نشر موقع "ميدل إيست آي"
البريطاني مقالا للكاتب ديفيد هيرست، عن الطريقة التي تم فيها تهميش الولايات
المتحدة في العراق.
وأشار فيه إلى الدور الذي لعبه رجل الأعمال
والسياسي خميس الخنجر الذي تحول من محاور للأمريكيين إلى شخص غير مرغوب فيه ووضع
على قائمة العقوبات. مع أنه كان الوسيط في كل شيء يتعلق بالقبائل العربية السنية،
فعندما كانت تريد الولايات المتحدة تعرف ما تفكر به هذه القبائل كانت تسأل الخنجر.
ويقول الخنجر في تعليق على قرار
الخزانة الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر 2019 وضعه على قائمة العقوبات إن القرار
جاء بضغط من السعودية: "هذا قرار سياسي 100% وفي الحقيقة كان السعوديون
يهددوني مباشرة ولكن السعوديين لا يفهمون، فكل شيء بالنسبة لهم هو عن المال، فعندما
فشل المرشحون الذين اشتروهم بالفوز بمقاعد في البرلمان ظنوا أنني دفعت أكثر مما
دفعوا".
وكان يشير إلى انتخابات عام 2018 التي
حاول فيها بناء كتلة سياسية تمثل مصالح سنة العراق. وبحسب ما يقول عمل السعوديون
على دعم حيدر العبادي، مرشح الولايات المتحدة المفضل، وعندما فشلت خطتهم انتقموا.
وبحسب القرار الأمريكي فقد اتهم الخنجر بالرشوة والفساد من بين جرائم عدة و
"خطط لإنفاق ملايين الدولارات لشراء الرموز السياسية العراقية والحصول على
دعمهم" ونسب القرار الاتهامات إلى "مسؤول عراقي بارز سابق".
ووصف القرار الخنجر بـ "رجل
الأعمال والمليونير الذي يتمتع بتأثير إقليمي ودولي". وهذا صحيح فلم يكن
الخنجر غريبا على السفارة الأمريكية ببغداد، فالصور المخزنة على هاتفه النقال هي
تاريخ دبلوماسي منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل 17 عاما.
وكان خلالها شاهدا ومشاركا في كل نقاش جرى خلف
الأضواء عن العراق. وعرف وكان يعرف الرموز الإقليمية الرئيسية وقابلهم من محمد بن
سلمان ولي عهد السعودية ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي اغتيل
بداية هذا العام والدبلوماسيين الغربيين بمن فيهم مبعوث التحالف الدولي ضد تنظيم
الدولة السابق، بريت ماكغيرك. وجون جينكنز، السفير البريطاني السابق في بغداد.
اقرأ أيضا: العراق.. صراع سُنّي على استحقاقات المكون بحكومة الكاظمي
وكان سبب اتصالهم به متعلق بعلاقته مع شيوخ
القبائل السنة. والخنجر وغيره من قادة السنة هم من تحدث معهم الأمريكيين عندما
أرادوا تجنيد القبائل السنية في الصحوات ضد القاعدة عام 2006. وكان له دور في تشكيل قائمة العراقية، أول
قائمة برلمانية غير طائفية والتي حرمت من تشكيل الحكومة عام 2010 رغم فوزها
بغالبية المقاعد. وهو نفسه الذي تحدثت إليه المخابرات الأمريكية لمعرفة سبب تحول
القادة السنة إلى إيران بعيدا عن واشنطن والسعودية.
ويقدم هيرست قصة الخنجر الذي تحول من
محاور عراقي قديم إلى هدف للعقوبات الأمريكية والتي تستهدف فيها أشخاص متهمون
بالإرهاب. ويقول الكاتب إن قصته ليس محايدة وهناك من يخالفها ولكنها تظل قصة غير
شخصية لأنها عن الطريقة التي خسر فيها الأمريكيون العراق.
ولا يخفي الخنجر مواقفه من أنه رحب بالغزو
الأمريكي الذي أطاح بالرئيس صدام حسين والذي فر منه عام 1997 و "لو رجعت لكان
مصيري الإعدام، وما ينساه الناس هو أنهم كانوا سواسية في ظل صدام، فلو كنت معارضا
فستظل معارضا للأبد، وكان الناس يقتلون لأي سبب".
