أصبحت الخفافيش سيئة السمعة حديثا كخزانات للفيروسات القاتلة، فبالإضافة إلى أنها المضيف لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، التي تسببت بتفشي المرض بشكل متكرر بين البشر، فإن الخفافيش تؤوي عدة فيروسات أخرى من بينها فيروس كورونا الجديد، وفيروسات هندرا ونيبا وماربورغ، ويشتبه بأنها المضيف لفيروس إيبولا، وجميع هذه الفيروسات يمكن أن تكون مميتة للبشر.
وعلى الرغم من القائمة الطويلة للفيروسات التي
تستضيفها، لا تبدو الخفافيش أنها منزعجة من هؤلاء السكان غير المرئيين. مما جعل العلماء يريدون معرفة السبب.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير
ترجمته "عربي21": "اليوم يشك عدد متزايد من العلماء أن المفتاح
يكمن في السمات الخاصة بجهاز المناعة لدى الخفافيش، وعلى ما يبدو أنه يستجيب للغزو
الفيروسي بشكل مختلف تماما عما يحدث في البشر".
يقول أرينجاي بانيرجي، وهو عالم فيروسات؛ "إنه
أمر مثير للاهتمام للغاية، أستيقظ وأنا أفكر كل يوم، لماذا استجابة جهاز مناعة
الخفافيش يختلف كليا عن استجاباتنا وعن استجابة الثدييات الأخرى؟".
بالطبع هناك العديد من الفيروسات في الحياة
البرية، التي غالبا ما تسبب ضررا طفيفا لمضيفيها.
على سبيل المثال، يحمل البط والطيور المائية
سلالات لا تعد ولا تحصى من إنفلونزا (أ)، والخنازير تحتوي على فيروسات التهاب
الكبد (E)
ولكن يبدو أن الخفافيش مميزة، حيث إنها بشكل عام عندما تصاب بالفيروسات، لا يظهر
عليها المرض.
قبل فيروس كورونا، كان العلماء يحاولون جمع بعض
خصائص علاقة الخفافيش بالفيروسات، الحاجة إلى هذا البحث أصبحت ملحة. إذا فهمنا
بشكل أفضل كيف تتحمل الخفافيش زوارها الفيروسيين، فقد نتمكن من الوصول إلى
العلاجات التي يمكن أن تجعل العدوى البشرية أقل حدة.
تقول جوديث ماندل أخصائية المناعة الخلوية من
جامعة ماكغيل: "بدلا من محاولة إعادة اختراع العجلة، يمكننا أن نتعلم من
التطور الذي حدث في الخفافيش، إذا اكتشفنا ذلك، فربما يمكننا تطبيق المبادئ نفسها وتعديل الاستجابة المناعية لدى البشر".
وعندما يصاب المضيف، سواء كان إنسانا أو خفاشا،
بفيروس، فغالبا ما يوصف التفاعل بأنه معركة. ولكن هناك تقديرات متزايدة لأهمية
تحمل المرض واتباع نهج "الحفاظ على الهدوء مع الاستمرار" من قبل الجهاز
المناعي.
وعلى الرغم من أن العديد من التفاصيل مفقودة -حيث إن هناك حوالي 1300 نوع من الخفافيش، تركز الدراسات على أنواع معينة ومحدودة.
أشارت الدراسات الحديثة إلى أن نهج التسامح يجسد
كيفية تفاعل الخفافيش مع العديد من الفيروسات التي تحملها.
أولا؛ تشن الخفافيش هجوما سريعا، ولكن دقيقا على
الفيروسات لتمنعها من التكاثر. ثانيا؛ وهو الأهم، فهم يحدّون من نشاط الخلايا
المناعية التي قد تتسبب في رد فعل التهابي هائل، الذي من شأنه أن يلحق أضرارا أكثر
من الفيروس نفسه.
كما أن الخفافيش تقوم بخفض نشاط مجموعات البروتين
الكبيرة التي تسمى بالإنزيمات الملتهبة، والتي تنسق إطلاق جميع أنواع الجزيئات الي
تعزز الالتهاب.
وبينما يقوم الباحثون بتحليل كيفية تعايش الخفافيش
مع العديد من الفيروسات، فإنهم يتساءلون عن كيف لهذه الكائنات الطيران، قد يبدو
الجواب مدهشا: "حيث إننا يمكن ربط التسامح بحقيقة أن الخفافيش تطير".
الخفافيش هي الثدييات الوحيدة القادرة على الطيران
المستدام والقوي، وهو إنجاز يتطلب تغييرات في التمثيل الغذائي. تشير التقديرات إلى
أن معدل التمثيل الغذائي للخفاش يمكن أن يرتفع إلى ما يصل إلى 34 مرة عندما تطير.
هذا الارتفاع الأيضي في أثناء الطيران، يولد مواد كيميائية ضارة تسمى "مركبات
الأكسجين التفاعلية" التي تسبب الالتهابات، مما يساهم في جميع أنواع الأمراض
في الثدييات.
لذا يفترض العلماء من خلال التطور للقضاء على الالتهاب
المرتبط بالطيران، قد تتخطى الخفافيش أيضا الالتهاب الخطير الناجم عن الالتهابات
الفيروسية.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الظروف العصيبة مثل
نقص الطعام وفقدان البيئة، قد تكون من المؤشرات الرئيسية لتخلص الخفافيش من الكثير
من الفيروسات. إن زيادة الاتصال في حد ذاته أمر صعب، ويقول ديفيد هايمان من جامعة
ماسي في نيوزيلندا؛ "إن الحقيقة البسيطة المتمثلة في وجود المزيد من الناس،
وتدمير المزيد من البيئة، تعني المزيد من الاتصالات المحتملة، التي قد تزيد
ببساطة من فرص الإصابة بفيروسات مميتة".
يعلم العلماء أنهم
بدؤوا للتو في تحليل العلاقة بين الخفافيش والفيروسات التي تؤويها، أو لفهم عمليات
الانتقال الفيروسية الكارثية إلى جنسنا البشري. ومع استمرار تفشي
جائحة فيروس كورونا، أعربوا عن خوفهم واستغرابهم من إنهاء تمويل بعض أبحاث
الخفافيش والفيروسات التاجية من قبل المعاهد الوطنية للصحة. ومع ذلك فهم يمضون
قدما في عملهم.