هل تستطيع روسيا إنقاذ سمعة أسلحتها في ليبيا؟

بَنَت روسيا سمعة أسلحتها عبر ضرب أهداف مدنية في سوريا والشيشان، كأفران الخبز والمستوصفات والمدارس، أو من خلال مواجهات مع قوات شبه عسكرية، مثل قوات المعارضة السورية التي لا تمتلك أسلحة مضادة للطائرات، أو مع جيش صغير ناشئ، كالجيش الجورجي الذي لا يملك بنية عسكرية قوية ولا أسلحة متطورة، أو مع دولة لديها انقسامات اجتماعية وسياسية حادة مثل شرق أوكرانيا والقرم.

ربما ما أعجب أولئك الذين أقدموا على شراء سلاح روسيا، في السنوات الأخيرة، مناظر الدمار الممتدة والرهيبة التي خلفتها تلك الأسلحة على مدن سوريا وأريافها، وخاصة حلب والغوطة وأرياف إدلب التي تحوّلت إلى ركام، نتيجة الاستخدام الكثيف للأسلحة الغبية الثقيلة التي يتم إلقاؤها على مناطق عمرانية شاسعة، ومن ثم فأينما وقعت تصيب وتدمّر.

لا أحد يتذكر أن السلاح الروسي، منذ حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، تم استخدامه في مواجهات جدية مع السلاح الغربي، باستثناء معركة البقاع الجوية في 9 حزيران/ يونيو 1982، حيث دمرت الطائرات الإسرائيلية، في أقل من ساعتين، 90 طائرة سورية سوفييتية الصنع، و15 منظومة دفاع جوي، دون أن يتم إسقاط أي طائرة إسرائيلية. ومثلت هذه المعركة الفارق الهائل بين تكنولوجيا الأسلحة الروسية والغربية.

في ليبيا، تعرضت الأسلحة الروسية لنكسة تشبه الفضيحة، فقد دمّرت الطائرات التركية المسيّرة تسع منظومات صواريخ بانتسير (اس 1)، التي يعتبرها العسكريون الروس أفضل ما تم إنتاجه من أسلحة دفاع جوي في العصر الحديث في مجال إصابة الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، على اعتبار أن "إس 300" و"إس 400" هي منظومات بعيدة المدى. وتورد إحدى المعرفات أن هذه بانتسير أثبتت جدارتها في سوريا! كيف وضد من؟ والمعلوم أن إسرائيل دمرت منظومة من هذه الصواريخ في 10 أيار/ مايو 2018 قرب دمشق.

 

الحجج التي تذرع بها العسكريون الروس يوم إصابة هذه المنظومة في سوريا، بأن المنظومات لم تكن تعمل ساعة استهدافها، لا يمكن التذرع بها في حالة معركة السيطرة على القاعدة الجوية الليبية

تكمن الفضيحة الروسية في ليبيا في أن منظومات صواريخ بانتسير كانت مذخّرة ساعة تدميرها ومشغّلة، ذلك أن المنطقة المستهدفة (قاعدة الوطية الجوية) كانت بأقصى درجات الاستنفار، ومنظومات الصواريخ التي في القاعدة ما لم تكن جاهزة في مثل ذاك اليوم، فمتى ستكون جاهزة؟ ما يعني أن الحجج التي تذرع بها العسكريون الروس يوم إصابة هذه المنظومة في سوريا، بأن المنظومات لم تكن تعمل ساعة استهدافها، لا يمكن التذرع بها في حالة معركة السيطرة على القاعدة الجوية الليبية.

وعلى مدار تدخلها في سوريا، سعت روسيا إلى عدم الاصطدام بالقوات الأمريكية أو التركية والإسرائيلية. صحيح أنها كانت تحاول تجنيب هذه الأطراف حتى لا تصبح مهمتها في سوريا معقدة، لكن في المقابل تعرض الجيش الروسي وأسلحته لإهانات بالغة من قبل تلك الأطراف. فقد قتلت القوات الأمريكية المئات من عناصر "فاغنر" عندما حاولوا العبور إلى شرق الفرات، وأسقطت تركيا طائرة "سو 24" روسية في بداية التدخل الروسي في سوريا، وأسقطت إسرائيل طائرة "إيل 24" فوق اللاذقية، وفي جميع هذه الحوادث لم تستطع روسيا القيام برد عسكري مماثل.

غير أن الضربة الأكبر للسلاح الروسي، كانت في إدلب في هذا العام، حين شنت الطائرات المسيرة التركية حملة على مواقع قوات الأسد استمرت ثلاثة أيام. ورغم ما قيل وقتها من أن الضربة جاءت بتنسيق روسي، إلا أن سياق الأحداث وقتها يفند هذا الزعم، فروسيا التي أغلقت كل قنوات الحوار وقتها مع تركيا، وأصرت على تحقيق هدفها في السيطرة على مناطق المعارضة السورية في إدلب وحلب، وقتلت جنودا أتراكا عن قصد، لم تكن في وارد التنسيق مع تركيا، وإنما ما حصل أن تركيا لعبت بأوراقها التي تعرف أن روسيا ستكون عاجزة أمامها، وهي الطائرات المسيرة وتقنيات التشويش التي لا تستطيع روسيا مجاراتها.

تعرف الرؤوس الحامية الروسية متى تتراجع، فليس كل الخصوم هم المدنيون العزل السوريون، ولا فصائل المعارضة العسكرية الممنوع حصولها على منظومات دفاع جوي، وأن اللعب خارج ميدان هؤلاء سيكون مكلفا، وسيفضح البروباغندا الروسية حول جودة أسلحتها، التي من الغريب أنها تحوّلت إلى ثاني مصدر للأسلحة على مستوى العالم. لا تريد روسيا الصدام مع أي طرف لديه تقنيات عسكرية متطورة، لأنها أكثر من يعرف عيوب وأعطاب أسلحتها.

 

روسيا ستحاول استعراض أسلحتها لإنقاذ ماء الوجه، لكن المؤكد أنها ليست في وارد الاصطدام مع الطائرات التركية

السؤال إذن: لماذا أرسلت روسيا طائرات إلى ليبيا، هل بقصد مواجهة تركيا؟ لا شك أن قادة روسيا يمتازون غيظا من الفضيحة التي طالت أسلحتهم في ليبيا، ولو كان لديهم أسلحة فعالة للانتقام لاستخدموها حتى ولو تسبب ذلك في هلاك نصف ليبيا، وحتى لو كان ذلك على حساب علاقتهم مع تركيا، لكنهم لا يمتلكون تلك الأسلحة، وفي الوقت نفسه لن يغامروا بمواجهة الطائرات التركية ولا أنظمة الصواريخ "هوك" التي نشرتها تركيا في ليبيا (بحسب موقع "ميليتاري رادار" العسكري الإيطالي). وكل ما في الأمر أن روسيا ستنشر طائراتها في مكان بعيد (في الجفرة) لضمان موازنة القوّة التركية في ليبيا، وضمان حصولها على موقع على طاولة مفاوضات العملية السياسية الليبية.

لا شك أن روسيا ستحاول استعراض أسلحتها لإنقاذ ماء الوجه، لكن المؤكد أنها ليست في وارد الاصطدام مع الطائرات التركية، بدليل أنها اختارت قاعدة "الجفرة" في الجنوب التي تبعد نحو 600 كلم عن العاصمة طرابلس، حيث يؤكد الخبراء أن طائرات الميغ الروسية ذات مدى طيران قصير.