ظهرت في الموسم الرمضاني أغنية للمطربة آمال ماهر خلال الإعلانات الدعائية، وقد أثارت الأغنية ضجة لما تحويه من كلمات ارتبطت بمشاهد مثيرة للجدل، فقد كانت الكلمات ذات لهجة شديدة وواضحة فيما تطرحه ولا مجال فيها للتكهن بما تقصده، حيث كانت موجهة للمرأة بشكلٍ خاص مشجعة إياها على الوقوف بالمرصاد أمام من يحاول السيطرة عليها وتوجيه حياتها بما لا يتوافق مع رغباتها وقناعاتها الخاصة.
وظهرت الممثلة أمينة خليل بشخصية عروس تهرب يوم زفافها مسببة الإحراج لأهلها وكسرة القلب لعريسها، ما جعل الأغنية محط استهجان من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدثت انقسامات بين مؤيد ومعارض، ليكتشف المشاهدون بعد ذلك أن الأغنية "تتر" لمسلسل قادم، وقد أعطت الأغنية انطباعا شبه كامل لدى المشاهد عن قصة المسلسل وتشي بأحداثه والفكرة التي ستقوم عليها الأحداث.
تشجيع على التفرّد أم تحريض على التمرّد؟
مسلسل "ليه لأ" الذي يُعرض على منصة شاهد من تأليف مريم نعوم وإخراج مريم أبو عوف، وما إن عُرضت الحلقة الأولى حتى انهالت الانتقادات خاصة من قبل جمهور الرجال، وقد تبعتها ردود مضادة تدافع عما يطرحه المسلسل، إذ تدور الحكاية عن فتاة اسمها "عليا"، وهي أمينة خليل، تجاوزت الثلاثين من عمرها، وتعيش عليا حياة هادئة ومسالمة لإطاعتها لأهلها، حتى أنها وافقت على العريس الذي اختاره أهلها تجنبا للمواجهة.
لكنها قررت في هذه اللحظة المصيرية أن تستجمع قواها فكان أن هربت قبل عقد قرانها بلحظات، متتبعة لشعورها بأن الشخص الذي اختاره أهلها لها غير مناسب لها وبأنها غير مستعدة بعد، وبهروبها ذاك كانت قد ألحقت الأذى وسوء السمعة بأسرتها وبخطيبها وبنفسها أيضا، تاركة المشاهد في حيرة من أمره ومتسائلا عن منطقية إدراكها في تلك اللحظة تحديدا، ولكن لا يهم، فقد صرفت عليا نظر المشاهد عن تلك التساؤلات وتركته يعيش حالة من الترقب لما سيحصل لها بعيدا.
فقد كانت البطلة التي نفرح لها إن نجحت ونحزن حين تواجه الصعوبات، إلا أن ما أثار الجدل الحقيقي هو خروجها من بيت والدتها ليلا للالتحاق بمسابقة موجهة للنساء كانت إحدى شروطها هي الاستقلال عن منزل العائلة، وفي حال فوزها بكافة الشروط ستحصل على منحة دراسية كاملة في إحدى الجامعات، لتتغير حياتها وتنمو الشخصية باتجاه أكثر مسؤولية وعقلانية أمام المتلقي في قالب لطيف وهادئ مغرق بالتفاصيل اليومية الجميلة أثناء تحقيقها شرطا تلو الآخر..
الاحترافية في خلق التعاطف مع الشخصية
إن هروب البطلة من زفافها دون أن تقدم تفسيرا واحدا لعريسها المهجور حتى بعد لقائها به بعد الحادثة، وهروبها ليلا من منزل والدتها، أظهر جانبا من الشخصية كفتاة عاجزة حتى عن تقديم المبررات، وهو ما يتوافق مع تاريخها السابق بوصفها شخصية مطيعة غير معتادة على أن تحاور أو تقدم التبريرات لعدم ارتكابها للمخالفات أصلا، فنجدها تهرب فقط دون أدنى مواجهة، إذ لا يمكنها الوقوف والتعبير عن نفسها، مما يجعلها نموذجا للكثير من شابات بعض المجتمعات، وتعبر عن شخصياتهن المنقادة وما يعانينه تحت ضغط سلطات أبوية أو عائلية متعددة الأذرع تمارس عليهن سياسة تكميم الأفواه، ويعشن في منازل مفتقدة للحوار والتفهم لرغبات الأنثى بالاستقلال وحتى اختيار شريك الحياة، وإن فعلت فإنها حتما ستواجه الهجوم و الانتقاد وحتى الانتقاص من أخلاقها وقيمتها.
