نشرت مجلة "فورين بوليسي"
مقالا لنائبة رئيس معهد كوينسي للإدارة المسؤولة للدولة، تريتا بارسي، قالت فيه إن
كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون الانتقامي لم يكشف كثيرا من الأمور
الجديدة. وهو بشكل كبير يضيف التفاصيل إلى أمثلة من سوء إدارة الرئيس ترامب للشؤون
الدولية.
ولكن هناك استثناء واحد: قصة جهود
بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتخريب
فرص الدبلوماسية مع طهران. هذه الحادثة تكشف أمرا مهما وحتى الآن غير مدرك بشكل
تام؛ وهو أن معارضة نتنياهو الشديدة للاتفاقية النووية مع إيران لا علاقة لها
بالاتفاقية نفسها ولكن لفكرة أن تصل أمريكا إلى أي اتفاق مع إيران. وهذا الأمر
صحيح بالنسبة للسعودية. وعلى أي شخص سيشغل البيت الأبيض العام القادم أن يتعامل
مباشرة مع إصرار نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إبقاء أمريكا في حالة
صراع مع إيران.
وبحسب ما ترجمته "عربي21"، فإن بولتون يتفاخر بشأن تنسيقه الكبير مع بومبيو ونتنياهو لتعطيل جهود الوساطة التي قام بها
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمنع لقاء بين ترامب ووزير الخارجية الإيراني
محمد جواد ظريف، بأي ثمن خلال قمة السبع في بياريتز في فرنسا 2019.
وكان بولتون حريصا على منع انفراج بين
أمريكا وإيران، فطلب من العاملين معه تجهيز رحلة له للعودة إلى واشنطن احتجاجا،
ففكرة الحديث بين الإيرانيين والأمريكيين أمر يسوء بولتون الذي أعد رسالة استقالة
مؤلفة من جملتين لو حصل الاجتماع. ولم يكن قد أعد رسالة شبيهة خلال اجتماع ترامب
بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
وكان قد نجح في تعطيل جهود السيناتور
الجمهوري راند بولز لترتيب زيارة لظريف للبيت الأبيض، وطمأن بومبيو بولتون بأنه
سيقدم استقالته أيضا إن قابل ترامب ظريف، مع أنه علنيا يصر على أن هدفه هو جعل
الإيرانيين "يحضرون إلى الطاولة".
ويبدو أنه لم يكن لدى بولتون مشكلة في
أن يعمل مع زعيم أجنبي لتقويض الرغبة التي أعرب عنها ترامب والذي من المفترض أنه
في خدمته. وعندما حاول نتنياهو أن يقنع ترامب بعدم اللقاء بظريف، قام زوج ابنته
جاريد كوشنر بمنع محاولات نتنياهو للوصول إلى ترامب، لأنه يعتقد أنه من غير
المناسب لزعيم أجنبي أن يملي على الرئيس الأمريكي مع من يجب أو لا يجب أن يتحدث.
أما بولتون فلم يكن لديه هذا الحس بل إنه بدلا من ذلك اتهم كوشنر بأنه
"ديمقراطي".
ولكن خلف دسيسة القصر التافهة التي
يفصلها بولتون تكمن حقيقة يجب على أمريكا أن تستوعبها، وهي أن إسرائيل لا تعارض
الاتفاق بسبب عيوبه، بل بسبب التداعيات الجيوسياسية له.
ووجد نتنياهو في ترامب رئيسا أمريكيا
مختلفا تماما، مستعدا لمخالفة كل أسلافه في الرضوخ لكل مطلب أساسي من المطالب
الإسرائيلية: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان، وقبول ضم إسرائيل
للأراضي الفلسطينية، ووعد نتنياهو حتى بدعم أمريكا لإسرائيل إن هي قررت بدء حرب مع
إيران.
