قضايا وآراء

انتخابات سيرك برلمان الأسد

1300x600
على وقع دمار شامل أصاب معظم المدن السورية وأريافها، وخلّف نصف عدد سكان سوريا مهجرين ونازحين، ومليون قتيل ومئات آلاف المفقودين والمعتقلين، مع انهيارات اقتصادية واجتماعية، لجأ النظام السوري لتنظيم دورة جديدة من الانتخابات البرلمانية، لاختيار نوابه لمجلس "الشعب".

المرشحون عموماً يمثلون أجهزة النظام الأمنية والاقتصادية والإعلامية والحزبية، وبرامجهم الانتخابية المكتوبة والمقروءة معروف مكان صدورها وطباعتها في أجهزة الفروع الأمنية. فلا يوجد عاقل تنطلي عليه المسرحية الهزلية لاختيار "نواب الشعب" تحت نظام حكم قمعي قام بتجفيف الحياة السياسة والحزبية منذ أكثر من خمسة عقود، فكيف الحال مع سنوات طحن المجتمع السوري وتراكم الجرائم والمذابح المتهم بها نظام الأسد؟

مع تعطيل الحياة السياسية في سوريا، وتدمير العملية السياسية التي أقرت في جنيف تحت قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015، ومضي نظام الأسد وحلفائه في مسيرة القتل والتدمير المنظم للمجتمع السوري، بما يخالف مبادئ الشرعية الدولية والدستور السوري الذي نسفه الأسد الوريث بتعديل الخمس دقائق، والشهير بترفيع الأسد برتب ومراتب الجيش والبعث برفع الأيادي، اتضح منذ زمن بعيد للسوريين أي مجلس يعول عليه نظام الأسد وأي برلمانيين يتعكز عليهم نظام الاستبداد، والمسقوفين بشعار "قليل عليك حكم سوريا يا سيادة الرئيس، يجب أن تحكم العالم" وغيرها من عبارات الهرف والتطبيل التي يمارسها نواب الأسد في خيم ترشحهم للتقرب من السلطة وتنفيذ مآربها.

لم تكن الحياة البرلمانية في سوريا الأسد الأب والابن أكثر من ديكور ضروري وكمالي في نفس الوقت، ومن غرد خارج السيرك المصفق في البرلمان كان مصيره السجن بعد "ربيع دمشق" التي أشاع الوريث حينها انفتاحه على الرأي الآخر، فكان ظهور أسماء "نواب الشعب" على اليافطات الانتخابية بشعارات ملونة كل أربع سنوات.. مزيج من حفلة السيرك الراقص والدبكة حتى اندلاع الثورة، حين تخندق مجلس السيرك الأسدي في خندقه ضد الشعب، واشتق النواب مفردات من قاموس التطبيل تحت قبة "البرلمان"، بالدعوة لسحق وحرق بقية المجتمع السوري، ونعته بأوصاف حاقدة وعنصرية.

تنظيم الانتخابات البرلمانية في سوريا، لم يكن مرآة لبناء سياسي واجتماعي واقتصادي تضبط في مجملها نظام العلاقة بين الشعب ونوابه. ففي الوقت الذي رسم الأسد خريطة سوريا "الأنظف والأنحف" حسب شعارات نوابه في سيركه الانتخابي والخطابي المتكرر، بعض التخلص من ملايين الضحايا، يستثمر في وكلائه النواب رسم صورته وهويته في البرامج والأدوار التي يجب إكمالها على ركائز مخاتلة، مهمتها نشر الوعي الزائف بين السوريين، وإعادة تمتين التحالف الأمني الاقتصادي الاجتماعي، بينه وبين نوابه.

ثمة أهمية في فهم تنظيم الأسد لصفوف نوابه، خصوصاً بعد عملية الدمار الواسع التي ألحقها بالشعب السوري وبنيانه المختلف، ولتحقيق المتوخى منها لستر حقائق مفضوحة ومتعرية تماماً لا يصلح معها استئناف الظهور بمظهر إدارة عملية انتخابية من خلال سيرك تضليلي، مهمته ترسيخ الاستبداد لمواجهة طموحات الشعب السوري نحو الديمقراطية بعد سنوات من التضحيات الجسام، ولا يمكن أن يكون ثمنها أقل من تحول نوعي على مستويات إزاحة الطاغية ومحاكمته، للعيش بكرامة وحرية تقود لتنظيم الشعب انتخاباته، واختيار نوابه وأحزابه على أسس ديمقراطية مستقلة. أما التعاطي مع برلمان بأشكال مرتبطة بذاكرة السوريين من دم وآلام وحطام، وصبغها بمظاهر "انتخابية" تمثل غطاء لمفردات الوحشية التي ميّز الأسدان بهما المجتمع السوري. فهي بنهاية المطاف لإيصال نخبته المهرجة لمقعد التصفيق ورفع اليد، وتمجيد عصابات قتل السوريين والاحتفاء "بنصر الطاغية" على حطام المدن السورية.

أهم ما تحقق للسوريين في ثورتهم المغدورة، وفي ذروة الانقضاض والسيطرة عليها، أن سيرك الأسد التهريجي الذي يحاول تنظيمه في كل دورة من دورات البطش؛ لم يعد يحرك راقصا وطبالاً إلا في مجالس مرشحيه، والثورة في بدايتها ونهايتها على مسرح السيرك والتهريج الأسدي لن تخفي جرائم وتمحي تضحيات نادت منذ البدء بديمقراطية وحرية ومواطنة؛ تعيد بناء البيت وتخلع عن النواب أقنعتهم الأسدية وتعيد لهم شرف تمثيلهم.

twitter.com/nizar_sahli