مع استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس لأكثر من 13 عاما، وعودة علاقات السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني بـ"تغريدة" مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد انقطاع لنحو 6 أشهر؛ يتبادر إلى الأذهان تساؤلات، أبرزها: "لماذا تعتمد السلطة ومن خلفها حركة فتح على هذا النهج؟".
وفي تغريدة له على حسابه على
"توتير" مساء الثلاثاء، أعلن حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة
فتح، ووزير الشؤون المدنية وأحد المقربين جدا من رئيس السلطة محمود عباس، عن عودة
العلاقات والتنسيق "كما كان" مع الاحتلال، زاعما في حديث تلفزيوني له،
أن "هذه هي المرة الأولى في فترة حكومة نتنياهو التي يقوم فيها مصدر إسرائيلي
(منسق أعمال الحكومة في المناطق كميل أبو ركن) بالتعهد وبتوقيعه بأن إسرائيل تلتزم
بالاتفاقات".
وحول تشدد "فتح" في تعاملها وشروطها بشأن المصالحة مع "حماس"، وتساهلها مع الاحتلال، قال نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة "فتح" وعضو مجلسها الثوري، عبدالله عبدالله: "وفدنا لم يكن متشددا مع حماس، والتأخر في إنهاء الانقسام ليس منا".
وأضاف في تصريح خاص
لـ"عربي21": "ما جرى أننا واجهنا صعوبات في الستة شهور الماضية،
وخاصة على الصعيد المالي، حيث أثر ذلك على مختلف مناحي الحياة".
ونوه عبدالله إلى أن
"الاتفاقيات السابقة مع حماس؛ من 2007 في مكة وحتى اتفاق الشاطئ في 2017،
كلها تمت وكان التنسيق (مع الاحتلال) موجودا على المستويات"، مضيفا:
"ظروفنا التي نمر بها تستدعي تسهيل أمور الناس، وعودة الأمور لما كانت عليه
قبل 19 أيار/ مايو الماضي، وهذا لا يعني أننا تراجعنا عن إنهاء الانقسام، ولا عن
موقفنا المقاوم لكل خطوة يمكن أن تمس بحقوقنا".
اقرأ أيضا: هآرتس: السلطة تخدع نفسها وشعبها بوصف عودة التنسيق "انتصارا"
وقال: "لن نتنازل عن ثوابتنا
ولن نتراجع عن مواجهة الاحتلال، والقول لا لكل خطوة من أي جهة كانت؛ أمريكا وإسرائيل
وغيرهم، إذا كانت تمس حقوقنا الوطنية".
وفي تعليقها على نهج السلطة تجاه
المصالحة، أكدت حركة حماس، على لسان المتحدث الرسمي باسمها عبد اللطيف القانوع، أن
"موقف السلطة دائما ضعيف ولا يراهن عليه".
ونبه في تصريح خاص
لـ"عربي21"، أن "السلطة بهذا الموقف خذلت شعبنا الفلسطيني والفصائل
الفلسطينية"، مضيفا: "السلطة بهذا الإعلان وهذا السقوط الوطني والانحدار
الحقيقي، هي أمام مرحلة فارقة في تاريخ شعبنا الفلسطيني".
مناورة سياسية
وأوضح القانوع، أن "السلطة
التصقت بالاحتلال الصهيوني للتنسيق الأمني، وضربت بعرض الحائط الحاضنة الشعبية
والإجماع الوطني الفلسطيني لمواجهة المخاطر المحدقة بقضيتنا
الفلسطينية".
وعن رؤية الحركة لنهج السلطة
"المتشدد مع حماس والمتساهل تجاه الاحتلال"، أكد أنه "نهج لا قيمة
له وهو سراب، وشعبنا جرب طريق التعاون والمفاوضات مع الاحتلال، ولم يقدم له شيئا ولم
يجنِ شعبنا إلا مزيدا من الخراب والدمار".
وذكر أن "نهج السلطة بالتقارب
والارتماء في أحضان الاحتلال يأتي في الوقت الذي يقوم فيه هذا الاحتلال بضم المزيد
من الأراضي الفلسطينية، وشرعنة المزيد من المستوطنات وبناء آلاف الوحدات
الاستيطانية في القدس والضفة الغربية".
وعن قراءته لنهج السلطة سابق الذكر، ذكر أستاذ العلوم السياسية
في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، أن "حماس مصنفة "تنظيما إرهابيا" لدى أمريكا وأوروبا والاحتلال، والسلطة عندما قررت فتح خط المصالحة
مع حماس، كان كردة فعل على سياسيات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكرد فعل على
مخططات الضم القادمة من جانب الاحتلال".
