نشرت مجلة
"فورين أفيرز" مقالا للأكاديميين جوناثان مونتين وجوشوا بازبي وجوشوا كيرتزر
ودينا سميلتز وجوردان تاما، ترجمته "عربي21"، حول انفصال المسؤولين في
واشنطن عن رغبات الجمهور الأمريكي الأوسع، في ظل التزامهم بتوسيع نطاق الدور
الأمريكي في المسرح الدولي رغم رغبة الأمريكيين العاديين بأن يولي المسؤولون
اهتماما لشؤون بلادهم الخاصة ومواطنيهم.
ووفقا لستيفن والت، عالم سياسة أمريكي، فإن
مجموعة من كبار الشخصيات في السياسة الخارجية الأمريكية، بعيدين عن الواقع، قادوا
سياسة البلاد الخارجية إلى "الضلال".
واستغل المرشح الجمهوري دونالد ترامب هذا
الانقسام المفترض خلال حملته الانتخابية عام 2016، حيث وصل إلى الرئاسة فيما قيل إنه
رد فعل شعبي جامح ضد أممية نخب واشنطن.
ولكن هل مؤسسة
السياسة الخارجية الأمريكية بعيدة حقا عن الرأي العام الأمريكي؟
للإجابة على هذا
السؤال، يقول الباحثون: "قمنا مؤخرا باستطلاع آراء أكثر من 800 عضو من النخبة
السياسية الخارجية الأمريكية، بمن في ذلك مسؤولون في الفرع التنفيذي، وموظفون في
الكونغرس، وعلماء في مراكز الفكر، وأكاديميون، وصحافيون، وموظفون في مجموعات
الاهتمام ذات التوجه الدولي. معا يلعب قادة الرأي في السياسة الخارجية هؤلاء دورا
كبيرا في مناقشات السياسة الخارجية، ويشكلون جداول الأعمال، والرأي، وفي النهاية
القرارات السياسية للحكومة الأمريكية".
وبالمقارنة مع
الرأي العام السائد حول السياسة الخارجية، أظهرت نتائج استطلاع الباحثين "القليل
من الأدلة على وجود فجوة كبيرة بين الرأي العام والنخبة. فالغالبية العظمى من
النخبة السياسية الخارجية والجمهور تدعم المواقف الدولية بشأن التجارة والهجرة
والتحالفات مثل الناتو". كما تؤيد الغالبية العظمى من المجموعتين الاعتقاد
بأن "أمريكا يجب أن تلعب دورا عالميا نشطا".
اقرأ أيضا: روحاني: ترامب عجز عن إخضاع إيران ولا يهمنا من يفوز
ومن المثير للفضول أن المشاركين في الاستطلاع من
النخبة يتصورون أن الدعم الشعبي لهذه المواقف أقل بكثير مما هو في الواقع،
ويتخيلون بشكل خاطئ أن الأمريكيين يتطلعون إلى الداخل أكثر مما هم عليه بالفعل.
وقد تكون مؤسسة
السياسة الخارجية الأمريكية مذنبة بإساءة قراءة المزاج العام، لكن وجهات نظرها لا
تتعارض مع آراء معظم الأمريكيين، وفق ما قاله الباحثون.
وفي أحدث سلسلة من
الاستطلاعات التي أجريت على متخصصي السياسة الخارجية، دخل مجلس شيكاغو للشؤون
العالمية في شراكة مع جامعة تكساس في أوستن لاستطلاع آراء مجتمع السياسة الخارجية
الأمريكية في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر حول القضايا الرئيسية مثل التحالفات
والتجارة والهجرة ودور أمريكا العالمي.
وأفاد ما يقرب من
ثلث المشاركين في الاستطلاع بأن لديهم خبرة في الحكومة، بما في ذلك في وزارة
الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ومجتمع المخابرات والكونغرس والخدمات
الأخرى في الخارج.
ويضيف الباحثون: قمنا
بمقارنة نتائجنا بنتائج مجلس شيكاغو في تموز/يوليو 2020 والذي كان استطلاع مسح
تمثيلي على مستوى الوطن للجمهور الأمريكي طرح أسئلة متطابقة. لقد طلبنا أيضا من
نخبة المشاركين تقدير إجابات الجمهور على هذه الأسئلة من أجل إظهار كيف تنظر
المؤسسة إلى بقية البلاد.
ويعلقون: "ظهر
نمط ثابت في مقارنتنا بين النخبة والرأي العام: أغلبية كبيرة من كلا المجموعتين
تدعم السياسات الدولية، على الرغم من أن النخب عموما أكثر دعما".
وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان
ينبغي للولايات المتحدة أن تلعب دورا نشطا في الشؤون العالمية، وهو سؤال معياري تم
طرحه في استطلاعات مجلس شيكاغو منذ عام 1974، فإن 97 بالمئة من النخبة المستجوبة
أجابوا بنعم، مقارنة بـ 68 بالمئة من الجمهور. وفي مجال التجارة، يعتقد 99 بالمئة
من قادة الرأي و74 بالمئة من الجمهور أن التجارة الدولية مفيدة للاقتصاد الأمريكي.
