في المقالة الثانية من سلسلة من ثلاث مقالات تقيم تركة الملك سلمان بن عبدالعزيز، مضاوي الرشيد تقول إن السياسات الإقليمية للمملكة العربية السعودية أكسبتها من الأعداء أكثر مما أكسبتها من الأصدقاء
وأشارت الأكاديمية والمعارضة السعودية، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مملكة سلمان كانت تطمح لأن تصبح قوة إقليمية مهيمنة في العالم العربي. إلا أن الحلم أحبط عندما تحولت سياستها بالتدريج من دبلوماسية تقوم على التفاهم إلى مغامرات عسكرية رديئة التخطيط ومؤامرات واستعراض للعضلات على الدول المجاورة.
وتاليا ترجمة مقال "الرشيد" كما ترجمته "عربي21" نقلا عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني:
في المقالة الثانية من سلسلة من ثلاث مقالات تقيم تركة الملك سلمان بن
عبدالعزيز، مضاوي الرشيد تقول إن السياسات الإقليمية للمملكة العربية السعودية
أكسبتها من الأعداء أكثر مما أكسبتها من الأصدقاء
كانت مملكة سلمان تطمح لأن تصبح قوة إقليمية مهيمنة في العالم العربي.
إلا أن الحلم أحبط عندما تحولت سياستها بالتدريج من دبلوماسية تقوم على التفاهم
إلى مغامرات عسكرية رديئة التخطيط ومؤامرات واستعراض للعضلات على الدول المجاورة.
لم تثمر أي من سياسات المملكة الإقليمية الانتصارات التي كان يتوقعها
الملك وابنه – أي تتويج البلد كمحكم لا ينازع في الشؤون العربية. وعلى مدى السنوات
الخمس الماضية، أثبتت النيران الإقليمية أنها أكثر تدميراً وأصعب على الإخماد مما
كان مستشرفاً.
لأول مرة منذ اندلاع حرب الخليج في عام 1990، شهدت المملكة تدهوراً في
وضعها الأمني، وهو التدهور الذي بدأ بسبب سوء تقديرات الملك حول ما كان يرجوه من
هزيمة سريعة يلحقها بأعدائه التاريخيين والجدد.
لقد أثبت الإنفاق غير المسبوق على التسلح ليس فقط أنه هدر لموارد
النفط الآخذة في النضوب وإنما أيضاً أنه إحراج عرى ضعف القدرات الأمنية للمملكة.
شهدت الأصقاع الممتدة للمملكة وآبار نفطها ومدنها الرئيسية الصواريخ
تتساقط فوقها والطائرات المسيرة تحلق في سمائها دون أن تتمكن من وضع حد لتلك
الإهانة.
جاءت مثل هذه الحوادث غير المتوقعة نتيجة مباشرة لإخفاق المملكة في
التوصل إلى تفاهم مع إيران وفي إنهاء حرب اليمن التي أشعلها الملك سلمان وابنه في
عام 2015. على الرغم من أن تلك الهجمات المتقطعة على المملكة لم تسبب دماراً
كبيراً، من وجهة النظر العسكرية، إلا أنها أثبتت أنها شديدة الإضرار بسمعة القيادة
في البلاد.
تعرضت القوة الطامحة نحو الهيمنة للهجوم انتقاماً منها بسبب شنها
الحرب على أفقر بلد في العالم العربي، اليمن. رغم استنادها إلى كل ما في السلاح
الغربي الغرب من قوة، ومن طائرات مقاتلة وتقنية عسكرية، فشلت مملكة سلمان في تأمين
حدودها ومجالها الجوي.
وبدلاً من البدء في مفاوضات جادة مع إيران للتوصل إلى أسلوب للتعايش
وإنهاء عقود من العداء، اختارت القيادة إدامة الصراع. اختار سلمان المواجهة غير
المباشرة مع إيران ليس فقط في اليمن وإنما أيضاً في لبنان وسوريا. وكانت النتيجة
أن النفوذ الإيراني في عهد سلمان تمدد بدلاً من أن ينكمش في الأراضي العربية
القديمة التي ما لبث فيها يتعاظم، بما في ذلك العراق.
استهداف قطر وتركيا
في الخليج، استهدف سلمان تفتيت مجلس التعاون الخليجي وذلك عندما حاصر
قطر وشجع الدول الخليجية الأخرى على انتهاج سبيله، مؤملاً نفسه بأن العقوبات يمكن
أن تؤدي إلى إسقاط البلد الصغير. إلا أن خططه التي كانت تهدف إلى إسقاط الأمير
القطري وتنصيب حاكم دمية عبر الحدود منيت بالفشل الذريع.