ولكنه يقول إن الكثير من العراقيين لم يعرفوا
إلا بشكل متأخر مخاطر الاحتلال الأمريكي. فقد ظنوا أنهم جاءوا لتطوير البلاد
والرحيل. ولم تكن هناك مقاومة لهم إلا في حالات قليلة. لكن شهر العسل لم يستمر
طويلا. ففي أيار/مايو مرر مجلس الأمن قرار 1483 منح فيه الولايات وضعية المحتل
وبمسؤوليات إدارية ومن بعده جاء قرار الحاكم الأمريكي بول بريمر الكارثي بحل الجيش
العراقي.
وقام بريمر بتشكيل مجلس حكم طائفي
النزعة قال إنه صحح أخطاء عام 1921 بعد انهيار الدولة العثمانية. وكان سلطة الائتلاف
أول هيئة تقام على أساس طائفي، مما بذر بذور الحرب الأهلية التي تبعت هذا.
وقال الخنجر إن هذه الأخطاء تفاقمت من خلال
تصرفات المتعهدين الأمنيين وتفتيشهم البيوت وتحرشهم بالنساء واستخدام القوات الأمريكية
للفسفور الأبيض في الفلوجة التي أصبحت معقل القاعدة. وأشار للاتصالات بين
الأمريكيين وإيران حول طريقة إدارة العراق الجديد. وأضاف أن نصف بغداد كانت تحت
سيطرة المقاومة بدون أن يكون للقاعدة دور، وكذا غالبية المناطق السنية.
ويقول: "بدأ الأمريكيون بمهاجمة المنطقة
بعد الأخرى وتسليمها للقوات الأمنية التي تتسيدها الميليشيات الشيعية، وتصرفت
بطريقة طائفية" و "كان من الواضح أن الأمريكيين كانوا يدمرون المجتمعات
السنية واستخدموا في الفلوجة أسلحة غير ممنوعة ثم جاءت القاعدة". وفي عام
2007 كان الخنجر ضمن لقاء رتب في عمان مع قاعدة شيعة "وعندما سألونا ماذا
نريد لتهدئة الوضع، قلنا لهم: نريد دولة يتساوى في كل العراقيين أمام
القانون" وشرحوا كيف تم استبعاد السنة من القوى الأمنية ووزارة النفط والدفاع.
ولكن الجانب الشيعي قال إنهم يخشون
بقايا نظام صدام والقاعدة والحقوق مرتبطة بالتخلص من هذه العناصر. ودعم الخنجر
الصحوات لأن القاعدة كانت تستهدف السنة والشيعة و "سياسة القاعدة كانت تقوم
على مهاجمة كامل المجتمعات الشيعية. وكانت مشكلتنا مع السياسيين الشيعة لا
المواطنين العاديين".
ووافق الأمريكيون على تمويل وتجنيد
70.000 منهم، وتجنيدهم في الجيش حال هزيمة القاعدة. و "ما حدث هو أن الجيش
العراقي الجديد نظمه بريمر بدأ بالتصرف بطريقة سيئة في المناطق ذات الغالبية
السنية وهاجموا النساء ومنعوا الناس من الذهاب إلى المساجد وأهانوهم على الحواجز
وقتلوا بعضهم بسبب أسمائهم السنية".
و"بدأ الناس بالحديث معنا وقالوا
لقد تخلصنا من شر لنجلب شرا أكبر". وتخلى الأمريكيون عن وعدهم بدمج قوات
الصحوة وقالوا إن القرار بيد حكومة العراق التي كان يترأسها نوري المالكي و
"من وجهة نظر السنة فقد كان هذا خيانة أمريكية" وتوقف الأمريكيين
بالحديث مع السنة وسلموا الملف للحكومة التي بدأت تظهر أسوأ مشاعرها الطائفية.
و"توقف المالكي عن دفع رواتب المقاتلين
وقتل عددا من قادتهم واعتقل البعض فيما هرب آخرون من العراق". وفي عام 2008
وبعد عامين من تولي المالكي الحكم التقت مجموعة من قادة الصحوة مع السفير الأمريكي
في الأردن وأخبروه صراحة "لقد تخليتم عنا". وبعد مشاورة مع وزارة
الخارجية جاء السفير بحل وهو منح اللجوء لخمسة منهم في ولاية نيفادا.
و"الواضح أن الأمريكيين تخلوا عنهم وكان المالكي يلاحقهم فذهبوا للجانب
الإيراني".