اقرأ أيضا: WP: هكذا تناول كتاب بولتون الشأن السوري والإيراني
وحسابات نتنياهو ليست صعبة الفهم. فقد
خشي رئيس وزراء إسرائيل، الذي بقي في منصبه للفترة الأطول، والعديد داخل المؤسسة
الأمنية الإسرائيلية أن الدبلوماسية الأمريكية-الإيرانية ستتوصل في المحصلة إلى
اتفاق يقلل من التوتر بين أمريكا وإيران دون أن يقلل العدوانية بين إيران وإسرائيل
بنفس المقدار.
وبخروج إيران عن شاشة الرادار الأمريكي
ستنقل الحكومة الأمريكية تركيزها وإمكانياتها بعيدا عن الشرق الأوسط تاركة إسرائيل
"مهجورة" لتتعامل مع إيران دون دعم تلقائي من أمريكا. وهذا سيقلل
إمكانية تحرك إسرائيل في الشرق الأوسط ويؤثر على توازن القوى الإقليمي بشكل يؤثر
سلبا على المصالح الإسرائيلية.
ولثقته التامة بأن بإمكانه إخضاع
الإرادة في واشنطن لإرادته، فقد سعى نتنياهو لمنع الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية
وتعطيل أي مفاوضات محتملة – حتى على حساب تخريب علاقته بأوباما أو علاقات إسرائيل
بالحزب الديمقراطي.
وحسابات آل سعود شبيهة جدا. فالشراكة
السعودية مع أمريكا سمحت لها أن تستمتع بموقع في المنطقة لا يمكن أن تبرره قوتها.
ولكن لاستمرار تلك المنفعة فإنه يجب على أمريكا أن تبقى ملتزمة بالمحافظة على وجود
عسكري كبير في المنطقة لوقف خصوم الرياض. وتفاهم أمريكي إيراني لن يعرض للخطر فقط
موقع السعودية المستفيدة ولكن سيضطر الرياض إلى مواجهة طهران وحدها – وهو شيء
تفتقر إلى الكفاءة العسكرية أو السياسية لفعله، على عكس إسرائيل.
ومن هذه الناحية فإن مخاوف السعودية
حول خسارة الدعم الأمريكي يمكن فهمه بشكل أكبر. ولكن إسرائيل دولة نووية قوية
ولديها جيش من أكثر الجيوش تطورا في العالم. وقامت بدفع وردع الوجود الإيراني في
سوريا وحدها وبدون مساعدة من أمريكا. ولا يمكن للسعودية أن تشير إلى إنجاز كهذا.
وبالنسبة لأمريكا – سواء بقيادة ترامب
أو منافسه جو بايدين – فإن هذا يعني أن أي جهد لحل الإشكال دبلوماسيا مع إيران مع إشباع
رغبات السعودية وإسرائيل الجيوسياسية أمر مستحيل.
وكشفت رواية بولتون من الداخل بدون قصد
أن على واشنطن أن تختار بين تحقيق مصالحها وإعادة جنودها إلى الوطن من الشرق
الأوسط وتجنب حرب لا حاجة لها مع إيران أو تحقيق مصالح نتنياهو والعائلة المالكة
السعودية في إبقاء أمريكا سجينة دائرة عداوة مع إيران كي يبقى توازن القوى
الإقليمي لصالحهما.
والحقيقة هي أنه ليس هناك أي مصلحة
أمريكية أساسية تبرر وجودا عسكريا أمريكيا في الشرق الأوسط، ناهيك عن هيمنة عسكرية
في المنطقة. وإبقاء مثل هذه الهياكل للإبقاء على الشراكة مع إسرائيل والسعودية
يحقق الهدف من التحالفات ولكن بشكل عكسي.
ومهما كانت مقاربتهما خاطئة، فإن
السعودية وإسرائيل حددتا مصالحهما من ناحية أمريكا وسعتا خلف تلك المصالح دون خجل،
وعلى الحكومة الأمريكية أن تفعل الشيء نفسه.
WP: هكذا تناول كتاب بولتون الشأن السوري والإيراني
CNN تكشف خبايا عن ترامب جاءت في كتاب بولتون
موقع روسي: محاولة موسكو لتقليص نفوذ إيران تلقى مقاومة