قضايا وآراء

المعارضون العراقيّون ومحاكم الكنغر!

1300x600
محكمة الكنغر (Kangaroo court) هي المحاكمات الصوريّة التي تقام لغرض الإدانة فقط، وتكون أحكامها معدّة سلفا ولا تراعى فيها القوانين!

ويُعتقد، كما جاء في بعض الموسوعات والمصادر، أنّ مصطلح "محكمة الكنغر" ظهر بداية في الولايات المتّحدة، وأدخل إلى اللغة الإنجليزيّة- الأمريكيّة في العام 1849م، حيث كان القضاة ينتقلون من مكان إلى آخر ويصدرون أحكامهم السريعة، ويدفع لهم السجناء الغرامات الفوريّة، وهذا التنقّل المشابه لحركة الكنغر، قاد لنشوء مصطلح "المحكمة الكنغريّة".

ومن يومها صار المصطلح يستخدم للتعبير عن السخط على نوع المحاكمات هذه، غير العادلة في عموم المعمورة!

وفي العراق، وبالذات منذ نهاية العام 2005 وحتّى نهاية العام 2017، يمكن القول إنّ غالبيّة الأحكام القضائيّة كانت غير دقيقة، أو ممزوجة بالطائفيّة السياسيّة، والكراهية والانتقام، وربّما حتّى ممزوجة بسموم مخطّطات استراتيجيّة بعيدة المدى!

وخلال تلك السنوات المظلمة لاحظنا أنّه حتّى "المحاكم الكنغريّة" كانت مختلفة، فهي ليست مجرد محاكم لدفع الغرامات ولأحكام بسيطة وتنتهي القضيّة، بل هي محاكمات صوريّة، أو كنغريّة، ومع ذلك تصل غالبيّة أحكامها إلى الإعدام والمؤبّد والملاحقة عبر الشرطة الدوليّة (الإنتربول)!

وهذه الأيّام يبدو أنّ هنالك صفقات سياسيّة تتمّ في الغرف الأجنبيّة وغير المظلمة لعودة بعض كبار السياسيّين "السنّة المطلوبين" للمشهد السياسيّ!

ويوم الثلاثاء الماضي أعلن مجلس القضاء العراقيّ الأعلى "توقيف وزير الماليّة الأسبق رافع العيساوي، وفقا لأحكام قانون مكافحة الإرهاب لإجراء التحقيق معه عن الجرائم المتّهم بها"، وأنّ العيساوي "قام بتسليم نفسه إلى جهات التحقيق المختصّة. وسبق للمتّهم المذكور أن صدرت بحقّه أحكام غيابيّة بالسجن عن جرائم فساد إداري عندما كان يشغل منصب وزير الماليّة"، وأنّ "هذه الأحكام في حال الاعتراض عليها سوف تعاد محاكمته عنها، حسب أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائيّة".

وفي كانون الأوّل/ ديسمبر 2018، أصدرت وزارة الماليّة أمرا وزاريّا، قرّرت بموجبه تبرئة العيساوي وستّة أشخاص آخرين لعدم وجود "أدلة كافية" ضدّهم!

والحقيقة أنّ المناكفات السياسيّة دفعت غرماء العيساوي لملاحقته القانونيّة، وليس قضيّة الفساد الماليّ، ولا حتّى الإرهاب!

ولتأكيد أنّ تلك الأحكام باطلة، ننقل تغريدة للنائب فائق الشيخ علي، الذي كتب ليلة الأربعاء الماضي على "تويتر": "سأقول كلاما أنا مسؤول عنه أمام الله والتاريخ:

بحكم مسؤوليتي النيابيّة، عضوا في لجنة قانونيّة، ورئيسا لها لاحقا، وعضوا أيضاً حاليّا، اطّلعت على ملفّات قضايّا السياسيّين السنّة العراقيّين، فوجدت معظمها كيديّة وملفّقة وكاذبة، افتعلها ضابط بالسلطة تزلّفا وتقرّبا إلى رئيس الوزراء نوري المالكي"!

والغريب أنّ المالكي المتّهم صراحة بتلفيق الكثير من الملفّات ضدّ خصومه السنّة وغيرهم، قال في تغريدة له معلقا على قضية العيساوي؛ إنّه "يجب أن يلتزم القضاء العراقيّ بمهنيّته المعهودة والتزامه البعيد عن التسييس، وألا يخضع لأيّ ضغوط سياسيّة، بالنسبة إلى قضيّة رافع العيساوي، فما يقرّره القضاء المهنيّ الملتزم النزيه سنحترمه"!

وفي صباح أمس الخميس، كتب الشيخ علي تغريدة أخرى قال فيها: "في عام 2009م زرتُ رئيس مجلس النوّاب العراقيّ إياد السامرائي، وقلتُ له: (انتبه، لا تكن طائفيا في تصريحاتك مثل طارق الهاشمي). هذا هو رأيي بالهاشمي، ولكنّي أقولها علنا وبجرأة بأنّه بريء من كلّ التهم الكيديّة والملفّقة التي وجّهت إليه"!

وكلامي هنا ليس دفاعا عن أيّ شخصيّة سنّيّة متّهمة؛ لأنّني على يقين أنّ مرحلة انتهاء ملفّات اتّهامهم قد بدأت وبقرار خارجيّ، وليس بقرار عراقيّ خالص، وأنا مؤمن بأنّهم أبرياء من تُهَم الإرهاب الملفّقة ضدّهم، سواء أكانوا مشاركين أم غير مشاركين في العمليّة السياسيّة!

مأساة العراق الحقيقة تتمثل في ضرورة الوقوف على أعداد الأبرياء من أبناء المدن السُنّيّة الذين اعتقلوا في زمن حكومة المالكي وغيره، وصدرت بحقّهم أحكام قاسية، ومنهم من أُعدم، ومنهم من ينتظر الإعدام، ومنهم من حُكِمَ عليه بالمؤبّد وغيرها من الأحكام الساحقة التي ضيّعتهم، ودمّرت عوائلهم، وربّما حتّى عشائرهم، ومن ثم يجب العمل على إنصافهم!

فمنْ سينصّف هؤلاء، وهم من عموم الناس، ولا يمكن تصوّر عقد صفقات سياسيّة معهم؟

على العقلاء في العراق أن يعقدوا صفّقات شعبيّة مع عموم المواطنين قائمة على العدل والإنصاف، بعيدا عن "محاكم الكنغر" الباطلة، وتطبيق "قانون العدالة الانتقالية"، وحينها سيكون العراق واحة آمنة خالية من القتلة والمجرمين!


twitter.com/dr_jasemj67