تناولت مجلة "فورين بوليسي" حلم ولي العهد السعودي محمد بن
سلمان بإنشاء مدينة "نيوم" المستقبلية، مسلطة الضوء على ما يرافق المشروع
من تدمير السلطات لقبيلة الحويطات ذات الامتداد التاريخي، وملابسات مقتل الناشط
عبد الرحيم الحويطي.
ونبه كاتبا المقال المديرة التنفيذية السابقة لقسم
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومان رايتس ووتش، سارة ليه ويتسون، والعالم
القانوني والزميل في جامعة جورج تاون، عبدالله العودة إلى ما جاء ببيان الحكومة،
بعدما قتلت القوات السعودية الخاصة الحويطي في 13 نيسان/أبريل ، من أنه كان
"شخصا مطلوبا"، وكان قبل قتله
بساعات نشر فيديو متوقعا ذلك.
وقال الحويطي في الفيديو الذي نشره بأن الحكومة ستصور قتله
على أنه مكافحة للإرهاب، ولكنه في الواقع عقوبة له لأنه احتج على جهود الحكومة اقتلاع
قبيلته، قبيلة الحويطات، من أرضهم لبناء مدينة نيوم المستقبلية.
وعاشت القبيلة على مدى مئات السنين في القرى والبلدات
بما فيها عاصمة تاريخية هي الخريبة، في أنحاء مختلفة من منطقة تبوك. والآن تريد الحكومة
تهجير 20 ألف شخص لإفساح المجال لمدينة نيوم.
اقرأ أيضا: لوموند: مدينة ابن سلمان "نيوم" ليست حلم كل السعوديين
في 2017، أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان
عن رؤيته لإنشاء مدينة أحلام مستقبلية عالية التقنية تكلف 500 مليار دولار للسياح من
أنحاء العالم وحيث تستوعب الشركات الناشئة والمستثمرين الأثرياء.
ومن المخطط
أن تكون مساحتها 10230 ميل مربع – أي ما يساوي 33 مرة مساحة مدينة نيويورك وتشكل حجر
الزاوية في رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد السعودية بعيدا عن الاعتماد على النفط.
ويعد المسؤولون بأن يكون في المدينة عدد من الروبوتات
أكثر من البشر مع وجود كاميرات مراقبة تتعرف على الوجوه للقضاء على الجريمة، وطائرات
درون تعمل كتاكسي بدلا من الشوارع ومنتجعا بحريا فاخرا وسفنا سياحية ومجمعا لوسائل
الترفيه.
وستكون مدينة
نيوم شبه دولة مستقلة لها قوانينها الخاصة. ولا يمكن لقبيلة الحويطات أن تشكل جزءا
من هذا المركز العالمي. ولذلك تعرض عليهم الحكومة أن تعوضهم كي يغادروا بيوتهم وأراضيهم.
ولكن الأمور لم تجر كما كان مخططا، فمقتل الحويطي
هذا الشهر، وأساليب الحكومة في الضغط على قبيلة الحويطات للقبول بشروط الاقتلاع، ليس
سوى صورة مصغرة عما هو خطأ في حاكم البلد المتهور والقاسي، بحسب وصف المجلة
الأمريكية.
وتشير إلى أن أهالي القبيلة واجهوا محاولات
إجبارهم على مغادرة أراضي أجدادهم (حيث عاشوا مئات السنين قبل أن تقوم السعودية
عام 1932) باحتجاجات استمرت على مدار الثلاثة الأشهر الماضية، اعتقلت خلالها السلطات
ما لا يقل عن 10 أشخاص، فيما فر بعضا منهم من البلاد.
وتعاملت الحكومة مع مواطنيها كأنهم أشياء قابلة للتخلص
منها واستبدالها بمستوطنين عالميين جدد، بدلا من استشارة المجتمع المحلي والسعي لاستيعابه
في الخطط الطموحة للمنطقة.
وتقول المجلة: "هذا ما يحصل عندما يعلن حاكم
بلطجي أنه هو وحده من يقرر مستقبل بلد، ويقدم له الاستشارة والمساعدة مستشارون أمريكيون
تدفع لهم رواتب باهظة على بعد آلاف الأميال، بينما المواطنون السعوديون الذين يبدون
آراءهم وخاصة الناقدة فيتم إهمالهم أو اسكاتهم أو سجنهم أو قتلهم".
اقرأ أيضا: عشرات السعوديين يشيعون "الحويطي".. وحضور أمني (شاهد)
وترى بأن الظروف المحيطة بمقتل الحويطي تحتاج إلى
التحقيق فيها، وبيان الحكومة يثير أسئلة أكثر مما يجيب عنها.
وفي التفاصيل، تنقل المجلة عن السكان المحليين
إفادتهم بأن السلطات ببلدية تبوك، التي تشرف على البرنامج الوطني للتنمية المجتمعية،
بدأت بإصدار أوامر مصادرة ممتلكات منذ بداية كانون ثاني/ يناير دون أن تقدم للسكان
سوى وعودا مبهمة بإسكانهم بشقق مؤقتة وتعويضهم بمبالغ لم يتم تحديدها.
