أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الرابع من شباط/ فبراير الجاري عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ أمراً عسكرياً لمواجهة حكومة إقليم
تجراي شمال إثيوبيا، في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة، رغم طمأنته المجتمع الإثيوبي في أكثر من مناسبة بعدم استخدام العنف في خلافه مع الإقليم.
وجاء دور البرلمان الإثيوبي في اليوم التالي للإعلان عن الموافقة على فرض حالة الطوارئ في الإقليم، ثم في جلسة لاحقة صوّت البرلمان بعدم شرعية حكومة الإقليم الذي سحب نوابه من البرلمان في وقت سابق بسبب انتهاء فترة البرلمان في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بحسب وجهة نظر الإقليم.
سبقت الحرب الحالية بين الحكومة الفدرالية بقيادة آبي أحمد وحكومة إقليم تجراي؛ حرب إعلامية وسياسية، بدأت قبل عامين عندما حصل آبي أحمد على الأصوات الكافية من تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (الإهودق) الذي كانت تقوده الجبهة الشعبية لتحرير تجراي، لتولي منصب رئيس الوزراء خلفا لهايلي ماريام ديسالين الذي استقال من منصبه تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية التي كانت تقودها قومية الأرومو.
جاء آبي أحمد للسلطة ضمن تفاهمات للانتقال السلس للسلطة، وعدم ملاحقة أبناء إقليم تجراي الذين حكموا البلاد ربع قرن ضمن تحالف الإهودق بعد سقوط نظام الدرق في العام 1991م، لكن رئيس الوزراء الجديد منذ يوم توليه السلطة بدأ في توطيد أركان نظامه وتطهير المؤسسات الأمنية والعسكرية من أبناء تجراي؛ بإقالة كبار الضباط، وملاحقة بعض المدنيين بتهم الفساد، مما اعتبره مراقبون إخلالا من آبي أحمد بالتفاهمات غير المعلنة بين أطراف السلطة السابقين والحاليين.
الخلاف بين الطرفين توج بشكل معلن إثر عودة العلاقات الإريترية الإثيوبية، فالمناطق المتنازع عليها مع إريتريا تقع ضمن حدود الإقليم، مما يعني أن حكومة الإقليم معنية بالأمر أكثر من غيرها، بينما الرئيس الإريتري كان قد فصل بين إثيوبيا وإقليم تجراي في مقابلاته الإعلامية، واستمر على هذا المنوال بالسعي لتحسين علاقته مع الحكومة الفيدرالية في اثيوبيا ومناصبة العداء لحكومة إقليم تجراي، مما انعكس سلبا على علاقة الإقليم برئيس الوزراء الذي يتهمه الإقليم بالتحالف مع الرئيس الإريتري للتضييق على الإقليم.
سعى آبي أحمد للتخلص من إرث تحالف الإهودق الحاكم قرابة ثلاثة عقود والذي منحه السلطة، فأنشأ حزب الازدهار على أنقاضه، وطرح كتابا ضمّنه رؤيته للحكم، والتي رأى فيها الكثير من الإثيوبيين المساس بالنظام الفيدرالي الإثني القائم حاليا.
ويواجه هذا الطرح معارضة قوية ليس من الإقليم فحسب، بل من مكونات قومية الأرومو التي ينحدر منها آبي أحمد. ويرى معارضو هذه الطرح أنه يمهد للدولة المركزية التي سوف تعود بقومية الأمهرا للحكم، وهي القومية التي حكمت إثيوبيا القرن الماضي وثارت عليها الشعوب الإثيوبية نتيجة للاضطهاد والتهميش. احتدمت المواجهة بين الطرفين إثر رفض الإقليم تأجيل الانتخابات، وقرر إجراء انتخابات محلية في أيلول/ سبتمبر، مخالفا بذلك قرار الحكومة الفيدرالية بالتأجيل، وفازت فيها الجبهة الشعبية لتحرير تجراي. لكن الحكومة الفيدرالية قابلت ذلك بإجراءات عقابية ضد حكومة الإقليم، على رأسها قطع الميزانية التي اعتبرتها الأخيرة حربا تستهدف شعب تجراي.
إن الحرب المعلنة اليوم في إقليم تجراي حتى الآن استخدمت فيها كل الأسلحة، بما فيها سلاح الجو الإثيوبي الذي أغار على عدد من المواقع بالقرب من مقلي، عاصمة إقليم تجراي. وأعلن آبي أحمد في خطاب عبر التلفزيون أن الحملة حققت هدفها المرحلي، وهو تحييد الأسلحة الثقيلة التي كانت بحوزة حكومة الإقليم والتي يصل مدى بعضها إلى 300 كلم، لكنه لم يعلن انتهاء الحملة العسكرية.
مآلات هذه الحرب غير واضحة المعالم، لكنها ليست نزهة كما صرح بذلك نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي، كما أن الشرارة التي اشتعلت من الصعوبة إطفاءها إلا إذا تراجع الطرفان عن إطلاق النار وجلسا على طاولة الحوار. لعل آبي أحمد وضع مخططا لإنهاء هذه الحرب في فترة وجيزة، ففترة الطوارئ التي فرضها البرلمان على الإقليم ستة أشهر، لكن واقع القوى في الأرض تشير إلى غير ذلك. فقد أكد رئيس حكومة الإقليم قبل بداية الحملة العسكرية بيومين في تصريح متلفز أن إقليم تجراي سيكون مقبرة للطامعين في إخضاع شعب تجراي، وأن الإقليم مستعد لصد أي تحرك عسكري ضده. كما صرح أكثر من مسؤول استعداد الإقليم للمواجهة؛ ليس على جبهة واحدة بل على جبهتين، في إشارة إلى جبهة إريتريا.
قوة الإقليم العسكرية لا يستهان بها، فبينما أعلن آبي أحمد تدمير الأسلحة الثقيلة في الإقليم، رد الإقليم بأنه يمتلك أسلحة متطورة، كما أنه وضع يده على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي وأعلن انحيازها للإقليم، وهي تعتبر القوة الضاربة للجيش الإثيوبي. ولا بد أن آبي أحمد أخذ ذلك في الحسبان، لأنه عمل كضابط اتصال في الجيش الإثيوبي إبان الحرب الإريترية الإثيوبية (1998-2000م)، لكن ربما راهن على وضع إقليم تجراي تحت الحصار من كل الجهات.
المؤشرات حتى هذه اللحظة تقول إن الحرب سيطول أمدها رغم شح موارد الإقليم الداخلية وإغلاق الحدود أمامه مع الجوار، لأن كل طرف يعد نفسه بالنصر، فالإقليم يراهن على وحدته الداخلية وتاريخه في مواجهة الظروف القاسية. فقد خاض الحرب حتى النصر في أصعب الظروف في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. والأمل في نجاح المساعي المتحركة لنزع فتيل الحرب قبل أن تأكل الأخضر واليابس، وإلا ستشهد إثيوبيا صراعا مسلحا في كل أقاليمها وليس في الشمال فحسب، وإنما في كل البؤر المشتعلة حاليا في أكثر من إقليم، وربما تمتد ألسنة اللهب إلى إريتريا التي يتوعدها الإقليم بالحرب، والتي دخلت في حالة الاستنفار القصوى في بعض المناطق، وربما تمتد النزاعات إلى أكثر من ذلك كما قال حاكم إقليم تجراي.