اقرأ أيضا : ما دلالات دخول "نتفلكس" سوق الدراما المصرية؟
وقد نجحت الكاتبة بخلق حالة من التعاطف مع عليا حتى بعد خرقها للعادات والتقاليد وسذاجتها أحيانا، وذلك من خلال رسم شخصية هادئة وبريئة، وتسليط الضوء على شخصية أمها المتسلطة، وعمها الذي يملك زمام أمور العائلة المادية بعد وفاة والدها والذي كان يضيق عليها في العمل بعد حادثة الهروب لأنها لم تقبل بشاب يرونه مناسبا لها، إضافة للعبارات المحبطة التي كانت تسمعها على الدوام.
الصراع بين الرغبة في الحرية والخوف من المسؤولية
بعد مشاهدة الحلقات الأولى وخاصة بعد الاستماع إلى تتر البداية يظهر المسلسل كعمل معني بقضايا المرأة وداعم لقضايا التحرر ومناهضة العادات وغير ذلك من الأمور المرتبطة بالحركات النسوية وغيرها، إلا أن تتبع الأحداث يخفف من حدة الاحتقان وحالة الحنق على العمل، فهو ألطف من أن يكون حلبة للجدال والصراع، فما هو إلا عمل درامي موضوع في قالب رومنسي مع بعض اللمسات الكوميدية الأقرب للعفوية، بل هي الأقرب إلى قصة خيالية بطلتها أنثى تواجه الصعوبات فيما تطمح إليه وتريده، وفور وجود صعوبة أمامها فإنها تلقى الحلول السحرية في اليوم التالي، وتبرق عينيها للحب وتستمتع بالانطلاق في الهواء الطلق بعيدا عن ما يكدر بالها.
إلا أن أكبر مخاوفها يكمن في عدم القدرة على التوفيق بين الرغبة بالانطلاق في حياة ترسم خطوطها كما تريد وبين صعوبة تحديد تلك الخطوط، إذ ليس من السهولة بمكان أن تسقط أعواما طويلة لم تتخذ فيها قرارا واحدا حتى اختيارها لما تأكله "حسب تعبير الشخصية" ثم تنطلق فجأة لتؤسس حياة واضحة المعالم تتسم بالاتزان والحكمة وتتزين بالقرارات الصائبة! وأعتقد أن هذا ما يجعل بعض الأشخاص أحيانا يفضلون الاستمرار في العيش تحت سلطة تقرر عنهم رغم السطوة والقسوة، إلا أنهم يجدونها أكثر راحة من الدخول في دوامات من الجدال والخوض في المشكلات إن فكروا يوما بالسير في اتجاه معاكس، فيكون عليهم حينها التفكير الدائم بما سيفعلونه وتقدير العواقب وتحمل النتائج.
كابوس النهايات السعيدة
مسلسل ليه لأ ذو نهاية سعيدة وتحلق بعيدا عن فضاء الواقع في حقيقة الأمر، بدءا من المشاهد الرومنسية، وصولا إلى الموسيقى التصويرية التي تضفي جوا من المرح أثناء مشاهد الخلافات العائلية الشديدة، وانتهاء إلى جعل الشخصية خلال عام واحد مصورة محترفة ومشهورة أيضا فقد أسست معرضا للصور الفوتوغرافية رغم عدم استعمالها لكاميرا التصوير طوال حياتها! ويرى بعض الأشخاص أن الأعمال ذات النهايات السعيدة ما هي إلا خيال طفولي، وبعيد عن الواقع، لكن لا بأس به إن قدم على سبيل الترفيه أو التسلية، فهولا يصلح أن يقدم للمشاهد على أنه عمل يحاكي الواقع ويصور أمورا ممكنة الحدوث فعلا!