قضايا وآراء

اتفاق بيع الأقصى؟

1300x600

اتفاق الازدهار الاقتصادي، هذا ما يفترض أن يكون محور الاتفاق الصهيوني مع الإمارات من زاوية الواقعية السياسية، فما يمكن للإمارات أن تقدمه للكيان الصهيوني يقع معظمه في خانة الاقتصاد وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، لكنه بدلاً من ذلك جاء "اتفاق أبراهام"؛ تطبيع ديني وليس سياسيا فقط، هذا ما يريده الصهاينة والولايات المتحدة من هذا الاتفاق، وتهويد الأقصى في القلب من ذلك.

لقد كان مفاجئاً بالفعل أن تتضمن الفقرة قبل الأخيرة من الإعلان الثلاثي الذي أعلنه ترامب بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة بنداً خاصاً عن المسجد الأقصى، يقول نصه: "كل المسلمين الذين يأتون بشكل سلمي يمكن أن يزوروا المسجد الأقصى ويصلوا فيه، أما بقية أماكن القدس الدينية فستبقى مفتوحة لجميع الديانات"، وهو نص يقدم ثلاث خدمات مركزية للصهاينة في المسجد الأقصى:

أولا: إعادة التعريف

 
تذكر صفقة القرن "المسجد الأقصى" في نصها مرتين للإشارة إلى مكانة القدس في الإسلام باعتباره المكان الذي "ينحني فيه المسلمون للصلاة" وفي ترجمتها للآية الأولى من سورة الإسراء، لكنها حين تصف دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليه تشير إليه بمصطلح "جبل المعبد/الحرم الشريف"، وتواصل على ذلك في جميع إشارتها للمسجد الأقصى بكامل مساحته المسورة، فهذه المنطقة اسمها "جبل المعبد" من وجهة نظر يهودية، و"حرم شريف" من وجهة نظر إسلامية، وهي تقول في الصفحة السادسة عشرة التي تناقش مصير المكان بأن "الناس من كل الأديان ينبغي أن يسمح لهم بالصلاة في جبل المعبد/الحرم الشريف، بطريقة تتناسب تماماً مع دينهم"، فهذه المساحة الكاملة إذن ليست هي "المسجد الأقصى" من وجهة نظر صفقة القرن ومعدّيها، بل هي "حرم الشريف".

تتبنى صفقة القرن بذلك حيلة صهيونية عمل المحتل طوال عقودٍ على استحداثها، وهي تحديد المقدس الإسلامي "المسجد الأقصى" باعتباره المسجد الأقصى المبني ذو القبة الرصاصية فقط، وهو ما تبنته المحكمة العليا الصهيونية في تسعينات القرن الماضي حين قضت باعتبار ساحات المسجد الأقصى المبارك "ساحات عامة"، ومهدت له الخارطة المنشورة في مخطط القدس العمراني 2020، والذي نشر في عام 2004 ليحاول رسم شكل القدس بحلول 2020، وقد اختصر المقدسات الإسلامية بالمسجد القبلي وقبة الصخرة، واعتبر بقية مساحة الأقصى –والتي تشكل 97% منه- مجرد "مناطق أثرية مكتظة بالزائرين"، وعلى ذلك مضت المحاولات الصهيونية المتتالية لإعادة تعريف المسجد الأقصى بطريقة تمهد للتقسيم وتجعل ساحة الأقصى بما تضم من قباب ومصاطب ومحاريب مساحة غير مقدسة، يمكن لليهود أن يصلوا فيها وأن يقتسموا جزءاً منها.

النص الذي تلاه ترامب للاتفاق الثلاثي اختار مصطلحاته بعناية، حين قال إن "المسلمين يزورون ويصلون في المسجد الأقصى" قاصداً المسجد القبلي ذا القبة الرصاصية وحده، أما بقية المساحة، فهي "بقية أماكن القدس المقدسة" وهي "مفتوحة لكل الديانات".

ثانياً: مشروعية العبادة اليهودية في الأقصى

 
في حديثه عن ساحات المسجد الأقصى المبارك، يقر النص الثلاثي الذي أعلنه ترامب بأنها مفتوحة لجميع الديانات، أي من حق اليهود والمسيحيين الصهاينة –إن شاؤوا- أن يؤدوا الصلاة فيها كما المسلمين، لم يعد المسجد الأقصى بتعريفه الإسلامي الذي يشمل كل ما ضمته أسواره مقدساً إسلامياً خالصاً، بل بات مقدساً مشتركاً، وباتت هناك دولة عربية وإسلامية تعترف بحق غير المسلمين بالصلاة فيه هي الإمارات.

فرضُ العبادات اليهودية في الأقصى يقع اليوم في لب الأجندة الصهيونية تجاهه، فبعد أن اصطدمت محاولة التقسيم الزماني بانتفاضة السكاكين 2015 وهبة باب الأسباط 2017، وبعد أن اصطدمت محاولة التقسيم المكاني بهبة باب الرحمة 2019، تخلى اليمين الصهيوني عن اشتراطاته المرحلية، وعدّل أجندته لتصبح "بناء الهيكل معنوياً" وذلك بإقامة كامل الطقوس القربانية فيه على وضعه الحالي، تمهيداً لبنائه مادياً، وفي هذا الإطار جاء الاتفاق ليضفي المشروعية على الاعتراف بـ"الحق الديني اليهودي" في الأقصى باعتباره مدخلاً للسلام.

ثالثا: تقييد العبادة الإسلامية فيه 

 
تبنت صفقة القرن تقييداً على المصلين باعتبارهم "المصلين المسالمين"، وهو تعريف يستهدف المسلمين ضمنياً لأنهم أصحاب المكان الذين سيستفزهم اقتحام غيرهم لمقدسهم، وجاء الإعلان الثلاثي مع الإمارات ليفصح عن تلك النية، حين جعل هذا القيد مختصاً بالمسلمين وحدهم، فالذين يأتون منهم بشكل سلمي فقط هم من يمكنهم أن يزوروه ويصلوا فيه، أما أتباع بقية الأديان فلا قيد عليهم.

لا يكتفي هذا النص بمنح ميزة تفضيلية لغير المسلمين على المسلمين في الأقصى، بل يضفي المشروعية أيضاً على الإجراءات الصهيونية باعتقال المرابطين وإبعادهم والتنكيل بهم، فهؤلاء غير سلميين، وليس من حقهم بالتالي أن يدخلوا الأقصى أو يصلوا فيه كما يزعم هذا الاتفاق.

في المحصلة، لا يحوي "اتفاق أبراهام" أي محتوىً ديني يبرر هذه التسمية سوى ما يتعلق بالمسجد الأقصى فقط، فاتفاق أبراهام سمي بهذا الاسم لأنه يريد أن يؤسس لتحويل المسجد الأقصى إلى مساحة صلاة لأتباع "الأديان الإبراهيمية" الثلاث، وحينها يغدو من المنطقي جداً السؤال: هل كان الإعلان عن "البيت الإبراهيمي" في 22-1-2020، وقبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من إعلان صفقة القرن في البيت الأبيض محض صدفة؟ أم كان هذا "البيت الإبراهيمي" الذي يضم كنيساً وكنيسة ومسجداً تمهيداً تجريبياً على أرض الإمارات لما يراد للأقصى أمريكياً وصهيونياً؟  

فهل نحن هنا أمام اتفاق سلام؟ أم أمام إعلان انضمامٍ ومشاركة في اليمين الصهيوني؟