نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا لـ"كوللام لينتش" تساءل فيه عن سبب اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المواجهة مع منظمة الصحة العالمية وليس التعاون، في ظل تعرض البلاد لاجتياح من فيروس كورونا المستجد.
ويتتبع المقال الذي ترجمته "عربي21" أبرز محطات سجال ترامب وإدارته بهذا الخصوص على الساحة الدولية، بل وداخليا في أروقة الكونغرس، فيما يبدو أنها محاولة للانتقال من مربع الدفاع عن موقفه الضعيف في مواجهة الجائحة، إلى مربع الهجوم على الصين، عبر اختزال الأزمة بتقصير أو "انحياز" منظمة الصحة العالمية، والتركيز على ضرورة إشراك تايوان فيها، وإجراء تحقيقات مستقلة بشأن عملها، وغيرها من أوراق الضغط والتشويش.
ويبدأ الكاتب مقاله بالإشارة إلى حديث مصادر دبلوماسية عن سعي إدارة ترامب الحصول على دعم حلفائها لإعادة موقع تايوان كعضو مراقب في منظمة الصحة العالمية، بشكل يفتح المجال أمام مواجهة مع الصين.
وتحاول أمريكا واليابان إقناع دول توافقها الرأي مثل ألمانيا وفرنسا وأستراليا وبريطانيا، التوقيع على رسالة ترفع إلى مدير المنظمة، تيدروس أدانوم غيبريسيوس، تطالبه باستضافة وفد من تايوان في مجلس الصحة العالمية، وهو الهيئة الرسمية للمنظمة الذي يتوقع أن يجتمع عن بعد في أيار/مايو.
ويعلق الكاتب على الخطوة بالقول إن حظوظها ضعيفة جدا، لحساسية تايوان لدى الصين، التي تراها إقليما متمردا، ومن المحتمل أن ترد بكين على أي تحرك سواء من رئيس المنظمة الأممية أو أي دولة تريد إشراك تايوان ككيان مستقل.
إلا أن المبادرة تكشف عن تركيز إدارة ترامب على مواجهة الصين، المنافس الجيوسياسي لأمريكا، وليس على البحث عن طرق للتعاون معها لمواجهة فيروس كورونا.
ويشير لينتش إلى وجود دعم قوي لتايوان من عدة دول، ومشاركة هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 24 مليون نسمة في مناقشات منظمة الصحة. ولكن البعض في واشنطن يخشى من رد الصين على أي محاولة لمنح تايوان عضوية كاملة، ويرى النقاد أنها محاولة لمواصلة مواجهة الصين ومنظمة الصحة وحرف النظر عن الفشل الأمريكي في مكافحة كوفيد-19.
وتقول الباحثة الألمانية في العلوم السياسية بمعهد الخريجين للدراسات الدولية والدبلوماسية بجنيف، إيلونا كيكبتش: "إنها دبلوماسية مدمرة ولن تضر فقط ببيروقراطية لا وجه لها".
وقالت كيكبتش التي عملت سابقا في منظمة الصحة العالمية إن هجوم الولايات المتحدة على وكالة الصحة العالمية قد نفر الحلفاء منها. "لقد انتهى الأمر، لقد تخلت الولايات المتحدة عن قيادتها ولم يعد الناس يثقون بهم".
وتقوم مقامرة أمريكا على فحص إرادة تيدروس والمنظمة الدولية لمواجهة الصين التي تقول أمريكا إنها أخفت معلومات عن انتشار الفيروس وأسكتت طبيبا حذر منه وفرضت حالة إغلاق تعسفية لم يشهد العالم مثلها وبدون نقد من الوكالة الدولية لكل هذا.
وفي الواقع فقد أبدا تيدروس ومسؤولو المنظمة مديحا متحفظا لمواجهة الصين التعسفية للوباء وقالوا إنه نموذج للعالم، في لغة حاكت لغة المسؤولين الصينيين، بحسب الكاتب.
