وسط "توتر صامت" في العلاقات بين الرباط وأبوظبي، أعلنت مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" الإماراتية، مطلع نيسان/ أبريل الماضي، تجميد جميع أنشطتها بالمغرب.
تجميد جاء، بحسب ما أعلنته المؤسسة التي تعد أبرز الأذرع الثقافية لأبوظبي، بسبب الظروف والتداعيات التي فرضها انتشار جائحة "كورونا"، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
إلا أن مراقبين يرون أن القرار لا يمكن قراءته بمعزل عن "التوتر الصامت" بين الرباط وأبوظبي، والذي يطفو إلى السطح بين الفينة والأخرى، لأسباب أبرزها موقف الرباط المحايد من الحصار المفروض على قطر ضمن الأزمة الخليجية القائمة منذ عام 2017.
وتصدر مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" الإماراتية أربع مجلات، هي "يتفكرون" و"ذوات" و"ألباب" و"تأويليات"، ويعمل فيها العشرات من الباحثين والصحفيين المغاربة.
وبحسب مختصين، فإن الإمارات تتدخل في عدد من المؤسسات الإعلامية، من خلال تمويلها، بل وصل الأمر إلى الدخول في رأس مال أحد أبرز المواقع الإخبارية في المغرب، وهو ما أثار جدلا كبيرا.
اقرأ أيضا: مؤسسة إماراتية تجمد أنشطتها بالمغرب بعد التوتر بين البلدين
أسباب أخرى
"عبد الصمد بنعباد"، الصحفي المغربي والباحث في التواصل السياسي، أكد أن تجميد المؤسسة لأنشطتها في المغرب بعد ثماني سنوات من العمل، "لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن التوتر السياسي غير المسبوق الحاصل بين الرباط وأبوظبي".
وأضاف "بنعباد" في حديث للأناضول، أن لهذا التجميد سبب غير ذلك المعلن، الذي عبر عنه مسؤولو المؤسسة بقولهم إنها "تعاني من عجز مالي، وإنها لم تعد باستطاعتها الوفاء بالتزاماتها للموظفين".
وتابع: "السبب الحقيقي الخفي الذي لم تعلن عنه المؤسسة يكمن في السياق الذي جاءت خلاله عملية الإغلاق".
وبحسب المتحدث، فإنه "حتى لو تم الهروب إلى أن الأزمة المالية هي التي دفعت إلى اتخاذ قرار التجميد، إلا أن هذا الأخير مرتبط بالخلاف السياسي الذي تجاوز الحدود المعقولة له بين الرباط وأبوظبي".
وهذا التوتر يرجع في أحد جوانبه، بحسب بنعباد، إلى الخلاف بين البلدين على "نموذج التدين، ومحاولة الإمارات عبر أذرعها الثقافية والدينية على المستوى الداخلي والخارجي محاربة التجربة المغربية في التدين المبنية على المذهب المالكي علميا وعلى التصوف عبادة".
وأشار المتحدث إلى أن "هذا الخلاف لا بد من أن تنتقل آثاره إلى كل ما يتبع للإمارات داخل المغرب، وبالتالي لا يتصور أن نظاما شموليا كالإمارات ستتحرك المؤسسات التابعة له خارج التسبيح بحضرة الإمارة".
نية مبيتة
حديث "بنعباد" يؤيده مصدر من داخل "مؤمنون بلا حدود"، أفاد في تصريح لموقع "بناصا" المحلي المغربي بأن التوقف "المفاجئ" للمؤسسة لا دخل لجائحة كورونا به.
المصدر الذي لم يكشف الموقع المغربي هويته، أوضح أن "النية كانت مبيتة من قبل، خاصة بعد التوتر الكبير الذي تعرفه العلاقات المغربية الإماراتية، وعدم رضوخ المغرب للكثير من الإملاءات الخارجية، الشيء الذي يجعل المؤسسات الثقافية والفكرية تؤدي ثمنه للأسف".
