نشرت
صحيفة "الغارديان" مقالا لأستاذة الصحة العامة في جامعة إمبيريال كوليج
في لندن لهيلين وارد، قالت فيه إنه في أواسط شهر شباط/ فبراير قال لها زميل إنه شعر
لأول مرة بالخوف على أمه التي لم تكن مبالية بمخاطر كوفيد-19. وكان شعورا غريبا
بالنسبة له أن يقول لأمه "كوني حذرة". مضيفة في المقال الذي ترجمته
"عربي21": كلانا أستاذ في الجامعة في قسم الأمراض الوبائية المعدية، وكنا
قلقين".
تقول
وارد: "بعد شهرين، لم يذهب ذلك القلق، ولكن أضيف إليه شعور بالحزن. فأصبح
واضحا الآن أن الكثير من الناس ماتوا، والكثير لا يزالون مرضى، ببساطة لأن سياسيينا
رفضوا الاستماع إلى النصح والعمل به. وكان العلماء مثلنا قد أشاروا على الحكومة أن
تغلق في وقت أبكر، وقلنا إن عليكم القيام بالفحص والتتبع والحجر، لكنهم قرروا أنهم
يعرفون أكثر منا".
وتساءلت:
هل أنا غير منصفة فيما أقول؟ الحكومة تطمئننا بأن قراراتها وتوقيتها مبني على
العلم، وكأنها هي غير منحازة، وإنما تقوم بعملية موضوعية مبنية على مجموعة من
التعليمات المحددة. ولكن في الواقع إن العلم المحيط بفيروس كورونا لا يزال حديثا، ويتطور يوميا، حيث يقوم الباحثون في أنحاء العالم بمحاولة فهم كيفية انتشاره، وكيف
يتجاوب الجسم معه، وكيف يمكن علاجه والسيطرة عليه.
إن
السرعة التي نمت فيها المعلومات لدينا مبهرة؛ من التعرف على خارطة الفيروس الجينية
في شهر كانون ثان/ يناير إلى تقديم تطعيمات محتملة في أوائل شهر شباط/ فبراير، كما تقول وارد. وتضيف أنه يتم تحسين النماذج الرياضية للتنبؤ بمدى وسرعة التفشي، وتقدير
أثر أساليب السيطرة.
وتتابع: "تدرس مجموعتي رد فعل المجتمعات، حيث تظهر كيف
تضخم الجائحة الفروق الاجتماعية القائمة. فالأشخاص الذين لديهم دخل أقل للعائلة
هم الأقل احتمالا، وليس الأقل استعدادا، أن يعملوا من البيت أو أن يعزلوا أنفسه".
وتستدرك
قائلة إنه بينما يقوم العلماء بدراساتهم وتجاربهم وفحوصاتهم، وتكرار الفحوص، واكتشاف
معرفة جديدة، فإن وظيفة صناع القرار التصرف بناء على أفضل الأدلة المتوفرة. وفي
سياق تهديد يتنامى بسرعة كبيرة، هذا يعني الاستماع للخبراء المجربين في التجاوب مع
أوبئة سابقة.
وتؤكد
أنه عندما أقول إن السياسيين "رفضوا الاستماع"، أشير إلى النصائح
والتوصيات القادمة من منظمة الصحة العالمية ومن الصين ومن إيطاليا. والنصائح الواردة
من منظمة الصحة العالمية، التي تقوم على خبرة عقود، وكانت مقبولة على نطاق واسع بين
المشرفين على الصحة العامة والعلماء في أنحاء العالم، كانت واضحة، حيث استخدموا كل
الأدوات الممكنة لمنع انتقال العدوى؛ وذلك يعني فحص وحجر الحالات، وتقصي وحجر
الأشخاص المتصلين بالمصابين، وتعزيز الجهود بخصوص النظافة".
وكان
أداء المملكة المتحدة جيدا في المرحلة الأولى، ولكن وفي 12 آذار/ مارس، أقلقت
الحكومة خبراء الصحة العامة، عندما تخلت عن سياسة الاحتواء، وأعلنت بأن عملية البحث
عن حالات الإصابة وتقصي المتصلين سيتوقف. حيث لم يعد الهدف هو منع إصابة الناس
بالعدوى، ولكن هو إبطاء الانتشار مع حماية ضعيفي المناعة.
