قضايا وآراء

حكام الإقليم والموقف في شرق المتوسط

1300x600

ترددت كثيرا قبل هذه المحاولة في فهم موقف حكام الأقليم عامة والعرب منهم خاصة من مشكل شرق المتوسط للجواب عن سؤالين لا أعتقد أني الوحيد المتحير في الجواب عنهما:

ـ لماذا يجمعون على خيار مساندة اليونان وأوروبا؟


ـ ما دلالة سكوت أمريكا على ما يجري وكأنه شبه حياد؟

والتفاعل بين السؤالين يضع سؤالين فرعيين لعلهما هما علة الحيرة في الجواب عنهما وللتفاعل بينهما ثمرتين مختلفتين تماما لكنهما تجمعان بين الإقليمي والدولي بترابط وثيق هو عين منزلة الإسلام والمسلمين في سياسة العالم:

ـ ما علاقة السؤال الثاني بالسؤال الاول وما دلالتها في المقبل من صراع على سيادة العالم بين الصين وأمريكا صراع بدأت ملامحه تتضح ولا يغفل عنها محلل؟

ـ ما علاقة السؤال الأول بالسؤال الثاني وما دلالته على مستقبل الأقليم ودور تركيا فيه وهو دور بدأت ملامحه تتضح ولا يغفل عنه محلل؟

وما هذه الأسئلة الأربعة إلا فروع أصل واحد هو عين العلاقة بين هذين الصراعين المترابطين وثيق الترابط، لأنه عين الترابط بين القيادة العالمية والقيادة الإقليمية التي تعنينا نحن في نظام العالم الجديد الذي يعني أمريكا خاصة أي: صراع الصين وأمريكا عالميا وصراع تركيا وإسرائيل إقليميا.

وكل أنظمة الأقليم الميحطين بالأبيض المتوسط مسلمين وأوروبيين ـ إذا ما استثنينا محاولات نظام تركيا للتحرر من التبعية ـ ليس حكامهم إلا توابع لقيادة صهيونية تسعى لفرض سايكس بيكو ثانية تستكمل الأولى وتتدارك ما فشلت فيه من تفكيك للأمة يصبح أبديا كما يتمنون.

 

حلف أنظمة الإقليم مع أنظمة أوروبا لحماية الموجود بما يشبه العودة إلى ما كان عليه الأمر قبل تدخل أمريكا في سياسة العالم أي ما بين الحربين. وهذا قيس للمستقبل على الماضي. وهو من علامات حمق ماكرون وبوتين. لم يفهما بعد ما فهمته أمريكا بعد أن جربته: لا يمكن هزيمة المسلمين أبدا، وعودة الإسلام لا مرد لها، وأن أوروبا لم تعد قوة ومثلها روسيا.

 



واستثناء تركيا من التبعية ليس دعوى تمجيدية بل هم من يثبتونه وإلا لما حصل الحلف ضدها والسعي لمحاصرتها برا ـ في سوريا ـ وبحرا في المتسوط ومحاولات الانقلاب على النظام ثم خاصة الحرب الاقتصادية والإعلامية التي تشترك فيها كل أنظمة الإقليم المسلم والأوروبي:

فالهدف هو استكمال مشروع إسرائيل الكبرى بعد فشلين للخطتين الساعيتين لمنع عودة المسلمين لدورهم في تاريخ العالم:

فشلت الخطة الأولى، أعني سايكس بيكو الأولى، في تحقيق هدفيها رغم نجاحها في إسقاط الخلافة: أي محاولة تذويب روح تركيا الإسلامية بعلمنتها وتوطيد التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي والحرب على المرجعية الإسلامية.

وفشلت الخطة الثانية التي أريد بها مساندة الخطة الأولى، فإذا بها قد أحيت ما استهدفوه بها، أحيته بغير قصد منهم وقد سموها الفوضى الخلاقة والتي كان فيها لإيران دور الجرافة بإحياء العرقيات والطائفيات.

فالخطة الثانية ـ بمكر خير من الله ـ قضت على الحدود التي وضعتها سايكس بيكو لأن بقاءها الرسمي لا يخفي زوالها الفعلي وأحيت الرابطة الإسلامية وهي بصدد القضاء على نكوص المسلمين إلى العرقية والطائفية على الأقل عند الشعوب التي رأت ما نتج عنها وخاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وبين أن علة بروز فرنسا الحالية ليس لأنها القوة القادرة على تعويض أمريكا حتى لو تحالفت مع روسيا كما يحاول ذلك ماكرون وإنما لأن من يحركه هو عينه من حرك مشروع سايكس بيكو الأولى والحرب بين العرب والخلافة ويريد مشروع سايكس بيكو الثانية.

كان هدف سايكس بيكو الأولى تنفيذ وعد بلفور. وقد حصل. لكن القضاء على الحدود وفشل الدول القطرية التي صارت كلها محميات يحكمها عملاء سافرون هو الذي اقتضى التفكير في سايكس بيكو ثانية: ومن دون ذلك بقاء إسرائيل الصغرى غير مضمون ناهيك عن إسرائيل الكبرى.

وهذا هو مشروع الصهيونية الثاني وهي طبعا تريد ضرب التجربة الأكثر دلالة على فشل الخطة وانتاجها عكس ما خططوا له، فيصبح المستهدف هو الرمزان: فلسطين وتركيا.

فالأولى رمز المعركة لأنها رمز ما تطلب الصهيونية العالمية تحقيقه بإنشاء إسرائيل قاعدتها في الإقليم.
والثانية شرط ربح المعركة بمعنى أنهم فهموا أن الشرط هو إسقاط تركيا كما أسقطوا الخلافة حتى يتحقق المشروع.

