من أجل عيون إسرائيل وبرغم تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة، وإسرائيل، يجد وزير الخارجية الأمريكية، وقتا لزيارة إسرائيل قبل ساعات من تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
المعلومات من واشنطن تتحدث عن أسباب الزيارة،
وتربطها بمحاربة وباء كورونا، والموقف من إيران، والتوجه الإسرائيلي لضم مناطق من
الضفة الغربية، وتحديدا مواقع المستوطنات التي يصل عددها إلى مائة مستوطنة، يعيش
فيها تقريبا نصف مليون إسرائيلي، إضافة إلى مناطق الأغوار، وشمال البحر الميت، وهو
توجه إسرائيلي قديم، اقترب وقت تنفيذه، دون أن تتوقف إسرائيل عند رسائل الاحتجاجات
العالمية.
على ما يبدو لم يكن ينقص العالم العربي، إلا
وباء كورونا حتى يستلقي على ظهره مثل سلحفاة، ويتأوه ليل نهار، بذريعة مواجهته
للوباء، وأن لا وقت لديه أساسا لبقية المعارك، هذا على الرغم من معرفتنا مسبقا، أن
التصريحات الرسمية من دول كثيرة، لا تعني شيئا في ميزان الأمريكيين والإسرائيليين،
أمام مخطط تصفية القضية الفلسطينية، ونهاية مشروع الدولة الفلسطينية، التي تم
توظيفها كفكرة من أجل تبرير اتفاقية أوسلو التي اعترفت بثلاثة أرباع فلسطين كدولة
إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية، فثبت الاعتراف الفلسطيني، وتبدد القبول
الإسرائيلي للجزء الثاني من معادلة أوسلو أي ولادة دولة فلسطينية.
هذا التسارع في ظلال ملف كورونا، وانهيار
اقتصادات العالم، وتشاغل الدول بشؤونها خطير يقودنا إلى خلاصات أبرزها أن مشروع
الدولة الفلسطينية، انتهى، وأن اتفاقية أوسلو لا بد من التراجع عنها، إذا امتلكت
سلطة أوسلو القدرة على إلغائها، إضافة إلى تأثيرات هذا الضم على الفلسطينيين بشكل
عام، وعلى صعيد ملف النازحين واللاجئين وحق العودة، ومصير الفلسطينيين في دول
عديدة، وما يرتبط بالقدس، من إجراءات متسارعة، متوقعة على الطريق لتهويد المدينة
بشكل كامل، ومصير الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 48.
في الأردن يخرج وزير الخارجية أيمن الصفدي،
ويقول إن أي قرار إسرائيلي بضم المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت في
فلسطين المحتلة سيكون خطوة كارثية ستقتل فرص تحقيق السلام، وستجعل من خيار الدولة
الواحدة حتميا، ومنطوق الوزير يأتي خلال مباحثاته، يوم أمس الأربعاء، مع وزيرة
الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي.
الموقف الأردني هنا، معروف مسبقا، وقد تمت
الإشارة إليه مرارا، وقبل كلام وزير الخارجية خرج رئيس الوزراء الأسبق فايز
الطراونة ليقول في مقال له في “الغد”، إن القضية الفلسطينية تعاني سكرات الموت،
والعرب لا يبالون، وإن إسرائيل تريد دولة يهودية يعيش فيها غير اليهود بحقوق
منقوصة، وإن الأردن وفلسطين يتمسكان بحل الدولتين.
لقد اكتفينا من التعبيرات عن الموقف السياسي
عبر الهروب إلى تشخيص الأزمات، فقط، ونريد قراءة عميقة للتوقعات وسيناريوهات ما
بعد ذلك والحلول المقترحة أمام الخطر على أمن الأردن واستقراره، وعلى واقع الشعب
الفلسطيني، والطراونة، مثلا، يؤشر على تمسك الأردن وفلسطين بحل الدولتين، برغم
معرفته أنه انتهى منذ زمن بعيد، فيما الصفدي يقول إن ضم مناطق من الضفة الغربية، سيجعل
خيار الدولة الواحدة حتميا، ولا يتحدث عن تفاصيل كلفة ذلك أردنيا وفلسطينيا، وهذا
الكلام قيل مئات المرات، ولم يعد مناسبا تكراره، بعد تعمق الأزمة، ودخولنا إلى
مرحلة أخطر بحاجة إلى إجراءات، وليس تعبيرات سياسية.
أخطر هذه السيناريوهات يرتبط بملف إدارة
السكان الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وربما مناطق فلسطين 48، إذ إن كل هذا
الدعم الأمريكي والغربي والسكوت العربي، سيأخذنا إلى حلقات أخرى على صلة بمخططات
ترحيل الفلسطينيين من مناطق في فلسطين، إلى دول أخرى، إضافة إلى تدابير قانونية
تمس وجود الفلسطينيين في مناطقهم، وستسعى إسرائيل بكل قوتها من أجل إيجاد طرف جديد
قادر على إدارة شؤون الفلسطينيين، خصوصا، أن سلطة رام الله بكل ضعفها وتنسيقها مع
الإسرائيليين ليست طرفا قادرا على الوقوف في وجه الإسرائيليين، بل إن مهمتها
النيابة عن الاحتلال في إدارة الكتلة الفلسطينية.
يبقى السؤال حول إذا ما كان لدى الأردنيين
والفلسطينيين القدرة على الرد العملي في ظل ظروف معقدة جدا، تحيط بالجانبين، وما
هي الإجراءات التي سيتخذها الجانبان في وجه هذا التسارع، في ظل ضعف إقليمي شديد،
وانهيارات اقتصادية، وانشغال دول المنطقة والعالم بشؤونها، وهشاشة شبكة أمان
المنطقة، بسبب الصراعات؟!.
(الغد الأردنية)