وأشار إلى أن "مؤمنون بلا حدود" لم تكن في يوم من الأيام "مؤسسة ربحية، ولم تعتمد إطلاقا في تنظيم أنشطتها على مبيعات الكتب ولا على المعارض، بل كل المنتج الفكري والثقافي الذي كانت تقدمه، والمؤتمرات الفكرية وغيرها من الأنشطة، وكلها بتمويل إماراتي".
المصدر ذاته أكد أن رسالة من المؤسسة وصلت الموظفين مطلع أبريل/نيسان الماضي، تطلب منهم "تقديم استقالاتهم؛ لأن المؤسسة لديها عسر مادي بسبب توقف الدعم الإماراتي عنها"، الأمر الذي فاجأ هؤلاء الموظفين، وهو ما جعل المدير العام يرسل إليهم إشعارا بالفصل عن العمل لقوة قاهرة يوم 6 نيسان/ أبريل الماضي".
أزمة مستعصية
على الصعيد ذاته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول (حكومية)، إن "الأزمة المستعصية بين المغرب والإمارات لم تعد اليوم تخفى على أحد".
وفي حديث للأناضول، أضاف الشيات أن "هذه الأزمة لم يُعبر عنها إلا على مستوى الإعلام دون أي موقف رسمي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود الأزمة التي أصبحت ظاهرة للجميع".
وعن إغلاق مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" في المغرب، اعتبر الشيات أن "الإغلاق يعكس عقلية داعمي المؤسسة بالإمارات الذين يصرون على إقحام كل شيء في خلافهم مع المغرب، ومن بين ذلك المستوى الثقافي".
وتابع: "المفترض نظريا أن المؤسسة مستقلة في قرارها عن كل ما هو سياسي، لكن إغلاقها يدل على أنها لا تخرج عن عباءة سياسة أبو ظبي وليس لها أي استقلال".
وأكد الأكاديمي المغربي، أن إغلاق مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" يعكس أيضا "عقلية صناع القرار في الإمارات من خلال اتجاههم للقطيعة التامة مع كل من لا يدور في فلكهم من الدول".
وذكر الشيات أن "المغرب كان دائما على علاقة جيدة مع الإمارات والسعودية، لكن هؤلاء من خلال سياساتهم الرعناء أصروا على فقد هذا الحليف الاستراتيجي، ولم يرق لهم موقف الرباط من حصار قطر والتدخل الخارجي في اليمن وليبيا وغيرها من الدول".
وتشهد علاقات المغرب مع الإمارات حالة من التوتر، بسبب تباعد المواقف بين الطرفين بشأن ملفات عديدة، أبرزها موقف الرباط المحايد من الحصار المفروض على قطر ضمن الأزمة الخليجية القائمة منذ عام 2017.
وكذلك موقفها من الأزمة الليبية، بجانب انسحاب المملكة من الحرب في اليمن، التي تدعم فيها الرياض القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.
وطفت أيضا على السطح مؤخرا أخبار تداولتها مواقع مغربية، تفيد بسحب الرباط سفيرها وقنصليْها في الإمارات؛ بسبب عدم تعيين سفير إماراتي بالرباط بعد عام من شغور المنصب.
أحداث متسارعة تكشفت معها ملامح هذه الأزمة، التي كان آخرها ما تعرضت له الحكومة المغربية، ورئيسها سعد الدين العثماني، من اتهامات بالفشل في مواجهة فيروس "كورونا"، وبالعجز عن تلبية احتياجات المواطنين، من قبل الذباب الإلكتروني التابع للإمارات.
وفي ردهم على هذه الهجمة، أطلق إعلاميون ومغاربة هاشتاغ "شكرا العثماني"، تصدر قائمة الوسوم في البلاد.
"ردح" بين مغردي الإمارات والسعودية وهذا هو السبب
لهذا طالبت الإمارات بهدنة في ليبيا بعد خسائر حليفها حفتر
إعلام الإمارات يدشن حملة ضد الغنوشي.. والنهضة تتابع قضائيا