في المقابل، لم يكن لدى الولايات المتحدة الكثير لإظهاره حول مواجهة الفيروس، وواجهت معارضة قوية من حلفائها ومنافسيها في أي محاولة للوم الصين على انتشار الفيروس. إلا أن الدبلوماسيين الأمريكيين في نيويورك وواشنطن وجنيف بذلوا في الشهر الماضي جهودا كبيرة تهدف لتحميل الصين مسؤولية فيروس كورونا والتركيز على غياب النقد من منظمة الصحة العالمية.
وكرر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الإدارة تقوم بمراجعة رد المنظمة على الوباء واتخاذ قرار حول استمرار التمويل الأمريكي لها، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مشارك فيها.
إلا أن الولايات المتحدة تواجه مشاكل لمراجعة أولية لدور المنظمة في مكافحة الفيروس بحسب المقال. وفي 29 نيسان/إبريل وزعت الولايات المتحدة مقترحا "للبدء مباشرة في تقييم مستقل للخبراء وبالتشاور مع الدول الأعضاء والنظر في الدروس التي تم تعلمها من رد منظمة الصحة العالمية المنسقة على كوفيد-19".
وتدعو المبادرة المشار إليها لتقييم دقة التنسيق ورد الدول الأعضاء في المنظمة. وفي الوقت الذي انتقد فيه حلفاء أمريكا ميل المنظمة للصين إلا أنهم أثنوا على الدور الفعال الذي لعبته في توفير النصيحة وأجهزة الفحص للدول الأعضاء وأن قطع الدعم عنها وسط وباء عام يعد تصرفا متهورا ويؤثر على كل جهودها لمكافحة أمراض معدية أخرى مثل شلل الأطفال وأتش أي في/إيدز.
ودعمت أستراليا في البداية الموقف الأمريكي للتحقيق، لكنها عبرت هذا الأسبوع في اجتماع مغلق أنها مستعدة للانتظار حتى نهاية الأزمة وبعدها يتم التحقيق، فيما دعم ممثلون عن حكومات آسيا وأفريقيا وأوروبا الأمين العام للمنظمة تيدروس ودعوا لدعم الجهود التي تقوم بها المنظمة وسط أسوأ كارثة تمر على العالم.
اقرأ أيضا: كاتب بريطاني: هل تحل الصين مكان الإسلام كعدو للغرب؟
وفي أثناء جلسة مع الدول الأعضاء عقدها تيدروس في 16 نيسان/إبريل وجد السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في جنيف أندروز برميبيرغ نفسه في موقف الدفاع حيث أكدت دول من أسيا وأفريقيا وحتى كندا والسويد ثقتها بما يقوم به تيدروس. وعبرت فرنسا عن الأسف لقيام أمريكا بسحب الدعم عن منظمة الصحة العالمية.
وقال برميبيرغ آنذاك إن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون في مكافحة الفيروس إلا أنه اتهم الصين بأنها لم تكن شفافة وسريعة ودقيقة في مشاركة المعلومات. وأكد أن قطع الدعم المالي عن المنظمة لم يكن هجوما شخصيا بل لأنها فشلت بإظهار استقلالية كاملة، بحسبه.
وفي المقابل، سكت السفير عن فكرة إجراء تحقيق مستقل، وهو ما يطالب به أعضاء مجلس الشيوخ، لكنه يقوم بجهود صامتة لإقناع الدول أن التحقيق يمكن تنظيمه بدون الإضرار بعمل المنظمة.
وعادة ما تجري هذه تحقيقات في طريقة الاستجابة، كما حدث مع وباء إيبولا، لكن بعد نهاية الأزمة. ودعا رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون لتحقيق دولي مستقر في الرد على الوباء واقترح إرسال مشرفين صحيين دوليين على شكل المفتشين الدوليين للأسلحة الممنوعة.
ولا يعرف إن كانت واشنطن ستوافق على مقترح موريسون لأنه سيعرضها للإحراج خاصة أنها أصبحت مركز الوباء وبوفيات فاقت ضحايا الحرب الأمريكية في فيتنام.
بدورها، ردت الصين أنها لن تدعم تحقيقا كهذا وقالت إن أستراليا تعرض نفسها لـ"المقاطعة"، ولهذا أبدت كانبيرا موقفا باردا من المقترح الأمريكي بعد ذلك.