وتظهر
الأدلة التي قام عليها قرار الحكومة في تقرير في 9 آذار/ مارس، يختصر الأثر
المتوقع للتدخل الاجتماعي وفي التصرفات. ولم يأخذ التقرير بالحسبان أثر إيجاد
حالات الإصابة وتقصي المتصلين بالمصابين، ولكنه اقترح أن أكبر أثر على حالات
الإصابة والوفيات سيأتي من التباعد الاجتماعي وحماية المجموعات ذات المناعة
الضعيفة. ومع ذلك لم تتم
التوصية بالتباعد الاجتماعي وقتها. وفي ذلك اليوم، 12 آذار/ مارس، بعد سماع إعلان
الحكومة الذي لا يصدق، والذي لم يتضمن التباعد الاجتماعي على نطاق واسع، اقترحت على
فريقي في الجامعة العمل من البيت إلى إشعار آخر. وفي الواقع لم أعد إلى مكتبي منذ ذلك التاريخ.
وفي
ذلك الأسبوع، لم تتبع الحكومة لا النصائح ولا العلم. ونشر زملائي بقيادة نيل
فيرغيسون تقريرا في 16 آذار/ مارس، حيث قدروا أنه من دون كبح قوي للمرض، فإنه يتوقع
وفاة 250 ألف شخص في المملكة المتحدة. وردت الحكومة في ذلك اليوم باقتراح التباعد
الاجتماعي، وتجنب البارات، والعمل من البيت إن أمكن. ولكن لم يكن هناك فرض للتباعد
الاجتماعي، وترك الأمر للأشخاص وأرباب العمل لتقرير ماذا يفعلون. كان الكثير من
الناس مستعدين، ولكنهم غير قادرين على الالتزام كما أظهرنا في تقرير لنا في 20
آذار/ مارس. ولم يكن حتى 23 آذار/ مارس عندما أعلنت الحكومة إغلاقا أكثر صرامة، وتم إعلان حزمة المساعدات الاقتصادية.
وما
بين 12 و 23 آذار/ مارس، أصيب عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من الناس. وقد
يكون بوريس جونسون نفسه أصيب في ذلك الأسبوع، وكان يمكن تجنب علاجه في وحدة
الرعاية المكثفة لو انتقلت الحكومة إلى العمل عن بعد في 12 آذار/ مارس. والتقدير
الحالي الأفضل هو أن حوالي 1% من المصابين بالفيروس سوف يموتون.
فأين
نذهب الآن؟ مرة أخرى، الخبرة في الصحة العامة، بما في ذلك النماذج، تؤدي إلى
توصيات واضحة. أولا، يجب إيجاد الحالات في المجتمع وفي المستشفيات ودور العجزة، وعزل تلك الحالات وتقصي المتصلين بهم باستخدام الفرق الصحية المحلية والأدوات
الرقمية.
وثانيا،
يجب التعرف على الوباء. ويجب تقصيه على مستوى البلد وعلى المستوى المحلي، الخدمات
الطبية الوطنية، والصحة العامة، والرقابة الرقمية للبحث عن أماكن استمرار الانتشار.
وهذا سيكون ضروريا حتى نستطيع بدء رفع الإغلاق، بينما نحمي المجتمع من مناطق
العدوى. وزيادة تحمل المجتمعات عن طريق تقديم الدعم المحلي للمتأثرين بالفيروس
وبالآثار السلبية للإغلاق.
وثالثا،
ضمان كبح التفشي في المستشفيات ودور العجزة وأماكن العمل؛ من خلال توفير معدات
الوقاية الصحيحة، والفحص، والتباعد، والنظافة، والتحقق من الآثار المختلفة على السود
والأقليات الإثنية، وتوفير الحماية اللازمة.
ورابعا،
التأكد من حماية الأكثر عرضة، اجتماعيا وطبيا، حماية تامة من خلال الحصول على دخل
أساسي، وحقوق للمهاجرين، وسلامة المتأثرين بالعنف المنزلي.
ويقول
الكثيرون، بمن فيهم زعيم حزب العمال، كير ستارمر، إن الآن ليس هو وقت اللوم. تجيبه
هارد: أنا لا أبحث عن اللوم، ولكن عن التدقيق، حتى نستطيع تعلم الدروس لتوجيه
تجاوبنا. نحتاج إلى تجنب أخطاء أخرى، وللتأكد من أن الحكومة تسمع وتتصرف بناء على
أفضل النصائح.
اقرأ أيضا: "العمال البريطاني" يدعو لوضع خطة خروج من "عزل كورونا"
"الغارديان" تحذر من انتشار كورونا وتدعو الحكومة للتحرك
ديلي تيليغراف: هذه أبرز صلاحيات حكومة جونسون لحصر كورونا
إندبندنت: مسلمو بريطانيا هم الأكثر تضررا من كورونا.. لماذا؟