قال له: أين الأمر الخطي؟ فأجاب الضابط: أنا الأمر؟! - جاء ذلك أثناء اقتحام قوة أمنية لمقر نقابة المعلمين في الأردن -، "أنا الأمر" كلمة تختصر المشهد برمته حول العقلية الأمنية في تعاملها مع محاولات العمل في إطار القانون، تلك العقلية التي لا تحترم تشريعا ولا تعي معنى دولة مؤسسات، لسان حال ذلك الضابط: لا تقل لي تطبيق قانون ولا دستور ولا غيره أنا رجل الأمن والأمر و الأمر أنا.
تنمر وصلف لم يتوقف على ممارسات لعناصر من الأجهزة الأمنية فحسب بل شاركت بِه الحكومة ذاتها والتي يرأسها خريج هارفارد عمر الرزاز ومعه وزراؤه المتعلمون! الذين سمحوا لأنفسهم بمخالفة القرار القضائي بشأن منع النشر في حيثيات قضية مداهمة نقابة المعلمين وإغلاق مقراتها، ليخرج وزير التربية بتصريحات يهاجم بها مجلس نقابة المعلمين وقد غاص فيها بأوحال أخطائه النحوية زيادة على إساءته لمعلمي الأجيال.
ما حدث من مداهمة لنقابة المعلمين في الأردن واحتجاز لموظفيها وإغلاق لمقراتها واعتقال للعشرات من أعضائها لا يمت للقانون بصلة، وعليه وبعد هذه الفعلة الشنعاء بات المواطن الأردني يسأل: لماذا يغيب هذا الاستبسال عن الملثمين الذين تحدثوا عن استخدام السلاح دفاعا عن ابن عشيرتهم المتهم في قضية فساد؟ ولماذا غاب عن قضية الأردنيين الذين قتلهما بدم بارد حارس سفارة دولة الاحتلال في قلب العاصمة الأردنية عمان؟ ولماذا غاب أيضا عن ملاحقة قضية تهريب الملايين من مقدرات البلد – حسب تقارير غربية – لما يسمى ملاذات سرية آمنة خارج البلاد؟
هل المطالبة بتنفيذ اتفاقية موقعة مع الحكومة لتحقيق مطالب بسيطة تسهم برفع كرامة المعلم ماديا ومعنويا يعتبر استقواء على الدولة؟ وهل يليق اجتزاء تصريحات القائم بأعمال نقيب المعلمين الدكتور ناصر نواصرة! والذي قال حرفيا قبل الاجتزاء والقص المخل: "نحن القطاع العريض من الدولة، نحن الدولة، فلا نسمح لأنفسنا أو لغيرنا أن يتطاول على الدولة، أو الوطن، أو أن يكسر هيبته، أو يخرق قانونه، لا نسمح، كلنا فداء للوطن، نعتز أننا أردنيون، نعتز بالأردن وطنا وشعباً وقيادة، ونقف خلف جلالة الملك في موقفه من صفقة القرن وثوابت الأردن وفلسطين، لسنا فوق أحد، ولا نستقوي على أحد، نحن خدم لوطننا". ولكن انتهاج طريقة إعلام السيسي بقص كلامه جعله يظهر وهو يقول: نحن الدولة فقط مع التكرار.
أما من يناقش في هذا الظرف إنجازات نقابة المعلمين ويجادل فيها فأقل ما يقال له أنه "يصطاد بالماء العكر" ويفعل فعلا قبيحا ومعيبا؛ حيث ينتقد ويسلخ جلد من هُو غير قادر على الدفاع عن نفسه لوجوده في السجن ظلما وقهرا.
أعضاء أي نقابة محترمة في أي بلد يحكمه القانون تسقطهم الانتخابات القادمة أو تجدد الثقة بهم، وليس بلطجة الحكومات وسجون الظلم أو مقالات كتاب التدخل السريع من مرتزقة السلطة.
أعضاء مجلس نقابة المعلمين ما كان لهم أن يعيشوا هذا الشقاء ولا أن يدخلوا غياهب السجون والمعتقلات لولا خروجهم الشجاع للمطالبة بحقوق المعلمين التي تم الاتفاق عليها ومنها احتساب سنوات الخدمة للمعلمين المعارين والمجازين و زيادة العلاوة عند التعيين و تعريف مهنة التعليم كمهنة شاقة وغيرها من النقاط، ولكن النقطة الأكثر حساسية كانت حول إدارة النقابة لصندوق ضمان التربية حيث يدفع المعلم رغما عنه مبلغا يتراوح بين 35 و 65 دينارا شهريا يعني ما بين 50 و 90 دولارا لصالح صندوق لا يعرف كيف يدار؟ وهذاليس كل شيء بل يدفع أيضا اشتراكا شهريا لصالح المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهناك اتهامات صريحة بحدوث اختلاسات في هذا الصندوق وهو تحت إدارة وسيطرة وزارة التربية والتعليم! وممثلو المعلمين المنتخبون بشكل ديمقراطي اتفقوا مع الحكومة على إدارته من قبل النقابة ولكن الحكومة عادت ونكثت بعهدها في ذلك.
وينشر بالتزامن مع ذلك خطاب مفاده: وماذا استفدنا من النقابة؟ وهي فقط تأخذ منا اشتراكات؟ وهم ذاتهم الذين يروجون لتلك الانتقادات من وراء الكواليس يقيدون إنجازات النقابة ويعملون على تقليم أظافرها وتعطيل مسيرتها كلما سعت لتحقيق مصلحة ما لمنسوبيها، تماما كما نجحوا في تشويه صورة البرلمان وتيئيس الناس من الانتخابات التشريعية برمتها.
ومنعا للإطالة اختصر فأقول إن استمرار هذا النهج في تكميم الأصوات الحرة المعارضة وتفصيل القوانين لإقصائها وتهميشها لن يبقي البلد في مصاف الدول المتأخرة فحسب بل سيجعله منافسا للدول المتخلفة أيضا، ولا يمكن تحقيق مفهوم الدولة بحق دون وجود مؤسسات تشريعية وقضائية ونقابية مستقلة بصورة مطلقة، وقبل ذلك كله إعلام مستقل نزيه لا يشوه ولا يحترف تبديل الحقائق بتبديل توجهات حكومته ولاينتظر منحة مالية من الدولة لصحيفته حتى يحصل على راتبه نهاية الشهر.