لما نفهم الأصل ووجهيه يمكننا أن نجيب عن الأسئلة الأربعة لأنها فروعه أو إن شئنا لأنها عين تحققه
في الجغرافيا التي تمنع بالتفتيت شروط التنمية المستقلة. 

وفي التاريخ الذي يمنع بالتشتيت الطائفي والعرقي شروط القيام الروحي للجماعة. وهي ما لا يمكن نجاح الأعداء من دون القضاء عليه بقيادة الصهيونية العالمية التي يعتبر ماكرون صهرهم وفرنسا آداتهم لإحياء العداوة بين المشاطئين للمتوسط وهو أمر بات مستحيلا لأن الشعوب تمازجت ولم يبق داعيا للحروب الصليبية والاستعمارية غير بقايا اليمين والكنسية.

ـ السؤال الأول وجوابه:

لماذا يجمع حكام الأقليم من غير الأوروبيين على خيار مساندة اليونان وأوروبا؟

الجواب يبدو بديهيا. عادت المحميات التي كونتها أوروبا إلى الحامي الأوروبي بعد أن تخلت أمريكا على حمايتهم ضد شعوبهم التي تريد استرداد حريتها وكرامتها ضد الاستبداد والفساد اللذين يحميهما الاستتباع والاستضعاف. من هنا الحرب ليس على تركيا وحدها بل على ثورة الشعوب.

ـ السؤال الثاني وجوابه:

ما دلالة سكوت أمريكا على ما يجري وكأنه شبه حياد؟

أمريكا ساكتة عما يجري لأنها لم تتصد لروسيا ولا لتركيا ولا حتى لإيران لأنها ليست مستقلة عن مشروع الصهيونية العالمية لكنها تشعر بأن الالتزام المطلق به قد يخسرها معركتها مع الصين لأن هذه المعركة تقتضي على الأقل تهدئة العلاقة مع المسلمين لعلل كثير سبق أن بينتها.

ـ السؤال الثالث وجوابه:

ما علاقة السؤال الثاني بالسؤال الأول؟ وما دلالتها في المقبل من صراع على سيادة العالم بين الصين وأمريكا؟

من دون ما يشبه اللافعل الأمريكي أو شبه الحياد في معارك الإقليم المحيط بالأبيض المتوسط علته حاجة أمريكا إلى ما يمكنها من الاستعداد لصراعها الوجودي ليس للبقاء قوة أولى ربما للبقاء قوة معتبرة. وهذا مداره عدم الركون للحكام في محيط المتوسط وانتظار سقوطهم المؤكد. لأنها جربت مدة ربع قرن وكانت النتيجة هزائم متكررة مثلت فرصة الصين في تحقيق شروط اللحاق بها وربما شروط تجاوزها والسيطرة على الرتبة الأولى في نظام العالم الجديد.

السؤال الرابع وجوابه:

ما علاقة السؤال الأول بالسؤال الثاني؟ وما دلالته على مستقبل الأقليم ودور تركيا فيه؟

حلف أنظمة الإقليم مع أنظمة أوروبا لحماية الموجود بما يشبه العودة إلى ما كان عليه الأمر قبل تدخل أمريكا في سياسة العالم أي ما بين الحربين. وهذا قيس للمستقبل على الماضي. وهو من علامات حمق ماكرون وبوتين. لم يفهما بعد ما فهمته أمريكا بعد أن جربته: لا يمكن هزيمة المسلمين أبدا، وعودة الإسلام لا مرد لها، وأن أوروبا لم تعد قوة ومثلها روسيا.

ومعنى ذلك أن ثورة شعوب ألمانيا والبلقان والقوقاز هي التي جيواستراتيجيا ما حول أوروبا وروسيا وما حول الإقليم المسلم ذي العلاقة المباشرة بهما، ومن ثم فاستراتيجو أمريكا فهموا أن الاستعداد للصين يوجب منعها من الاستحواذ على دار الإسلام عامة وعلى إفريقيا وأوروبا خاصة.

أمريكا ببراغماتيتها التقليدية تنتظر ثمرات ما هو جار في المتوسط مع علمها بأن الحلف بين أوروبا الاستعمارية القديمة وعملائها من أهل الأقليم لا مستقبل له. 

طبعا لا أزعم أن أمريكا ستراهن على الشعوب أو تريد تحررا حقيقيا للمسلمين لكنها تتصور أن ما يشبه تركيا من دولهم يمكن أن يكونوا حلفا بديلا عن أوروبا العتيقة في صدامها مع الصين. ولولا ذلك لما أمكن لروسيا مواصلة استمالة تركيا ولما أمكن للصين مواصلة استمالة باكستان علما وأن لكل منهما خصيم مجاور يمكن أن يكون علة هذه السياسة القريبة. ولأن استراتجيي تركيا يفهمون كل ذلك نراهم يقدمون على ما يشبه المعجزات.

لكن السياسة البعيدة هي عين سياسة أمريكا: استحالة تصور نظام العالم الجديد من دون عودة الإسلام لدوره الكوني لأن المسلمين صار لهم شروط الاستئناف بكل المعاني. فهم حائزون على قلب الأرض بين العالمين الشرقي الأقصى والغربي الأقصى ترابها ومائها وسمائها وثرواتها ولهم القدرة على حمايتها بالديموغرافيا الشابة وبالعلوم وتطبيقاتها.

التاريخ ريحه تدفع شراع سفينتنا.. لكن النخب الجامدة التي لا تتجاوز القشور يعسر أن تفهم ذلك وهي غارقة في أكل فضلات الموائد والرضا بالعبودية والتبعية في كل ما به يكون الإنسان كما عرفه صاحب المقدمة "رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع