يبدو أن الأزمة العالمية الأكبر بعد تعرف العالم على فيروس
كورونا، ستكون في اتخاذ القرار بالانفتاح الاقتصادي الكامل مُجددا، ومن ثم عودة الحياة وخروج الناس إلى أعمالهم، بحسب ما ستراه وتحدده كل دولة على حدة، مع كونها قرارت متقاربة في ماهيتها وترتيبها الزمني بحسب المُلاحظ حتى اليوم. ولكن هل ستتم مراعاة الحفاظ على الكوادر البشرية أو الإنسان في المقام الأول في سياق الانفتاح المُنتظر أم العامل الاقتصادي سيكون هو السائد، حتى لو فقد العالم المزيد من الضحايا بعد إصابة مئات الملايين ووفاة عشرات الآلاف حتى الآن؟
بصورة علمية بحتة، قالت دراسة لباحثين في جامعة هونغ كونغ نشرتها المجلة الطبية "ذي لانسيت" ومن ثم "الغارديان" البريطانية، ونقلتها مواقع عربية منها "العربي الجديد" في 9 نيسان/ أبريل؛ إن العودة التامة للحياة مرهون باكتشاف لقاح ضد الفيروس، وهو ما كذبه تماما اتجاه مدينة ووهان الصينية، الثلاثاء 21 من نيسان/ أبريل (وهي التي يتردد بقوة أن كورونا صدّر للعالم منها)؛ إلى الانفتاح على الحياة بعد نجاح المرحلة الأولى المُتمثلة في احتواء الفيروس عبر تشديد الإجراءات؛ وعلى رأسها قدرة أهالي المدينة على الحركة.
قبل انفتاح الصين الجزئي، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل منتصف نيسان/ أبريل بأن تخفيف الإجراءات الخاصة بإغلاق الاقتصاد بشكل كامل سيكون رهن قرار منه. ومن جانبها بادرت دول في تاريخ متقارب منها إيران بتخفيف القيود على مواطنيها، فيما أعلن الأردن أنه يدرس العودة للحياة الطبيعية، وكذلك بدأت إسبانيا وألمانيا في تخفيف القيود على خروج المواطنين.
من جانبه، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 21 نيسان/ أبريل، أن بلاده تعمل على إعادة الحياة كاملة بعد عيد الفطر المبارك، أي مع نهاية أيار/ مايو. في حين صرح رئيس وزراء النظام المصري في 28 نيسان/ أبريل، أن حركة التنمية الاقتصادية في البلاد لا بد أن تستمر، فيما تواصل الدولة عملها بصورة كبيرة.
بالإجمال، فإن الصورة الواضحة أو المُعلنة تقول بأن دول العالم كله تعاني بصور متفاوتة من انتشار الفيروس، ولكنها في الوقت نفسه لن تستطيع المضي في سياسة الإغلاق الاقتصادي لفترة أطول، ومن ثم فإن هناك إشكالية واضحة: فإن كان أمر الفيروس أمرا مُدبرا بالفعل؛ فهل من موعد للإعلان عن لقاح، لكن بعد أن تستنفد الدولة التي صدرته للعالم أهدافها منه؟ بمعنى أن هناك وجهة نظر منتشرة (لسنا نميل إلى تصديقها ولا إلى نفيها في الوقت نفسه)، وهي تقول بأن الفيروس مُصنّع كنوع جديد من الحروب البيولوجية، وهي حرب ليست بالضرورة ضد دول بعينها؛ بل ضد طائفة اجتماعية مقصودة لفقرها، أو لعدم وجود إمكانيات مادية تتجاوز المتوسط أو حتى تصل إليه، ومن ثم فإن النظرة العلمانية التي تلف الحضارة الغربية اليوم ، تقول بأن التخلص من هؤلاء أوجه وأفضل، ومن ثم سيكون طرح اللقاح على الذين استطاعوا بأموالهم حماية أنفسهم منه، سواء بالبقاء في المنازل أو القدرة على التعافي لزيادة الرصيد المالي والصحي لديهم.
