يوم الأربعاء الفائت، وفي الذكرى الستين لانقلاب 1960، افتتح الرئيس أردوغان "جزيرة الديمقراطية والحريات". خمس سنوات من العمل المتواصل حوّلت جزيرة "ياسّي" التي حوكم فيها الرئيس الأسبق جلال بايار ورئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس و592 من أعضاء الحزب الديمقراطي إثر انقلاب 1960، وهي المحاكمة التي أعدم في نهايتها مندريس واثنان من وزرائه.
تتناغم التسمية مع المسار الذي اختطه العدالة والتنمية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016؛ بتسمية الميادين التي تواجه فيها المدنيون أو الجنود/ الشرطة مع الانقلابيين بأسماء مثل الديمقراطية والشهداء، للتوعية بأخطار الانقلابات وتثبيت منجزات تركيا في إفشالها.
وإذا كان انقلاب 1960 الأول من نوعه ومهّد لانقلابات أخرى عديدة بأشكال متنوعة في تاريخ تركيا الحديث، فإن مندريس يحظى برمزية كبيرة لدى الشعب التركي، حيث كان أول رئيس وزراء منتخب يُنقلب عليه، بحيث مثّل بالنسبة للأتراك شخصا تحدى الوصاية العسكرية- العلمانية على الدولة والشعب، رغم أنه كان أصلا عضوا في حزب الشعب الجمهوري، قبل أن يؤسس الحزب الديمقراطي.
أعدم مندريس عام 1961، ثم انتظر حتى عام 1990 ليُرد له الاعتبار وينقل رفاته ورفاة الوزيرين بمراسم رسمية وبمشاركة الرئيس آنذاك تورغوت أوزال؛ إلى منطقة توبكابي في إسطنبول، قبل أن تسمى تلك الجادة "بوليفار عدنان مندريس" عام 1994، في ظل رئاسة أردوغان لبلدية إسطنبول الكبرى.
يأتي افتتاح الجزيرة وما حمله من دلالات رمزية رفضا للانقلابات العسكرية؛ بعد أيام من تصريحات لمسؤولين في حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، فُهمَت في سياق التهديد بانقلاب على أردوغان. فقد قالت رئيسة فرع الحزب في إسطنبول وإحدى نوابه، جانان كافتانجي أوغلو، ما مفاده أن "نهاية أردوغان" قد اقتربت "إما بانتخابات مبكرة أو بطريقة أخرى". وما من شك أن عبارة "بطريقة أخرى" حين تطلق هكذا دون تحديد في دولة مثل تركيا، تحيل أول ما تحيل إلى فكرة الانقلاب.
أدت هذه التصريحات إلى جدل سياسي وتناول إعلامي بارزَيْن على مدى الشهر الفائت، من باب أنه تهديد لأردوغان وحزبه بانقلاب عسكري جديد، وهو ما نفاه الشعب الجمهوري، مؤكدا أنه ضد الانقلابات على طول الخط، وأن تصريحات مسؤوليه قد "أخرجت عن سياقها".
ورغم أن الشعب الجمهوري لا يحظى عموما بسجل طيب فيما يتعلق بالانقلابات العسكرية، بما في ذلك موقف النواب المحسوبين عليه في البرلمان ضمن حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي (SHP) عام 1990، إما ضد إعادة الاعتبار لمندريس أو بعدم التصويت، إلا أنه من الصعب ربط تصريحات مسؤوليه بشكل مباشر بانقلاب وشيك.
الأقرب أن تلك التصريحات تعبر عن تيار داخل الحزب لا مشكلة لديه في حدوث انقلاب إن كان "سيخلصهم" من أردوغان، فضلا عن الرغبة في التغطية على الخطة الحكومية لمواجهة كورونا
كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة مرحلة مهمة على صعيد تحصين تركيا من الانقلابات العسكرية في المستقبل، لكنها تبقى للأسف احتمالا قائما ولو ضعيفا، ما يزيدُ من أهمية تحصين الجبهة الداخلية
تركيا.. حتى لا تتعثر الانطلاقة
اعتقال وطن واغتيال مواطن.. قراءة متجددة لمفهوم المواطنة (1)