رغم سخونة الحديث حول عدة قضايا، على رأسها التطبيع الإماراتي مع الاحتلال ورحيل الدكتور عصام العريان في سجون السيسي وعودة وباء كورونا للتفشي، وغيرها من الموضوعات المهمة، إلا أنني اخترت الانتصار لمعلمي الأردن الذين باتوا وحدهم في مواجهة غير متكافئة مع الأجهزة التي اعتقلتهم في الأردن ومع أذرع هذه الأجهزة
إعلاميا، في محاولة لتحطيمهم وتشويه صورتهم، والأهم من وجهة نظر بعض المسؤولين "حفظ هيبة الدولة"، ولا أدري كيف تبني دولة هيبتها على تحطيم هيبة مواطنيها وكسر شوكتهم!
أذكر كيف كانت لعبتنا المفضلة في سنوات المراهقة "المكاسرة بالأيدي"، وقد كان المنتصر يخرج منتشيا على أقرانه بما حققه في تلك الليلة، ولم أتخيل في يوم أن تصل أجواء هذه اللعبة المرهقة والمراهقة بنفس الوقت لتسيطر على قرار المسؤولين في بلد مثل الأردن؛ بمجابهتهم لنقابة مهنية منتخبة تمثل 120 ألف مواطن وتحتك بحياة ومسيرة كل بيت، ألا وهي نقابة
المعلمين!
تحاسب النقابة الآن بشراسة لأنها انتزعت من قبل وعبر الإضراب عن العمل حقوقا لمنسوبيها، وتشدد قيود السجن على أعضاء مجلسها لأنهم نادوا
بمقاطعة الانتخابات النيابية وقد رأوا رأي العين كيف نكثت الحكومة عهدها معهم والذي على إثره قاموا بإنهاء إضرابهم الأول.
لا أتحدث عن نكث العهد في موضوع العلاوات وزيادات الرواتب فحسب، فهذه لها نقاشها وملابساتها الخاصة - مع ظروف كورونا - ولكن أتحدث عن أموال صندوق ضمان التربية الذي ما زال تحت سيطرة الحكومة؛ رغم فشلها في إدارته ورغم الاتفاق المسبق على تسليم إدارته لمجلس النقابة، وما شابه ذلك من نقاط لا علاقة لها بمستجدات كورونا.
لقد فاجأ اعتقال جميع أعضاء مجلس نقابة المعلمين؛ الكثيرين، وشهد ولا زال استنكارا حقوقيا دوليا على درجة كبيرة وواسعة، والأخطر دخول المعلمين المعتقلين
إضرابا عن الطعام منذ أكثر من 26 يوما.
وقد غابت منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والنقابات المهنية المحلية عن هذا الأمر، على قاعدة "اعمل نفسك ميت"، فلا حضور ولا تفاعل مع رفاقهم في العمل النقابي ولا استنكار أو رفض لما يجري لهم.
تدهورت صحة نقيب المعلمين ناصر النواصرة وكذلك الناطق الإعلامي نور الدين نديم، ولا معلومات عن صحة باقي أعضاء المجلس ولا ظروف اعتقالهم.. تعامل فظ وقاس بلا مسوغ قانوني، وفيه تعسف لم يعهده الأردنيون من قبل.
أيام قليلة تفصل الأردنيين عن بداية عامهم الدراسي ولا يعرفون بعد ما استقر عليه قرار المسؤولين، ناهيك عن انتهاء المدة القانونية لاحتجاز أعضاء مجلس نقابة المعلمين على ذمة التحقيق، وعليه يتأمل
الإفراج عنهم والنزول عن الشجرة قليلا وترك التحقيقات القضائية تأخذ مجراها وهم في بيوتهم.
إذا حصل لا قدر الله أي أذى لاعضاء مجلس النقابة المعتقلين فستكون هذه مثلبة كبيرة كفيلة بصنع شرخ حقيقي بين المواطن والمسؤول، وعلى أقل تقدير بين أبناء وعشيرة هذا المعلم المعتقل ظلما؛ والسلطة.
وكلما تأخر وقت إنهاء هذه المعاناة فقدَ شكر من سيتدخل لأجل ذلك معناه أيضا وأصبح تحصيل حاصل، فالمسارعة المسارعة؛ لأن أرواح هؤلاء الناس أمانة في أعناقكم والتاريخ لا يرحم أحدا.