ورغم انقطاع الحديث مع الأمريكيين
استمر السنة والخنجر منهم بالحديث مع الساسة الشيعة وتطورت فكرة تشكيل قائمة
انتخابية للمشاركة بالانتخابات على قاعدة غير طائفية. وأشار إلى اجتماع عقد في
بيته بعمان بحضور سياسيين شيعة وسنة. وفازت العراقية بقيادة أياد علاوي بـ 90
مقعدا. ولم يكن المالكي رجل طهران بل ورجل أمريكا وكان الأمريكيون يريدون فوزه بأي
ثمن كما يقول خنجر. وبعد ثمانية أشهر من المفاوضات توسطت فيها تركيا وقطر وسوريا
تفوق التفاهم الأمريكي- الإيراني للحفاظ على المالكي في السلطة. مع أنه لم يكن الرجل
المفضل لدى باراك أوباما، ومن هنا تم استدعاء بريت ماكغيرك الذي يعتبر من رجال
إدارة جورج دبليو بوش. وقام بإقناع أوباما بأن هناك حاجة لاتفاق جديد مع إيران
وهذا يعني منح المالكي فرصة ثانية. ومن هنا بدأ الأمريكيون بممارسة الضغوط على
السنة لدعمه.
وكما يقول الخنجر: "عاد المالكي إلى السلطة
بحس المنتقم" و "كان يريد تدمير القادة السنة والمناطق السنية التي صوتت
ضده"، ومن هنا استهدف نائب الرئيس طارق الهاشمي ورافع العيساوي، وزير المالية
ونائب رئيس الوزراء وأجبرهما على مغادرة البلاد. ثم امتلأت السجون بشباب السنة
ونسائها الذين اعتقلوا بدون توجيه اتهامات وتم اغتصاب البعض كما يقول الخنجر.
ومع تراجع الوضع الأمني بدأت التظاهرات في مناطق
السنة من الرمادي والحويجة وحتى كركوك. وناشد أعضاء العراقية الأمريكيين
والدبلوماسيين الغربيين بالتدخل. وجاء السفير البريطاني جينكنز إلى عمان لمقابلة
الخنجر. وعندما سأله السنة عما يجب عمله بعد فوزهم الانتخابات أجاب بصراحة "اذهبوا
إلى طهران فلا خيار أمامكم".
وعلق جينكنز أنه يتذكر اللقاء ولكنه
ينفي دعوته للسنة التوجه إلى طهران "أنا متأكد أنني لم أقل شيئا من هذا،
والسياق الذي تصفه صحيح، ورأيي في ذلك الوقت، ولم يتغير هو أن انتخابات آذار/مارس والاستطلاعات
اللاحقة أشارت إلى موافقة العراقيين على حكومة غير طائفية بقيادة أياد
علاوي". وقال جينكنز إن المالكي كان يريد مساعدة من إيران ورئيس القضاء مدحت
محمد وموافقة أمريكا لنقض نتائج الانتخابات والبقاء في السلطة. وهذا يصف بصالح
إيران والمالكي ومع ذلك لم تفعل الحكومات الغربية شيئا.
ونفى جينكنز اتهام "معاداته
للشيعة، ولكنه كان معاد للمالكي وإيران، وليس بدواع شخصية بل لأن المالكي
"معاد لنا وسيطرة إيران على العراق تهديد للمصالح البريطانية والغربية
والمنطقة وسيزعزع استقرار دول الجوار".
إلا أن الخنجر قال إن إدارة أوباما
غسلت يدها من عمليات التطهير التي قام بها المالكي ثم قام الخنجر بمناشدة قادة
شيعة التقاهم في بروكسل و "قلنا لهم إنكم تدفعون أبناءنا نحو الإرهاب. وعندما
قاوم السنة الاحتلال قلتم إنهم إرهابيون، وعندما قاومت الصحوات القاعدة وصموا بالإرهاب وعندما فاز الساسة
السنة بالانتخابات قلتم إنهم إرهابيون، فكيف سنتواصل؟".
ويشير الخنجر إلى تطور الوضع إلى حالة
المواجهة عندما هاجم المالكي قادة سنة في الأنبار ودافعوا عن أنفسهم. ويؤكد أن
عناصر تنظيم الدولة لم تكن موجودة في حينه بل كانت تقوم بتجميع نفسها من بقايا
القاعدة في العراق وسوريا. وظهرت بعد الفراغ الذي تركه هروب قوات الأمن. وقال إن
تنظيم الدولة كان حفنة من المجرمين تعاملوا مع السنة ككفار وكذا الشيعة والإخوان
المسلمين وغيرهم واضطروا عددا كبيرا من السنة الهرب إلى الأردن وتركيا.
وفي الوقت الذي يثني فيه على حيدر العبادي الذي
حل محل المالكي إلا أن الحرب الشاملة ضد تنظيم الدولة بدأت وهي حرب لم تفرق بين
داعش والناس العاديين. وأظهر الأمريكيون مرة أخرى اهتماما بالسنة حيث قابل الخنجر
وعدد من السنة ماكغيرك وممثل عن الحكومة العراقية في دبي وكان موضوع الحشد الشعبي
الأهم.