كما نجح سلمان في إيجاد أعداء جدد عندما استعدى تركيا، حيث ارتكب
عملاء نجله ما يمكن أن يوصف بأنه جريمة القرن: اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل
القنصلية السعودية في إسطنبول.
وبينما راحت وسائل الإعلام التركية ترسم صورة مرعبة للساعات الأخيرة
في حياة الصحفي الذي كان يناضل من أجل البقاء على قيد الحياة وقد حاصرته سكاكين
فريق الاغتيال، حشرت مملكة سلمان في الزاوية بوصفها دولة مارقة على استعداد
لارتكاب جرائم وحشية ومرعبة لم يسبق لها مثيل. حدث واحد ألحق دماراً شاملاً بسمعة
السعودية كمملكة محسنة. حدث واحد نبه المجتمع الدولي إلى هذا النمط الجديد من
مسالك الأنظمة المارقة في عهد سلمان وابنه.
في الأماكن الأخرى من المنطقة العربية، سعى الملك نحو ترميم وتعزيز
التحالفات القديمة مع بلدان مثل البحرين ومصر والأردن والمغرب. إلا أن تلك الجهود
أخفقت في ضمان الأمن. رفضت تلك الدول منح المملكة تأييداً مطلقاً لمجهودها الحربي
في اليمن، مفضلة انتهاج سياسات إقليمية مستقلة.
ومع قلة الموارد التي جرت العادة على شراء ولاء الحلفاء القدامى بها،
وجدت مملكة سلمان مشقة بالغة في الحفاظ على مكانتها، حتى بين أكثر الحلفاء العرب ولاء
لها.
التخلي عن الفلسطينيين
انتهكت مملكة سلمان محرماً قديماً عندما فتحت قنوات دبلوماسية جديدة
مع إسرائيل، بحثاً عن خبرات عسكرية وتكنولوجية لمواجهة ما تعانيه من انعدام أمن
وانكشاف حال. كشفت مثل هذه المفاتحات الإشكالية إلى أي مدى كانت قيادة الرياض على
استعداد للذهاب تحت وطأة الضغط الإقليمي.
سوف يسجل التاريخ أن المملكة كانت البلد الذي طالما تعهد بدعم
الفلسطينيين ثم سرعان ما استدار وعكس سياسته لصالح علاقات براغماتية وظرفية مع نفس
القوة التي تسببت في تشريد ومعاناة هؤلاء الفلسطينيين. من خلال زعمها أنها تصنع
السلام، أثبتت المملكة العربية السعودية أنها في الحقيقة لا تعير الفلسطينيين ولا
قضيتهم أي اهتمام.
اختار سلمان السير في طريق خطير لم يجلب السلام ولم يأت بحل للصراع
الإسرائيلي الفلسطيني. لم يفقد السعوديون فقط المبادرة للعب دور رئيسي في إنهاء
هذا الصراع، بل وفقدوا أيضاً صدقية وحياد وسيط السلام النزيه.
تعثرت السياسات الإقليمية لمملكة سلمان وساهمت في خلق فراغ في العالم
العربي. بات هذا العالم اليوم أكثر تفتتاً وتيهاً من أي وقت مضى. ولن يتسنى للرياض
أبداً أن تتوج عاصمة للعرب تتخذ فيها القرارات الكبرى، وحيث لا تملك الدول العربية
الأخرى سوى الانصياع. تقف المملكة اليوم وحيدة معزولة في منطقة تغلي كالمرجل.
لم يحدث من قبل أن شهدت المملكة مثل هذا التراجع الهائل في نفوذها
داخل العالم العربي كهذا الذي تشهده تحت قيادة سلمان. ينظر إلى مملكته الآن على
أنها قوة مفترسة باتت تجد مشقة بالغة في تعزيز مكانتها وتحسين سمعتها، ولها من
الأعداء أكثر مما لديها من الأصدقاء.
رابط المقال الأول
مضاوي الرشيد عن تركة "سلمان": فقد العالم الثقة في السعودية
WP: ترامب يواصل تحدي الكونغرس لحماية ابن سلمان
WSJ: ابن سلمان ذواق للرغد والثروة ومندفع بجموح للسلطة