قلم رصاص مكسور في يوم "حرية الصحافة"

يبدو المشهد وكأنه مساء ليلة باردة ملبدة بالغيوم السوداء التي تبعث على الكآبة والضجر.

صحف ورقية كثيرة توقفت عن الصدور وصحف أخرى تئن تحت سياط الديون وقلة الموارد المالية واستيلاء الحكومات على خطها التحريري.

يبدو يوما مختلفا، سيكون الاحتفال فيه باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت وطأة فيروس كورونا(كوفيد19)، وما سببه من ندوب وبثور على أوراق الصحف وشاشات التلفزة.

الثالث من أيار/مايو من كل عام موعد للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، وتقييم الحريات الصحفية في العالم، وحماية وسائل الإعلام من التعدي على استقلالها، وتكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء ممارسة مهنتهم.

يوم أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 لإحياء ذكرى إعلان "ويندهوك" التاريخي خلال اجتماع للصحفيين الأفارقة نظّمته منظمة "اليونسكو" وعقد في ناميبيا في 3 أيار/ مايو عام 1991.

هي مناسبة يقول فيها العالم الحر، إنه في عشرات البلدان حول العالم، تمارس الرقابة والمضايقات والاعتداءات والاعتقالات والاغتيالات بحق الصحفيين والإعلاميين.. يوم يدين فيه العالم إغلاق دور النشر والصحف والمواقع الإلكترونية ومحطات التلفزة، بينما يلقى الصحفيون والمحررون والناشرون ألوانا من المعاناة في الوصول إلى المعلومات.

يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش:"لا تكون أي ديمقراطية مكتملة دون توفر إمكانية الحصول على معلومات شفافة وموثوقة. إنها حجر الزاوية لبناء مؤسسات عادلة ونزيهة، وإخضاع القيادات للمساءلة، ومواجهة من في يدهم السلطة بالحقائق".

الصحافة هي الضمير الحي الذي لا يتوقف عن التنبيه وإرسال إشارات الخطر لما يتعرض له العاملون في بلاط "السلطة الرابعة"، رسالة تؤكد أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة قائمة على التعددية واستقلالية المؤسسات الصحافية ماليا وإداريا ومهنيا عن حضن الحكومات الرطب ومحاولات الاحتواء المغرقة بالقسوة والشراسة.

لقد أضحت المنطقة العربية في السنوات الخمس الماضية أكثر خطرا على حياة الصحفيين من كافة أنحاء العالم نظرا للحروب والأزمات والتوترات الأمنية التي تشهدها المنطقة، وذلك حسب تقارير منظمات أممية.

فقد أصدرت "اليونسكو" تقريرا عن الخطر الذي يتعرض له الصحفيون الميدانيون بشكل خاص، ووفقا للتقرير، فإن ما يقارب من 500 صحفي لقوا حتفهم خلال الفترة ما بين عامي 2014 و2018 حول العالم، ونحو ثلث هؤلاء قتلوا في المنطقة العربية.

ويقول أحدث تقرير منشور إن عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أثناء أدائهم لعملهم عام 2019 تراجع إلى أدنى مستوى له منذ 17 عاما (25 صحفيا)، مع توجه النزاعات الإقليمية إلى التهدئة وانخفاض عدد الصحفيين الذين قتلوا انتقاما منهم على عملهم إلى أدنى مستوى له منذ بدأت "لجنة حماية الصحفيين" ومقرها نيويورك تحتفظ بسجلات في هذا الشأن.

ويأتي هذا التراجع في عدد جرائم القتل وسط اهتمام عالمي غير مسبوق بقضية الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين، ويعود ذلك بصفة رئيسية لثلاث جرائم وقعت أخيرا وما تزال تتردد أصداؤها؛ ففي عام 2017، أعربت الصحافة الأوروبية عن فزعها من جراء تفجير سيارة أودى بحياة المدونة المعروفة المناهضة للفساد، دافين كاروانا غاليزيا، في مالطا، وبعد أقل من ستة أشهر، جرت جريمة قتل أخرى في منطقة الاتحاد الأوروبي ذهب ضحيتها الصحفي السلوفاكي جان كوسياك وخطيبته في منزلهما، وكان كوسياك يغطي عصابات المافيا الإيطالية وعمليات اختلاس مزعومة من أموال الاتحاد الأوروبي، وفي وقت لاحق من عام 2018، تصدرت عناوين وسائل الإعلام في العالم جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول.

من المستحيل معرفة ما إذا كانت التغطية الواسعة التي حظيت بها هذه الجرائم وتبعاتها قد ردعت الجهات العازمة على قتل الصحفيين وأدت إلى تراجع جرائم قتل الصحفيين، ومع ذلك فقد أدى غياب العدالة بشأن الجرائم السابقة إلى ترهيب بعض الصحفيين وامتناعهم عن نشر تغطية ناقدة والتوقف عن تحقيقات استقصائية كان يجري إعدادها.

فيما لا يزال ما لا يقل عن 250 صحفيا في أقبية السجون حول العالم، وفق "لجنة حماية الصحافيين" التي قالت إن العديد من الصحفيين المسجونين حول العالم متهمون بأنهم "أعداء للدولة" وبأنهم نشروا "أخبارا كاذبة"، أو يسعون إلى "تقويض النظام ومؤسسات الدولة".

وترى رئيسة فريق الاتصال بمنظمة "مراسلون بلا حدود" سيلفي أرينس-أوربانيك، وجود مضايقات حتى في الدول التي يعتبر فيها وضع الصحافة مثاليا، وقالت: "هناك وضع صحفيون تحت حماية الشرطة، لأنهم تناولوا الجريمة المنظمة".

تقول أوربانيك: "بصفة عامة يمكن القول إن مناخ عمل الصحفيين عرف تدهورا في جميع أنحاء العالم". وتضيف: "نحن نتحدث الآن عن مناخ الخوف. الملفت للنظر بشكل خاص هو التحريض اللفظي المتزايد ضد الصحفيين، وهي ظاهرة عالمية، ولكنها ازدادت بشكل خاص في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية".

وتأثرت حرية الصحافة حتى بأزمة جائحة فيروس كورونا، إذ زاد قمع الصحفيين ووسائل الإعلام، وفرضت دول رقابة واسعة على وسائل الإعلام، وحتى في بعض الدول الأوربية .

ويكشف الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار أن بعض الحكومات تستغل أزمة كورونا من أجل فرض تدابير تجعل من العمل الصحفي صعبا، في وقت أصبح فيه من المستحيل حصول احتجاجات أو اعتراضات عليها بسبب انشغال الجميع بالجائحة، حيث أن الوباء هو "فرصة للدول الأسوأ تقييما في التصنيف لتطبيق عقيدة الصدمة"، موضحا أنها "تستغل ذهول الجمهور وضعف التعبئة لفرض تدابير يستحيل اعتمادها في الأوقات العادية"، وفق ديلوار.

وأشار مؤشر حرية الصحافة لعام 2020 الذي نشرته "مرسلون بلا حدود" في نيسان/ ابريل الماضي إلى أن العقد المقبل سيكون حاسما لمستقبل الصحافة حيث تعصف بها عدة أزمات في مقدمتها تزايد عدوانية الأنظمة الاستبدادية والسياسيات القمعية، وأخرى تتعلق بنقص الضمانات لتطبيق الديمقراطية، ناهيك عن بث الكراهية تجاه وسائل الإعلام، وأزمات اقتصادية حيث تعاني المؤسسات الصحفية حول العالم من ضائقة مالية، وبشكل مقلق الصحافة الورقية.