صحافة دولية

فورين أفيرز: هكذا أثرت كورونا على "الديمقراطية" بالعالم

سيعتمد شكل تأثير الجائحة على الديمقراطية العالمية بشكل كبير على تأثيره في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة وبالذات أمريكا- cco

نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا، للزميل في معهد هوفر ومعهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد، لاري دياموند، قال فيه إن رجل الفلبين القوي، رودريغو دوتيرتي، مرر قانونا في أواخر آذار/ مارس خلال البرلمان منحه سلطات طوارئ موسعة بحجة مكافحة فيروس كورونا.

 

وبحسب مقال المجلة الذي ترجمته "عربي21"، فقد منح القانون دوتيرتي الحق في تحويل أموال الميزانية الوطنية المخصصة لنواحي محددة إلى نواح أخرى بحسب ما يرى مناسبا وليشرف شخصيا على عمل المستشفيات.

 

وقال في خطاب متلفز له: "لا تتحدوا الحكومة .. ستخسرون". وبعد ذلك بستة أيام قام رئيس وزراء هنغاريا، فيكتور أوربان بتمرير قانون طوارئ يمنحه سلطات أوسع خلال برلمانه الذي يصادق على كل ما يطلب منه مصادقته، ممكنا إياه من تعليق العمل بالقوانين الحالية، وفرض قوانين جديدة واعتقال الأشخاص الذين يتهمون بنشر "الشائعات" حول جائحة فيروس كورونا أو "عرقلة" جهود الحكومة لمكافحته. 

 

وقال كاتب المقال: "كانت محاولتا دوتيرتي وأوربان استغلال مرض كوفيد-19 للحصول على المزيد من السلطات تصرفا وقحا بشكل خاص ولكن لم تكونا المحاولتين الوحيدتين من الزعماء الاستبداديين أو الأحزاب التي تستغل الأزمة الصحية الحالية كحجة لتقليص الحريات المدنية وتقويض حكم القانون".

 

ولفت إلى أن الأمر سيأخذ وقتا كي يظهر الأثر الكامل للجائحة على الديمقراطية في أنحاء العالم. وسيعتمد مدى أثرها على المدة التي سوف تستمرها الأزمة ومدى سلبية آثارها على الاقتصادات والمجتمعات.

 

وستتم مقارنة آثارها على الديمقراطيات والدكتاتوريات من حيث احتواء المرض والتعامل معه، واحتواء آثاره الصحية والاقتصادية ومن يفوز بالسباق لاكتشاف لقاح مضاد.

 

وستتم المقارنة بين الصين والدول الديمقراطية من حيث مساعدتها ضد الوباء على مستوى العالم. كما سيؤخذ بعين الاعتبار مدى ضبط الديمقراطيات للزيادة الكبيرة في صلاحيات الحكومة وتمكنها من استجماع اصرارها على الحفاظ على الحريات. 


وأشار الكاتب إلى تراجع التفاؤل حول مستقبل الديمقراطية على مستوى العالم وكثير من الأسباب التي يجب أن تجعلنا نقلق.

 

اقرأ أيضا : التقرير الأمريكي للحريات الدينية ينتقد مصر والسعودية

 

وقال إن الجائحة وقعت في أصعب فترة تمر بها الديمقراطية منذ الحرب الباردة، ولم تتأخر الأنظمة الاستبدادية التي تريد أن تكون استبدادية عن استغلال ذلك لتوسيع وتقوية سلطتها، مضيف أنها ستزيد المخاطر عندما تزن الحكومات الديمقراطية مأزق استخدام تكنولوجيا المراقبة في مكافحة الفيروس وإجراء انتخابات عادية في وسط الجائحة.

 

ولا يزال بالإمكان عكس الانحدار في الديمقراطية ولكن ذلك يحتاج إلى تحشيد المجتمعات المدنية وإدارة ديمقراطية للأزمة الصحية وتجديد قيادة أمريكا للعالم.


وأشار إلى أن الديمقراطية تعيش اليوم في حالة تراجع على مستوى العالم. فبحسب فريدم هاوس، وعلى مدى الأربعة عشر عاما الماضية عانت دول أكثر كل عام من تآكل في الحريات السياسية والمدنية على عكس ما حصل في السنوات الخمس عشرة الأولى بعد انتهاء الحرب الباردة.