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21": "السلطة من باب التكتيك والمناورة السياسية، نظمت
اجتماع الأمناء العامين للفصائل، وكلف جبريل الرجوب بالتواصل مع حماس"، موضحا
أن "رئيس السلطة أراد أن يناور، وهو الآن يعتبر أن ترامب خسر الانتخابات،
والرئيس القادم وعد بعودة تمويل السلطة المأزومة ماليا".
اقرأ أيضا: هكذا علقت مذيعة فلسطينية على عودة التنسيق مع الاحتلال
ونبه مخيمر إلى أن "واشنطن ضغطت
على دول الخليج لعدم إقراض السلطة، والدولة الوحيدة التي أقرضتها خلال الستة شهور
الماضية هي قطر، ولذلك عباس الذي يعتمد تاريخيا خط المفاوضات كخيار استراتيجي، في
حال ذهب لمصالحة مع حماس، لن تتفاوض معه إسرائيل ولا أمريكا، فالمناورة السياسية
لعباس هي دون حماس، وليس معها لأنها ستقيد حركته السياسية مع الأمريكان والأوروبيين
والإسرائيليين".
ومن ذلك يتأكد أن توجه السلطة وقيادتها للمصالحة
مع حماس، هو "تكتيكي من باب المناورة السياسية، وليس خيارا استراتيجيا لدى
الرئيس وبعض الأطراف في حركة فتح، بمعنى؛ تقفل مع إسرائيل أو واشنطن أو بعض الدول
العربية، نذهب (السلطة) إلى المصالحة"، بحسب أستاذ العلوم السياسية.
المشروع البديل
وفي ظل هذا التوجه من قبل السلطة ومن
خلفها فتح صوب حقيقة تحقيق المصالحة، وعن الخطوات التي يمكن أن تأخذها حماس، قال:
"حماس تعتبر نفسها مرتاحة أكثر من الرئيس، فهم في منطقة لا تزيد عن 1.3 بالمئة
من مساحة فلسطين التاريخية، وبنظرها أنها محررة، رغم ما يعانيه (قطاع غزة) من
أزمات مختلفة".
وبين مخيمر، أن "حماس تعتقد
أنها غير مأزومة بل أبو مازن هو المأزوم، لأن مشروعه وصل لطريق مسدود مع
الإسرائيليين والأمريكان، بشأن حل الدولتين، والاستيطان، والمفاوضات، ومخططات
الضم".
من جانبه، أوضح الباحث المختص في
الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، أن "السلطة تتشدد مع حماس للعديد من
الأسباب، منها؛ أن الزمرة الحاكمة في فتح تعتقد أن المشروع الوطني الفلسطيني حكر
عليهم، ومن ثم تشعر أن التشدد في هذا الجانب يضعف حماس في غزة، وربما مع مرور الوقت
يساهم في المزيد من الضغط على الحركة من أطراف إقليمية، ومن ثم تتخلص فتح من
المنافس القوي لها الذي يمثل نصف الشارع الفلسطيني، ويعتمد في أجندته الوطنية على
المقاومة؛ كسبيل وحيد للخلاص من الاحتلال".
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21": "من ثم، فالتشدد مع حماس، يأتي في إطار المحاولة
للقضاء على مشروع حماس الذي يمثل الروح الوطنية الفلسطينية، وبديلا للخنوع ومسيرة
التسوية التي لم نحقق منها شيئا".
ولفت أبو عواد، إلى أن "إعادة
السلطة للعلاقات مع الاحتلال مرتبط بشكل كلي في الموضوع الأول، بمعنى؛ السلطة التي
تشعر أمام الاحتلال بأن عليها الالتزام بكل الاتفاقيات، وهي تعتقد أن هذا الالتزام
يحميها، أي كلما تنازلت أكثر للاحتلال ونسقت، هذا سيجعل الاحتلال ودول عربية
إقليمية وكذلك العديد من دول العالم وفي مقدمتها أمريكا، تكون راضية عن السلطة،
ومن ثم تستمر في أداء وظيفتها؛ وهذا الموضوع بالنسبة للسلطة جوهري
واستراتيجي".
ونبه المختص إلى أن "التشدد مع
حماس للقضاء على أي مشروع بديل، وإبقاء الساحة الفلسطينية الداخلية منشغلة في
ذاتها، وإبعاد ما يسمى شبح الضغط الكبير على السلطة في الضفة الغربية
المحتلة"، مضيفا: "ما دامت السلطة ذاهبة مع حماس تجاه استمرار الانقسام، وجدنا جمهورا فتحاويا في الضفة يتعاطف مع السلطة، لأنه يعتبر أن مشكلته مع حماس
وليس مع الاحتلال، ومن ثم سيغض الطرف عن سلوك السلطة تجاه الاحتلال".
ما أسباب عودة السلطة إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال؟
مراقبون: عودة السلطة للتنسيق مع الاحتلال ضربة للمصالحة
وزارة حرب الاحتلال: لا مشاريع لغزة قبل حل ملف جنودنا الأسرى