سعى الأردن إلى الوقوف في الوسط إزاء الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بحسب مراقبين، فلم يُشد به، ولم يتحفظ عليه، مختارا صفة المراقب الذي يتابع مآلات الاتفاق ليتخذ موقفاً منه بناءً عليها.
وكان وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، قد قال عشية اتفاق التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي، إن "أثر الاتفاق سيكون مرتبطا بما ستقوم به إسرائيل".
وتابع: "إنْ تعاملت معه إسرائيل حافزاً لإنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من حزيران 1967؛ ستتقدم المنطقة نحو تحقيق السلام العادل، لكن إن لم تقم إسرائيل بذلك؛ فإنها ستعمق الصراع الذي سينفجر تهديداً لأمن المنطقة برمتها".
ومع أن الأردن يسعى بقدر المستطاع للحفاظ على علاقة متوازنة مع الإمارات، إلا أن حدثين وقعا الأربعاء رأى مراقبون أنهما عكّرا صفو السياسة الأردنية إزاء دبي، الأول تغريدة للأمير علي بن الحسين في موقع "تويتر" أعاد فيها نشر مقالة للأكاديمي البريطاني آفي شليم ينتقد فيها تطبيع الإمارات مع "إسرائيل" ليقوم الأمير بحذفها لاحقاً، ما أثار تكهنات حول تعرضه لضغوطات رسمية.
وأما الثاني؛ فهو الكاريكاتير الذي نشره الرسام الأردني عماد حجاج والذي هاجم فيه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، على خلفية اتفاق التطبيع الأخير، ما أدى إلى اعتقاله وتحويله الخميس إلى محكمة أمن الدولة، التي قررت توقيفه في سجن السلط لمدة 14 يوما، ومحاكمته بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي داود كتاب، أن علاقة الأردن تاريخيا مع الإمارات وبقية دول الخليج جيدة لأكثر من سبب، منها التقارب الجغرافي، و"طبيعة الحكم الملكي في الأردن، والتي تتوافق مع معظم دول الخليج، حيث إنها ذات طابع حكم ملكي لا جمهوري".
وأضاف لـ"عربي21" أن نسبة كبيرة من الأردنيين يعملون في دول الخليج، وأهمها الإمارات التي يصل عدد العمالة الأردنية فيها إلى 200 ألف، لافتا إلى أن "هذا العدد الكبير يساهم في ضخ عملة صعبة ترفع من قيمة الاقتصاد الأردني، إلا أنه يشكل في الوقت ذاته عبئا سياسيا على الأردن يضطره إلى الحفاظ على تبعات العلاقة مع تلك الدول حتى لا يتم الانتقام من مواطنيه العاملين فيها".
ولفت كتّاب إلى أن العلاقات الأردنية الإماراتية تأزمت مؤخرا بسبب الخلاف العائلي الذي وصل إلى المحاكم البريطانية؛ بين الأميرة هيا ابنة الملك الراحل الحسين بن طلال، وبين زوجها حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، ما أدى إلى حدوث أزمة حاولت الدولة الأردنية النأي بنفسها عنها، إلا أن ثمة ذيولا لهذه الأزمة ما زالت تكتنف العلاقة بين البلدين.
وأوضح أن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي أضاف عاملا جديدا لهذه الأزمة، رغم أن الأردن حاول جاهدا الحفاظ على الحياد إزاء الاتفاق، وخصوصا أنه يقيم علاقات سلام وتطبيع رسمية مع "إسرائيل"، إلا أن هناك عدم ارتياح رسمي للاتفاق خلف الكواليس، لأنه قوّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأضعف مبدأ "الأرض مقابل السلام".
وحول تغريدة الأمير علي؛ قال كُتاب إن "التغريدة أزعجت أمراء الإمارات، الذين هم كبقية القادة العرب ليس عندهم جلد لتقبل النقد"، عازيا إقدام الأمير على نشر التغريدة إلى "تعاطفه مع الأميرة هيا التي هي شقيقته من أب وأم".