 

ومع أن الانقلابات العسكرية أصبحت نادرة فقد قام المزيد من الزعماء المنتخبين بإتلاف الديمقراطية من الداخل، حيث قام سياسيون وصلوا إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، بالتأثير على المحاكم والمؤسسات المستقلة والضغط على الصحف والمعارضة السياسية والمجتمع المدني وسعوا لتخريب أو منع الانتخابات التي قد تزيلهم من الحكم.

 

ولهذا فقد زاد معدل التلف في الديمقراطية على مستوى العالم على مدى العقد الماضي إلى ضعف ما كان عليه في العقدين اللذين سبقاه. وفي نفس الوقت تحولت بلدان أقل إلى الديمقراطية. 


وأشار الكاتب إلى حالة التراجع الشديد بالديمقراطية على مدى الخمس سنوات الماضية (2015 إلى نهاية 2019)، وهي أول مرة منذ عام 1975 تتحول فيها بلدان أكثر إلى الدكتاتورية منها إلى الديمقراطية – وقد شكلت الضعف.

 

وزاد بالقول: "ما هو مقلق بنفس المستوى تراجع المؤسسات والممارسات الديمقراطية في بلدان مثل الهند وليبرالية مثل إسرائيل وبولندا والتراجع الخفيف الأقل ملاحظة في ديمقراطية كوريا الجنوبية وتراجع نوعية الديمقراطية في أمريكا والارتفاع في الشعبوية الكارهة للأجانب والاستقطاب السياسي في الدول الأوروبية الليبرالية". وبحسب فريدم هاوس فإن الديمقراطية تراجعت في 25 من 41 ديمقراطية منذ عام 2006. 

 

ولا يزال هناك خطر على الديمقراطية قبل أن تنتهي الجائحة. فبحجة السيطرة على المرض، تقوم الحكومات بتطبيق أنظمة المراقبة والتعقب والتي قد تؤدي إلى ضياع الخصوصية بشكل دائم.

 

وتعمل التطبيقات من خلال معرفة موقع الهاتف بحسب نظام جي بي أس والمسافة التي يمكن لخاصية بلوتوث أن تصلها.

 

فعندما يتصل مصاب مؤكد بكوفيد 19 بأشخاص آخرين يقوم التطبيق بتحذيرهم وينصحهم بالحجر الذاتي.

 

ويمكن لهذه التطبيقات مع وجود الرقابة الديمقراطية والقيود أن تكون سلاحا قويا في مكافحة الفيروس ولكن بدون تلك القيود يمكن أن تستخدم للتجسس على المواطنين وتوسيع السيطرة الاجتماعية.


في الهند مثلا، يخشى أن يتحول تطبيق التتبع الذي تم نشره في نيسان/ ابريل إلى وسيلة للمراقبة بالجملة من حكومة تسعى للدوس على الحريات المدنية.

 

فمنذ أن تم انتخاب مودي رئيسا للوزراء في 2014 تقوم حكومته بالاعتداء على أركان الديمقراطية الهندية: حرية الصحافة والتسامح الدين والاستقلال القضائي واحترام المعارضة.

 

وأكثر ما يقلق كانت الحملات التي قامت بها إدارة مودي ضد الأقلية المسلمة في الهند والتي يصل عدد أفرادها إلى 180 مليون نسمة، وهو أكبر عدد للمسلمين في أي بلد بعد أندونيسيا.

 

والسردية – التي يروجها بشكل مفضوح أتباع مودي المتطرفين والتي يتغاضى عنها رئيس الوزراء بنفس الأسلوب الذي شجع فيه الرئيس دونالد ترامب متظاهري النازيين الجدد في تشارلوتسفيل – هي أن المسلمين (وأحيانا المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية غير الهندوسية) هم "أعداء داخليون" لهم ولاءات لأراضي وأشخاص خارج الهند.

 

وزاد هذا الخطاب خلال الجائحة من خلال معلومات كاذبة متعمدة تلوم المسلمين لنشر الفيروس بشكل متعمد.

 

واستغل مودي الجائحة ليضع يده مركزيا على الدخل على حساب الولايات والبرلمان والسيطرة على حكومات الولايات من الأحزاب المعارضة. ويخشى ناشطو حقوق الإنسان أنه سيستغل تطبيق التعقب Aarogya Setu لخرق خصوصية ومراقبة معارضيه. 


وكان استخدام التطبيق طوعيا في البداية ولكن مع تخفيف الإغلاق في بداية شهر أيار/ مايو، جعل استخدام التطبيق ملزما لموظفي القطاع العام والخاص بالإضافة إلى الأشخاص في المناطق التي أطلق عليها مناطق الاحتواء، وهي المناطق التي فيها معدلات عالية من الإصابة بكوفيد-19.

