر، وبالتالي خلق مناخات إيجابية
وتكاملية بين الطرفين الأقوى، سياسيا واقتصاديا، على المسرح الدولي.
اليوم، مع فوز الديموقراطي جو بايدن برئاسة
الولايات المتحدة الأمريكية، يبرز الملف الصيني كتحدّ ماثل ومهم بكلّ تشعباته
الضاغطة، وتداعياته وارتداداته على مستوى العالم، لا سيما في ما يتعلّق بالاقتصاد
والحضور الصيني الأول في التجارة الدولية، وفي نجاح بكين في كسب المزيد من الأسواق
وتأكيد حضورها المتعاظم، وذلك على حساب دور وحضور الولايات المتحدة كقوة مهيمنة،
حكمت العالم لسنوات وعقود.
تبرز أمام بايدن جملة من التحدّيات، في
طليعتها الصين وشبكة تحالفاتها وعلاقاتها المتشعّبة، علاوة على سلسلة المشاكل
الخارجية التي ورثتها أمريكا، خلال عهد ترامب، بدءا من تلك التي أوجدها هذا الأخير
مع أوروبا بعدما عاقبها واستعلى عليها، عبر فرض قيود ورسوم على صادراتها، وصولا
إلى العلاقة مع روسيا المتوتّرة أصلا، وغيرها...