يوم الثاني من الشهر الجاري، استيقظ سكان إيران على سماع نبأ وقوع حادثة في مفاعل "نطنز" النووي الاستراتيجي، الذي يحظى بأهمية قصوى، ويعتبر أهم وأكبر موقع لتخصيب اليورانيوم في البلاد، فسرعان ما استدعى كثيرون في أذهانهم حوادث أمنية مماثلة، مثل الانفجارات في منطقة "بارجين" العسكرية شرقي طهران، قبل هذا الحادث بأسبوع، عزتها وزارة الدفاع الإيرانية إلى انفجار خزان للغاز الصناعي، ليثير الحادث الجديد تساؤلات وشكوك عدة، عن أسبابه وإن كانت مرتبطة بالحوادث الأخرى أو لا، عززتها تقارير صحفية وتلميحات إسرائيلية بوقوف الكيان الإسرائيلي وراء حادثة "نطنز".
موقف إيراني غامض
وفي الجانب الإيراني، زاد الموقف من الغموض والإبهام، بعد إعلان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، التوصل إلى سبب وقوع الحادث من دون الكشف عنه، محليا عدم الإعلان عنه إلى "اعتبارات أمنية".
هذا الموقف بحد ذاته، يشي بأن الحادث ليس طبيعيا، وإن كان الأمر كذلك لكان الأحرى الكشف عن السبب دون تأخير، لكن تأجيل ذلك يعزز فرضية تدخل تخريبي أجنبي في ما حصل، بالتالي فإن التساؤل الملح اليوم هو عن أمرين، الأول أنه اذا كانت هذه الفرضية هي الصائبة، فكيف تمت "العملية التخريبة" وكيف كانت طبيعتها؟ والثاني أنه لماذا رفضت أو تريثت طهرن في الكشف عن ذلك؟
في الإجابة على السؤال الأول، طُرحت خلال الأسبوع فرضيات متعددة، تمحورت حول قصف إسرائيلي بطائرات F16 وزرع قنبلة في المكان وهجوم إلكتروني وفرضيات أخرى، إلا أن فرضية القصف بهذه الطائرات مستبعدة جدا، ويبدو أن الإعلام الإسرائيلي طرحها بغية تصوير صورة قوية عن الكيان، والقول إنه وصل إلى مرحلة متقدمة من الجرأة ليرسل طائراته المتقدمة إلى الأراضي الإيرانية لقصف منشآتها.
أما بالنسبة لفرضية زرع القنبلة، والتي تحدثت عنها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كمعلومة استخباراتية، فالتسليم بصحتها يطرح دور عميل أو عملاء في الحادث لزرع القنبلة أو أنها أرسلت إلى المكان بعد تعبئتها في المعدات أو الأجهزة المرسلة إلى المنشأة. الإجراءات الأمنية المشددة في المواقع النووية الإيرانية، تجعل من الصعب القبول بصحة هذه الفرضية أيضا، إلا أنه لا يمكن استبعادها كليا، فكم من أحداث أمنية وقعت نتيجة ثغرات أمنية في لحظة ما.
والفرضية الأخرى أن العملية التخريبة تكون قد تمت عبر طائرات مسيرة متقدمة جدا اختفت عن الرادار الإيراني، أو أن هجوما إلكترونيا تسبب بوقوع انفجار في صالة تجميع أجهزة الطرد المركزي المتطورة في "نطنز".
الاحتمال الإسرائيلي
لكن في الإجابة على التساؤل الآخر حول دافع أو دوافع إيران في عدم الكشف عن سبب وقوع ما حصل في "نطنز"، رغم تأكيدها التوصل إليه، فيمكن القول إن السلطات الإيرانية تجنبت الكشف عن ذلك، قبل مناقشة سبل الرد على "العملية التخريبة" وتحديد الجهات المتورطة فيها، وفي نهاية المطاف القيام برد عليها، يرتقي إلى مستوى الحادث، لأن الإعلان أن حادثة "نطنز" كانت نتيجة تورط أجنبي، بحد ذاته، يخلق انتظارات لدى الشارع وحلفاء إيران في الخارج بضرورة "رد سريع" دون تريث، بينما قد لا يكون ذلك متوفرا حالا، وأن الأمر يستغرق وقتا لتحديد الجهات المتورطة أولا، فضلا عن الكيان الإسرائيلي، وطبيعة الرد على ما حصل، لأنه في حال ثبوت تورط أجنبي فيه، يظهر انتقال المواجهة مع إيران إلى مرحلة جديدة تكسر المزيد من قواعد اللعبة، وهي مرحلة خطيرة للغاية.
وأخيرا، لنكن منطقيين في تناول الموضوع، فرغم خطورة ما حدث، ونؤكد هنا أنه إذا كان نتيجة عملية تخريبة، فلا غرابة فيها لكونها تأتي استمرارا لمواجهة مستمرة بين طهران وأعدائها، تتخذ أشكالا وأبعادا متعددة، منها حرب أمنية وإلكترونية وعسكرية واقتصادية وما شابه ذلك. كما لا يخفى أن الأشهر الأخيرة شهدت حربا إلكترونية وطيدة بين إيران والكيان الإسرائيلي، بالتالي فإن هذه "العملية التخريبية" المحتملة رغم أنها تؤكد انتقال المواجهة إلى مرحلة متقدمة، لكنها تبقى أمرا في سياق تلك المواجهة، وأنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث سبق أن تعرضت منشأة "نطنز" إلى هجوم إلكتروني عام 2010 عبر نقل فيروس "ستارسكت" إلى أجهزتها، تورطت فيها جهات غربية عدة. لكن من الصعب التصور بأن مثل هذه العمليات التخريبية ستتوقف ما لم تكن هناك ردود فعل رداعة.
فوضى السلاح في العراق.. الكاظمي وخيار المواجهة المبكر!