اقرأ أيضا: اعتقال رسام كاريكاتير أردني بعد رسم سخر به من ابن زايد (شاهد)
بين العلاقات والحريات
ولم تكتف الحكومة الأردنية باتخاذ موقف وُصف بـ"المحايد" تجاه اتفاق التطبيع الإماراتي، إلا أنها سعت إلى منع أي انتقاد صارخ لهذا الاتفاق، بحسب مراقبين رأوا في اعتقال الرسام عماد حجاج رسالة لإسكات بقية المعارضين لهذا الاتفاق.
وعن اعتقال حجاج وتحويله إلى محكمة أمن الدولة؛ لفت داود كُتاب إلى أن "الدولة الأردنية لكونها لن تتخذ أية إجراءات ضد الأمير علي؛ كان حجاج هو كبش الفداء للحفاظ على شعرة معاوية مع الحكومة الإماراتية".
وأضاف أن "خلافات الدول يجب أن تحل بين الدول، وليس من خلال التضييق على الإعلام تحت مظلة تعكير صفو العلاقات بين الدول، والذي يعكره من يقوم بالتطبيع مع الاحتلال، لا الذي يرسم كاريكاتيرا".
ورأى أن تغريدة الأمير علي وكاريكاتير حجاج سيؤديان إلى بعض التراجع في العلاقات بين الأردن والإمارات، مرجحا أن يكون هذا التراجع مؤقتا "كون العلاقات التي تربط البلدين أعمق بكثير من أن تتأثر بأمور سطحية".
وفي المقابل؛ رأى الكاتب والمحلل السياسي هشام البستاني أن "التغريدة" و"الكاريكاتير" سيؤزمان العلاقة بين البلدين "ما دام أصحاب القرار في الأردن غير قادرين على إدارة قرار مستقل، ويضعون كرامة المواطن الأردني والفنان الأردني تحت رحمة علاقاتهم مع دول الخليج".
واستهجن البستاني اعتقال الرسام عماد حجاج لانتقاده اتفاق التطبيع الإماراتي، مشيرا في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "حجاج يتناول في رسوماته شخصيات سياسية مهمة في الأردن تصل إلى الملك، ولا نرى ردة فعل مثلما نرى حين يتم انتقاد شخصيات الحكم في دول الخليج".
واستذكر اعتقال السلطات الأردنية الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) زكي بني ارشيد، حينما انتقد الإمارات عبر صفحته في موقع "فيسبوك" فكانت النتيجة الحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، متابعا: "كأنّ الأردن الرسمي يريد أن يوصل رسالة لحكام الإمارات أنكم أهم لدينا من مواطنينا".
وأكد أن هناك تخوفات لدى الدولة الأردنية من أن تتم ممارسة إجراءات انتقامية ضد المواطنين الأردنيين العاملين في الإمارات، مؤكدا أن حماية الأردنيين ووظائفهم لا تكون بهذه الطريقة "لأنها ترسل رسالة بأن المواطن الأردني ليس له كرامة، وأن بالإمكان اضطهاده واعتقاله والافتئات على حقوقه".
وقال البستاني إن هناك تناقضا في الموقف الرسمي الذي يستنكر مشاريع الضم والإلحاق الإسرائيلية للضفة، ولكنه في الوقت نفسه يعتقل منتقدي التطبيع الإماراتي، ويستمر في إنفاذ صفقة الغاز التي تموّل نتنياهو وسياسته.
وفي 13 آب/أغسطس الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توصل الإمارات و"إسرائيل" إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، واصفا إياه بـ "التاريخي".
وقوبل الاتفاق بتنديد فلسطيني واسع، حيث اعتبرته الفصائل والقيادة الفلسطينية، "خيانة" من الإمارات وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.
ماذا يستفيد حفتر في ليبيا من تطبيع الإمارات مع الاحتلال؟
#خليجيون_ضد_التطبيع.. احتجاج لليوم الثالث على اتفاق "إبراهام"
"سلام دون حرب" آخر حلقات "الفشل العربي" أمام الاحتلال