يبدو أن كثيرين اليوم أصيبوا
بحالة من الهلع والرعب من جائحة
كورونا. البعض خائف على نفسه من الموت، وكثيرون خائفون
من الفقر، أو من فقد أحبائهم، أو من الجريمة، أو من سواها من التغيرات. حتى كاتب
هذه السطور يجد صعوبة في النوم. ربما مشكلتي خاصة جدا، إذ أنني أشعر بحاجتي لفعل
شيء لأجل مساعدة الناس، فيما أجد نفسي عاجزا.. وهذا يؤرقني.
بغض النظر عن الأسباب، فقد تعاملت خلال حياتي
العملية كطبيب معالج للسرطان مع مئات العائلات التي أصيب أطفالها بالسرطان، وعايشت
الأزمة التي يمرون بها، وتلهفهم لكل كلمة يقولها الطبيب؛ تماما كما يجلس الملايين
اليوم كي يستمعوا لما يمكن أن يقوله وزير الصحة أو رئيس الدولة أو غيرهم.
كنت أقول للوالدين أنا أعلم أن ما حصل في
بيتكم زلزال، لكن لأنه لم يحدث في أي بيت آخر، فسيصعب على الآخرين فهم ما جرى.
اليوم أصيبت حياتنا بزلزال، وبسبب البعد
الاجتماعي قد نحسّ أنه أصابنا وحدنا، لكنه في الحقيقة أصاب العالم أجمع، وذلك يجعل
الأمر أسهل كثيرا.. صدقوني.
كنت أقول للوالدين إن هناك حالات أصعب كثيرا
من حالة ابنهم أو ابنتهم. كنت أفعل ذلك بطريقة خاصة تبعث الطمأنينة في نفوسهم. كنت
أقول لهم: تذكروا عائلات سوريا التي كانت تنام وهي تخشى سقوط برميل متفجر على
بيتها في الليل. هل تظنون أن ما تمرون به من رعب يعادل ذلك؟
كنت أقول للوالدين حين نبدأ الحديث عن فرص
الشفاء، والبعض يصمم على معرفة النسبة بدقة، أقول: إن الغيب صندوق مغلق، وكل من
يحاول النظر فيه يُتعب نفسه ومن حوله، وأقول كذلك إن محاولة استقراء نهاية الجائحة
أمر متعب، فلا يعلم ذلك إلا الله، وعلينا أن نتوكل عليه، ونحن على ثقة بأن رحمة
الله وسعت كل شيء.
جاءني صديق مع زوجته منذ سنوات؛ يسيطر عليها
هاجس إصابتها بالسرطان، وبلغ الهاجس حد اليقين، وعندها أعراض بسيطة لأمور نشعر بها
جميعا، إلا أنها بالنسبة لها دليل قاطع على إصابتها بالمرض. سألتها: لو كنتِ حقا
مصابة بالسرطان فما الذي سيحدث؟ قالت سأموت، قلت لها: لكنك حتما ستموتين وسأموت
أنا، فهل أنت فعلا خائفة من ذلك؟ لا أعلم كيف تسرّبت الطمأنينة إلى نفسها بعد
كلماتي، وقد أخبرني زوجها أنها تحسنت كثيرا بعد تلك الجلسة.
لعلنا في حاجة لمصارحة الذات: هل نحن حقا
خائفون من الموت؟ الموت هو الحقيقة الوحيدة التي نعلم أنها ستشملنا في المستقبل،
ونحن جميعا نعيش ونحن ندرك هذه الحقيقة، فلم
الخوف؟!
هل تخافون الفقر؟ الدمار الاقتصادي نتيجة الجائحة؟
أنا أخاف ذلك، وعندي شركتان ستفلسان بسبب الجائحة، لكني أعتقد أننا سنستفيد من هذه
الجائحة، فالنظام الرأسمالي الربوي الذي يحكم العالم هو فقاعة كبيرة تضخّم ثروات
البعض على حساب البعض الآخر. هل يعقل أن برميلا من النفط يفوق بسعره تنكة من زيت
الزيتون؟ هل يعقل أن يقضي الموظف عمره وهو يعمل لشراء بيت بالأقساط بضعف الثمن،
حيث يكون نصف ما يدفع ربحا للبنوك؟ أعتقد أن النظام الاقتصادي سينهار سريعا بفعل
كورونا، والأمل أن يحلّ مكانه نظام لا ربوي.
الشعوب التي لن تشعر بالفاقة هي التي ستتكافل
مع بعضها وتوجه قدراتها لاستصلاح الأراضي الزراعية والعناية بالصناعة المحلية،
وتقليل الاعتماد الأبله على الاستيراد، وتقليل شراء الكماليات.
تُظهر الأقمار الصناعية منظرا آخر للأرض.. سحب
من الدخان تنقشع.. طبقة الأوزون تلتئم. وفي الشوارع والأنهار تعود الطبيعة لتمتد
من جديد. كل ما صنعه الإنسان من خراب قد يبدأ مسيرة الإصلاح بعد كورونا.
أتذكّر هنا ما كان يقوله دائما أجدادنا: اللي
من عند الله.. حياه الله.