وقال ماكغيرك "نريد منكم المشاركة
في مواجهة داعش وسنزودكم بالمال" وذكروه بما حدث للصحوات. و"قلنا نحن
مستعدون للمشاركة بشرط واحد، فالبيشمركة تعمل في مناطق الأكراد والحشد الشعبي في
مناطق الشيعة ونريد الحرس الوطني المكون من المقاتلين السنة المرتبط بمكتب رئيس
الوزراء".
وبحسب الخنجر فقد وعد ماكغيرك بلقاء في بغداد
بعدم دخول الحشد الشعبي مناطق السنة. وقال الخنجر إنهم اقترحوا مدخلا من وجهين
للتعامل مع داعش عسكريا وآخر سياسي لحل جذور الأزمة التي جلبت داعش لكن ماكغيرك لم
يكن مهتما إلا بهزيمة تنظيم الدولة. وقال إن الحشد الشعبي لم يكن ليتقدم عشرة
أمتار خارج بغداد بدون الغطاء الأمريكي. وحنث الأمريكيون بوعدهم وسمحوا للحشد
بدخول غرب وشمال العراق.
ونفى مسؤول أمريكي سابق رواية الخنجر
وقال إن أمريكا لم تعط وعودا، وأضاف أن الخنجر لم يقدم أحدا للتدريب رغم وعوده.
وقال المسؤول الأمريكي السابق إن الخنجر تعامل مع الأحزاب العراقية الموالية
لإيران ورشى الساسة العراقيين.
وعلق الخنجر على ما قاله المسؤول السابق بأنه
كذب وتلفيق. وقال إن الميليشيات الشيعية تصرفت بطريقة سيئة في المناطق التي خرج
منها تنظيم الدولة وأهانت السنة وتركت مجتمعاتهم مفككة. وكانت تجربة الحشد دافعا
للسنة الدخول مرة أخرى إلى المعترك السياسي عام 2017 وعاد الخنجر إلى العراق مرة
أخرى منذ 20 عاما.
وعند هذه النقطة دخل السعوديون الذين
تعاملوا مع العراق ضمن منافستهم مع قطر وتركيا. وأرسل محمد بن سلمان ثامر السبهان
للقاء الخنجر ببيته في عمان. وأخبره بهدوء بعدم المشاركة في الانتخابات وأن
"عدد من السنة يجب ألا يشاركوا في الانتخابات". و "قلت له إننا لا
نطلب إذنا من أحد وأنكم لم تدعموا العراق. وتركتنا السعودية نذبح لمدة ثلاثة
أعوام".
وقال الخنجر "شعرت أنه غير مهتم
وكل ما كان يريده موقف ضد الإخوان المسلمين وقطر وتركيا. وعندما فقدوا الأمل
بالولايات المتحدة بدأوا بتجنيد شخصيات سنية هامشية، أشخاص بدون سلطة يدفعون لهم
ويستمعون لما يقولون".
وكان الهدف السعودي يتقاطع مع الأمريكي
وهو الحفاظ على العبادي في السلطة. وحاول ماكغيرك الضغط على كتلة الخنجر دعم
العبادي. ولكنه اشترط الإفراج عن السجناء
والتحقيق في المفقودين وانسحاب الحشد الشعبي من مناطق السنة والمشاركة السنية في
أجهزة الأمن و"سندعم من يوافق على هذه الشروط، مشكلتي ليست مع السعوديين، ولو
استمعت لهم فسيفشل كل شيء".
ووعد بمفاوضات مع العبادي ولكنه لم يكن متفائلا
خاصة أن العبادي وعد الكثير ولم ينفذ بل وشرعن الحشد الشعبي. وبعد لقاءات قال
"كان الرجل غير مفيد ولم يلتزم بأي شيء". ويعتقد الخنجر أن الأمريكيين
تخلوا عن سنة العراق، في وقت زاد فيه السعوديون من الضغط عليه. وقال إن السبهان
بدأ بإصدار التهديدات المباشرة "فلو لم يعد العبادي فلن ندعمكم ولن تحصلوا
على شيء وسندير ظهرنا للسنة والعراقيين".
وعندما خسر الأمريكيون والسعوديون
الرهان وجاء عادل عبد المهدي زاد الضغط عليه ومن الإماراتيين أيضا و "عند هذه
النقطة بدا واضحا أن السعوديين خسروا كل شيء في العراق وبدأوا بمهاجمة أي سني شارك
في حكومة عبد المهدي.