وقال السكان: "إنه لا يوجد عملية قضائية للنظر
في معارضة قبيلتهم للمشروع ولا اقتلاعهم قسريا ولا شروط التعويض". وقالت مصادر محلية إن "أكثرية أعضاء القبيلة
رفضوا العرض"، وأصبح الناشط الحويطي الوجه
العام للاستياء.
وفي شهر
كانون ثاني/ يناير كان الحويطي جزءا من مجموعة محلية قابلت ممثل الحكومة بهدف
التعبير عن رفض التعويض واقتلاع القبيلة.
وفي 12 نيسان/أبريل،
قبل يوم من قتله، قام الحويطي بنشر فيديو على يوتيوب، على قناته الخاصة، يظهر ملكيته
للأرض. وفي فيديو آخر نشره في ذلك اليوم قال إنه هو وغيره من قبيلته يريدون البقاء
في أراضيهم التاريخية ويشاركون في بناء نيوم.
لكن بيان الحكومة لم يأت على ذكر هذا الخلاف، وادعى
بأن الحويطي كان مسلحا وأنه أطلق النار على قوات الأمن وأنه لم يكن أمامهم خيار سوى
الرد عليه وقتله. وكما توقع الحويطي ادعى البيان بأن الجنود عثروا على مخزون من الأسلحة
في بيته.
أما الشهود، بحسب المجلة الأمريكية، فإنهم يشككون بالرواية الرسمية، وقالوا إن
الحويطي قال للشرطة في 12 نيسان/ أبريل إنه لن يترك بيته، وقام بتصوير الشرطة الذين
جاءوا لقياس أرضه وبيته بالإكراه.
وحسب السكان، عندما وصلت القوات الخاصة في مدرعات
قاموا بمحاصرة بيته، وبدأوا بإطلاق النار، وحينها فقط قام بالرد على النار.
وعقب مقتل الحويطي، أطلق عليه رواد مواقع التواصل
الاجتماعي في الخارج "شهيد نيوم"، وشبهوا عملية قتله بعملية قتل الصحافي
المعارض المشهور، جمال خاشقجي. وباعتبار فقدان مصداقية الحكومة فيما يتعلق بقضية خاشقجي
فإن من غير المحتمل أن يصدق الشعب في السعودية أو خارجها رواية الحكومة الأخيرة،
بحسب ما قالت المجلة.
وتشير المجلة إلى أن القانون الدولي يوفر معايير
أساسية حول كيف يمكن لأي حكومة أن تحترم حقوق المجتمعات المحلية خلال عملية إنشاء
مشاريع ضخمة تتطلب الاستيلاء على أراضي المجتمعات المحلية، لكن الحكومة السعودية
فشلت في تطبيق الحد الأدنى من تلك المعايير المتعلقة بمتى وكيف يمكن للدول أن تصادر
الممتلكات.
اقرأ أيضا: WSJ: خطة ابن سلمان في "نيوم" تصطدم بأبناء الحويطات
وتقول: "لا يوجد دليل على أن طرد قبيلة الحويطات
كان هو الحل الأخير كما يقتضي القانون، كما أنه ليس هناك عملية عادلة لتحديد ما إذا
كانت الحكومة عرضت تعويضا كافيا لأراضيهم وممتلكاتهم".
ويضاف لذلك أنه "لا يوجد في السعودية قانون
أراضي، كما أن قانون مصادرة العقارات، لا يتضمن قواعد حول إعادة تسكين وتعويض الذين
يخسرون أراضي بسبب المشاريع التطويرية".
وفشلت الحكومة بشكل واضح في استشارة المجتمع المدني
والمجتمعات المتأثرة بالمشروع. وبدلا من ذلك قال برنامج التنمية المجتمعي الوطني بأنه
سيتم تعويض السكان بشكل عادل، وسيمكنهم الاستفادة من برنامج دعم اجتماعي واقتصادي ويمكنهم
مشاركة "تعليقاتهم وتساؤلاتهم" في المراكز المحلية.
كما أنه لم يوجد دليل يشير إلى أن الحكومة درست كيف
يمكن لمدينة نيوم أن تؤثر على حقوق الإنسان ولا آثارها البيئية على قبيلة الحويطات.
كما لم يؤخذ بعين الاعتبار التأثير على المناخ الذي ستتسبب به مدينة نيوم التي ستستهلك
كما ضخما من الطاقة. والنتيجة كما هو متوقع "صراع والآن عنف".
كذلك، لا يوجد إشارة إذا ما كان مشروع نيوم قابل
للتطبيق، حين النظر إلى الانهيار المالي العالمي بسبب فيروس كورونا، والديون السعودية
المتزايدة مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى أسعار تاريخيا، إنه "أمر مشكوك فيه جدا"،
على حد قول المجلة.
واعتبرت أن النتيجة الوحيدة لحد الآن للمدينة المستقبلية
هو "الدمار الموعود لمجتمع تاريخي ووفاة محتج سعودي باستخدام وسائل بدائية دون
ترك مجال للمفهوم الحديث للحقوق والعدالة".
WSJ: خطة ابن سلمان في "نيوم" تصطدم بأبناء الحويطات
التايمز: كيف يؤثر قتل الحويطي على مشروع نيوم لابن سلمان
وول ستريت: السعودية تزيد إنتاجها النفطي ولا مشترين