وفي الوقت نفسه،
يؤيد عدد قليل نسبيا من أعضاء النخبة السياسية الخارجية والجمهور، التراجع عن
الالتزامات بالشراكات الدولية والانفتاح. تسعة بالمئة فقط من المتخصصين في السياسة
الخارجية و24 بالمئة من الجمهور يؤيدون تقليص التزامات أمريكا تجاه الناتو. ثلاثة
بالمئة فقط من النخبة المستطلعة آراؤهم و27% من الجمهور يؤيدون تقليل الهجرة
القانونية إلى أمريكا.
وعلى عكس الفكرة
القائلة بأن "مؤسسة السياسة الخارجية والجمهور يتباعدان أكثر"، ضاقت
الفجوة بين الاثنين خلال رئاسة ترامب. وفيما يتعلق بقضايا قرارات ترامب بالنسبة
للتجارة والهجرة، على سبيل المثال، اقترب الجمهور من وجهة نظر النخبة السائدة: فقد
زاد الدعم العام للقول بأن التجارة مفيدة للاقتصاد الأمريكي بمقدار 15 نقطة مئوية
بين عامي 2016 و2020، في حين أن الدعم العام للتقليل من الهجرة القانونية تراجع
بنسبة 12 نقطة مئوية خلال نفس الفترة.
كما فشل خطاب ترامب الذي يسخر من حلفاء أمريكا
إلى حد كبير في إحداث تغيير كبير: فقد ارتفعت نسبة الجمهور الذين أرادوا الانسحاب
من التزام أمريكا تجاه حلف شمال الأطلسي أو تقليله بشكل متواضع من 21 بالمئة إلى
24 بالمئة بين عامي 2016 و2020.
اقرأ أيضا: FP: لهذا السبب يجب على ابن سلمان القلق إذا رحل ترامب
وفي كل من هذه
القضايا، يتخيل مسؤولو السياسة الخارجية والخبراء باستمرار أن الجمهور أكثر
انعزالية وعدائية للسياسات الدولية مما هو عليه في الواقع.
ويعتقد المشاركون من النخبة أن 44 بالمئة من
الجمهور يؤيدون خفض التزام أمريكا بحلف الناتو، والمستوى الحقيقي هو 24 بالمئة فقط.
وتبالغ النخب في
تقدير مستوى الدعم الشعبي لخفض الهجرة القانونية بنسبة 22 نقطة مئوية، مع التقليل
من أهمية الدعم العام للتجارة الدولية بمقدار 21 نقطة وللدور الأمريكي النشط في
العالم بمقدار 16 نقطة.
ولا تختلف درجة عدم
الدقة في تقديرات النخبة للمشاعر العامة بشكل كبير بين المجموعات المهنية أو
الأحزاب السياسية أو المشاركين داخل الحكومة وخارجها، مما يشير إلى أن صانعي
القرار وقادة الرأي في جميع المجالات يشاركون هذه المفاهيم الخاطئة.
وتساءل الباحثون: "فلماذا تسيء نخبة السياسة الخارجية الأمريكية باستمرار توصيف نظرة الجمهور
للعالم؟"، ووفقا لوجهة نظرهم، يعتمد أحد التفسيرات المحتملة على علم النفس
السياسي: يرى مسؤولو السياسة الخارجية والخبراء أن أفراد الجمهور يختلفون اختلافا
جوهريا عنهم، مما يدفعهم إلى قبول الصور النمطية البدائية عن الجمهور.
وتابعوا :"قد
تكون وسائل الإعلام مسؤولة جزئيا أيضا، حيث تميل التقارير الإخبارية التي تسلط
الضوء على النزاعات بين الأمريكيين العاديين والنخبة البعيدة عن واقع الناس إلى
جذب قدر كبير من الاهتمام، مما يعزز سردية استقطاب أكبر".
ويضاف لذلك، أنه قد
يكون للاستغناء عن فكرة البون المتزايد بين وجهات نظر الجمهور ومؤسسة السياسة
الخارجية فوائد مهمة، فقد يصبح المسؤولون أكثر استعدادا لتبني سياسات تتطلب التزامات
دولية أعمق أو أكثر تكلفة، بما في ذلك بشأن تغير المناخ ومكافحة الأوبئة، إذا
اعتقدوا أن الجمهور سيدعم هذه المواقف.
وبالمثل، من المرجح أن يتراجع صانعو السياسة في
المستقبل عن قيود الهجرة والتجارة التي تم فرضها في ظل إدارة ترامب إذا كانوا أقل
خوفا من رد الفعل العام المحتمل.
وبعد أربع سنوات في
المنصب، فشل ترامب في تقليص الدعم الشعبي للتجارة والهجرة والتحالفات العسكرية.
وبدلا من ذلك، يظل
الجمهور متوافقا إلى حد كبير مع وجهات نظر المؤسسة بشأن هذه القضايا الأساسية.
ويجب أن يدرك قادة
أمريكا أن لديهم مساحة سياسية أكبر للتقدم والدفاع عن المواقف الدولية أكثر مما
يبدو أنهم يدركون. بينما يستعدون لحقبة ما بعد ترامب، سواء في غضون أربعة أشهر أو
أربع سنوات، فإن المدافعين عن مشاركة دولية أكبر لديهم حليف مهم في الجمهور
الأمريكي.
مستشار سابق لترامب يتنبأ بتصرفه لو خسر الانتخابات
التصويت المبكر يشعل المنافسة الانتخابية بين ترامب وبايدن
ترامب يتراجع: إذا خسرت سأقبل بانتقال سلس للسلطة.. ولكن