يحسن بنا إذن أن نجعل مثل الرأي السابق في حيز الأسئلة حول صحته؛ وهو ما ستكشفه الأشهر المقبلة عموما، ويبقى أن هناك سؤالا أكثر وجاهة من مثل: ماذا إذا كان الفيروس بالفعل جائحة حقيقة أو جزءا من حرب بيولوجية، لكنه خرج عن قدرة صُنّاعه فسبب هذه الأزمة العالمية؟ ما الخطوة التالية لتعافي الاقتصاد في عالم حتى المتقدم منه ليس مؤهلا لوقف الحياة لفترة طويلة. وبرأي بعض العقلاء فإن جلوس الجميع في البيوت يخلق أزمة شديدة في الأطعمة وعلى رأسها، الخبز فمن يصنعه ويوزعه، وفي الأساس من الذي سيزرع القمح؟
ففي حين تحذر منظمة الصحة العالمية من انتشار أشد للجائحة، تبادر دول كبرى وصغرى في الإعلان عن تخفيف الإجراءات الاحترازية منه، ليبقى أن الموقف الأشد خطورة هو المتمثل في الإجابة على السؤال الأول في هذا المقال: هل ستضع دول العالم مصلحة المواطنين نصب عينيها أولا؛ أم مصلحتها الاقتصادية؟
ومع التسليم بأن قرار دول يؤثر على دول أخرى، فكما سارعت كثير من دول العالم إلى تخفيض نسبة السماح لعمالتها بالنزول للشوارع بناء على ما فعلته دول أخرى، سيحدث العكس، أو الانفتاح المتوقع على نحو أشد خلال الأسبوع الأخير من أيار/ مايو (ما لم يوجد مانع)؛ بعودة حركة الطيران ولو مع الاحتراز، وفتح فرص التنقل بين المدن الداخلية للدول على نحو أوسع؛ ويبقى أنه أي من دول العالم ستراعي مواطنيها أولا.. وأيها سُيراعي اقتصاده قبل كل شيء؟
نقلت وكالة الأناضول عن الرئيس التركي قوله، إن عودة الحياة التي يأملها بعد عيد الفطر تواكب قدرة الدولة الطبية وإمكاناتها التي تفوق كثيرا من دول العالم، ولذلك شكلت للدولة أكبر تحدٍّ بعد الحرب العالمية الثانية، في حين اكتفى رئيس وزراء النظام المصري بالقول بعدها بأسبوع، بحسب جريدة الشرق الأوسط اللندنية في الثلاثاء الأخير من نيسان/ أبريل: "دولة بحجم مصر يجب أن تظل تعمل، لكن في الوقت نفسه بالتوازي مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية والاستباقية كافة، للتعايش والتأقلم مع فيروس كورونا المستجد، حتى يتم التوصل إلى اكتشاف مصل وعلاج نهائي لهذا المرض".
وإذا استمر اجتياح كورونا العالم على هذا المنوال، فإننا سنكون أمام اختيار قد تمثل نتائجه أكبر تحدٍّ للبشرية بعد الحروب الكبرى. فعند عودة الملايين لعملهم في دول تعاني من إمكانيات صحية شبه منعدمة أو أقل من المتوقع بكثير، سيترتب على ذلك (لا قدر الله) وقوع قدر أكبر من الضحايا؛ ومع ضعف القدرات الصحية على احتواء المرض وهي حالة واضحة الآن، قد تؤدي إلى وفاة كوادر أولها الطبية التي في الأصل أنها مؤهلة للتصدي للفيروس؛ فإذا أضفنا المُتوفين دون الكشف عن حقيقة إصابتهم وكونها تخص كورونا لاعتبارات تخص رغبة دول في تحجيم الإعلان عن الفيروس لأسباب كثيرة، ومع عودة الحياة لطبيعتها، سيسقط آلاف نتيجة عدم الاحتراز، وتفضيل تخمة جيوب رجال الأعمال والطبقة المرفهة على البسطاء في دول العالم الثالث بخاصة.
يبقى أن الأمل كبير في أن يتدارك الله برحمته العالم الحائر في مواجهة كورونا.