وقدم الاتحاد الأوروبي تسوية تدعو للتحقيق في الدروس والفجوات التي شابت المرحلة الأولى من التعامل مع الفيروس. وقال دبلوماسي إن تحقيقا سيجري ولكن ليس كما تريده أمريكا، مشيرا أن واشنطن لم تحقق أي تقدم في دعوتها للتحقيق.
وفي واشنطن، دعا الجمهوريون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، فيما وزع "بريت أودونيل" الخبير الاستراتيجي الجمهوري، ملفا من 57 صفحة، دعا فيه المرشحين لتحميل الصين المسؤولية في الحملات الانتخابية لعام 2020. واحتوى الملف على بند يدعو لاستهداف منظمة الصحة العالمية وأنها قامت بدعم وتشجيع محاولات الصين الهروب وقدمت تغطية- ولعبوا دور الوصيف للحزب الشيوعي الصيني.
وفي المقابل أبدى قادة جمهوريون بارزون عدم ارتياح من خنق تمويل المنظمة وسط وباء عام. وفي 16 نيسان/إبريل عبر السناتور عن ميسوري روي بلانت في حديث إذاعي عن أمله بعدم اتخاذ ترامب قرار قطع المعونات للمنظمة.
كما هاجم النواب الديمقراطيون ترامب وقالوا إن هجومه على منظمة الصحة العالمية هي محاولة لحرف النظر عن فشله في مكافحة الفيروس.
وتعرضت المنظمة التي أنشئت عام 1948 لتنسيق الرد العالمي ضد الأوبئة خلال مسيرتها لانتقادات، لكن ترامب وحلفاءه استخدموا تغريدة من المنظمة في 14 كانون الثاني/يناير عن عدم وجود أدلة لانتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، ولكنها عدلت موقفها لاحقا.
وبدأ هجوم البيت الأبيض على المنظمة في نيسان/أبريل عندما كان ترامب يواجه انتقادات حادة لطريقة رده على الفيروس وتحولت أمريكا إلى بؤرته الأولى. وقال المسؤولون إن المنظمة تجاهلت تحذيرا من تايوان في 31 كانون الأول/ديسمبر قالت فيه إن الفيروس ينتقل من إنسان إلى إنسان.
وأعلن ترامب في 8 نيسان/إبريل عن تفكيره بقطع الدعم عنها، وهاجمها لانتقادها منع السفر إلى الصين، مع أنها لم تنتقد بكين التي فرضت إجراءات تعسفية في ولاية هوبي مركز الفيروس.
وفي 14 نيسان/أبريل اتخذ ترامب قراره الذي أشفعه بالقول إن بلاده تقوم بمراجعة في طريقة رد منظمة الصحة على الفيروس. ورد تيدروس وفريقه بحملة للدفاع عن المنظمة وقدموا بيانات ومعلومات للدول وعبر مؤتمراتهم الصحفية.
ونفى تيدروس في الأسبوع الماضي أن منظمته تلقت تحذيرا من تايوان، وحذر قادة العالم من استخدام الوباء لتصفية حسابات سياسية.
رغم كل ذلك، واصلت الولايات المتحدة جهودها لتحميل الصين المسؤولية، ووقفت ضد أي محاولة تظهر منظمة الصحة العالمية بصورة إيجابية. وفي بداية الشهر وقفت أمريكا أمام قرارات في مجلس الأمن تتعلق باليمن وليبيا وأصرت على الإشارة إلى كورونا بـ"فيروس ووهان" ولكن الدبلوماسيين أقنعوها أن الصين ستصوت ضد أي محاولة لاتهامها بالمسؤولية عن انتشاره. وبغض النظر عن دقة الوصف من عدمه، فمن الأفضل التوصل لتسوية مع بكين في نهاية المطاف، بحسب الكاتب.
لوموند: كورونا هاجم بشكل خطير أسس النظام الدولي
NYT: هكذا دفعت بريطانيا للصين 20 مليونا مقابل فحوصات لا تعمل
فورين أفيرز: هل انتصر الرئيس الصيني في أزمة كورونا؟