 

كما أنه مطلوب من كل شخص يسافر بالقطار إنزال التطبيق. وقامت الحكومة لاحقا بتحرك ايجابي بمنع تخزين المعلومات عن أي شخص أكثر من 180 يوما وتسمح للأشخاص بمسح بياناتهم خلال 30 يوما.

 

وللتقليل من مخاوف الناس بشأن الخصوصية فتحت البرامج التي يعمل التطبيق بموجبها حيث يمكن أن يقوم من لديهم علم بالبرمجة تفحص البرامج وتطويرها.

 

ولكن الشكوك تستمر ولن تنتهي إلا إذا قامت الهند بما تقوم به الديمقراطيات من تعيين مراقب مستقل لضمان أن هناك التزام بقواعد الخصوصية وجمع المعلومات. 


ولكن الخصوصية ليست القيمة الديمقراطية الوحيدة المهددة في زمن فيروس كورونا: حيث أصبح إجراء انتخابات معضلة لوجستية.

 

وتركت العديد من الديمقراطيات لتقرر ما الذي يشكل تهديدا أكبر: اجراء الانتخابات في وقتها، حيث لا تستطيع المعارضة القيام بحملاتها، وحيث العاملين في استطلاع الرأي والمراقبين قد لا يعملون وكثير من الناس لن يشعروا بأمان أن يذهبوا إلى مراكز الاقتراع، أم تأجيل الانتخابات وابقاء حكومات ليس لها شعبية يمكن للناخبين أن يتخلصوا منها إن اجريت الانتخابات.

 

الخيار واضح في الديمقراطيات الأصيلة التي تمتلك الوقت والإمكانيات لتغيير إجراءات الانتخاب كي يستطيع الناخب الإدلاء بصوته بشكل آمن، والأفضل عن طريق البريد أو على الأقل مركز اقتراع تم تعقيمه وتحديثه للتماشي مع قواعد التباعد الاجتماعي.

 

ولكن حتى في أمريكا – وقبل خمسة أشهر من الانتخابات – حول بعض الجمهوريين بقيادة ترامب التصويت عن طريق البريد إلى قضية حزبية، بالرغم من وجود أدلة مقنعة على أنه لن يمنح أي من الحزبين ميزة على الآخر، فيمكن للمرء أن يتخيل مدى الخطورة التي ستحيط بالانتخابات في بلدان بمؤسسات أضعف ولا تتمتع بالخدمات البريدية الجيدة.


وبحسب مؤسسة International IDEA، وهي مؤسسة دولية تدعم الديمقراطية في أنحاء العالم، فإن 60 دولة ومنطقة قامت بتأجيل الانتخابات على المستوى القومي أو على مستوى كبير بسبب الجائحة.

 

وفي كثير من الحالات فإن فعل ذلك كان هو الخيار الإجرائي الأقل ابتعادا عن الديمقراطية. واقترحت مؤسسة Kofi Annan Foundation، ولتجنب تمكين سرقة المستبدين للسلطة، أن يكون قرار تأجيل الانتخابات قائما على قواعد تتفق عليها الحكومة مع المعارضة وتطرح بشكل واضح على الشعب بمن فيهم الفئات الضعيفة.

 

وكما هو الحال بالنسبة لاستخدام تطبيقات التعقب يجب أن يكون تأجيل الانتخابات محدودا بوقت وتحكمه القوانين والخبرات الفنية ومتناسب مع الخطر الناجم عن الفيروس.


وسيعتمد شكل تأثير الجائحة على الديمقراطية العالمية بشكل كبير على تأثيره في الديمقراطيات الصناعية المتقدمة وبالذات أمريكا.

 

ففي وقت تسعى فيه الصين وغيرها من أنظمة حكم الفرد استغلال الجائحة لإثبات عدم فعالية الحكم الديمقراطي والتسويق لإمكانياتهم الأفضل في التعامل مع حالات الطوارئ العامة، يجب على الحكومات الديمقراطية أن تظهر أنها قادرة على القيام بالمهمة.

 

وبعضها قام بذلك فعلا. وللمفارقة فإن المجتمع الصيني "الآخر" – تايوان – كشف بشكل واضح كذبة بأن التعامل مع الجائحة يتطلب إخماد الحرية.

 

 

اضافة اعلان كورونا