بعد استهداف متكرر للقواعد العسكرية والبعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة في العراق، طالت هجمات صاروخية، الاثنين، شركات نفطية أمريكية في البصرة جنوب البلاد، الأمر الذي وصفه مراقبون بـ"التطور الخطير".
الهجمات الصاروخية التي لم تسفر عن خسائر بشرية أو مادية، جاءت في ظل أوضاع معقدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني يمر بها العراق، ما دفع قوى سياسية شيعية ممثلة لأغلب الفصائل المسلحة إلى إدانتها، ووصفها بأنها أعمال "تخريبية".
إدانة القوى الشيعية أثارت تساؤلات حول الجهات التي تقف وراء الضربات، وفيما إذا كانت بداية فصل جديد لاستهداف المصالح الأمريكية، وتحديدا شركات النفط، أم أنها محاولة لجر واشنطن للرد؛ بغية إرباك تشكيل حكومة عدنان الزرفي؟
"مؤشرات خطيرة"
المحلل السياسي غانم العابد، قال في حديث لـ"عربي21" إن "الضربة الصاروخية ليست كبيرة، لكن مؤشراتها خطيرة جدا، وهو أن السلطة بيد السلاح المنفلت، وأن الحكومة مهما أصدرت من بيانات تعقب أو ملاحقة، فهي غير قادرة على كبح جماح هذه الفصائل".
وأضاف أن "الضربة أشّرت ضعف الحكومة العراقية؛ إذ إنه رغم وجود حظر للتجوال، وتواجد كثيف للقوات الأمنية في الشارع، تمكنت هذه المجاميع من نقل الصواريخ وقواعدها، وإيجاد منطقة ملائمة لإطلاقها".
وأكد العابد أن "تبعات الضربة لن تؤثر على الناحية الأمنية فقط، وإنما على الجانب الاقتصادي للبلد؛ لأن هذه الشركات جاءت باتفاقيات مع الحكومة، ويعمل فيها الكثير من العراقيين، وأن انسحابها يؤثر بالضرورة على فرص العمل والإنتاج النفطي، ويعطي رسالة بأن بيئة العراق غير جاذبة للاستثمار".
اقرأ أيضا: نواب يتوقعون فوز حكومة الزرفي بالأغلبية الأسبوع المقبل
من له المصلحة؟
وبخصوص تبرؤ تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري من هذه الضربة، رأى العابد أن "الفتح ليس بإمكانه التنصل عن مسؤولية ما تقوم به هذه الفصائل، ولا أعتقد أنها تنفذ هجمات دون تفاهمات أو ضوء أخضر، لأن من له مصلحة في إرباك الوضع هي إيران ومعسكرها بالعراق، والموضوع متعلق بشكل أو بآخر في تسمية رئيس للحكومة".
وأوضح أن "المعسكر الإيراني متمسك بقوة بشخص عادل عبد المهدي مهما طرحت من أسماء، سواء كان رئيس الحكومة المكلف عدنان الزرفي أو البديل مصطفى الكاظمي، والدليل بيان كتائب حزب الله، التي أعلنت عدم رضها عن الاثنين الأخيرين، بمعنى أنها تدعم بقاء رئيس الوزراء المستقيل".
وأكد العابد أن "البلد يعيش في فوضى حقيقية، لدينا ثلاث جهات تسعى إلى تسمية رئيس وزراء وفقا لمواصفاتها، وهي: الشارع الشعبي، والفصائل المسلحة، والكتل السياسية المتخبطة، وبالتالي أصبح لدينا ثلاث شخصيات متداولة، هي الإبقاء على عبد المهدي، وتمرير الزرفي، والإتيان بالكاظمي بديلا".
"رسالة لواشنطن"
من جهته، رأى الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز "التفكير السياسي"، في حديث لـ"عربي21"، أن "الضربات تؤشر على قدرة وإمكانية هذه المجاميع للوصول إلى مناطق استهداف جديدة بعيدة عن العاصمة بغداد، أو المناطق السابقة مثل قاعدة عين الأسد بالأنبار".
وأعرب عن اعتقاده بأن "هذه المجاميع تريد إيصال رسالة إلى واشنطن، مفادها أنها متواجدة، ولديها انتشار واسع، وأنها مثلما هي قادرة على خلق الارتباك في المشهد السياسي، فإن لديها القدرة أيضا على تعطيل جانب اقتصادي مهم، والذي تمثله البصرة بصفتها منفذا مهما للإنتاج النفطي".
ولفت الشمري إلى أن "الحكومة عاجزة عن السيطرة على هذه المجاميع، أو تخشى التحرك ضدها، وأن الأخيرة لديها القدرة على إرباك الوضع السياسي في البلد، دون قدرة الحكومة على صدها".
اقرأ أيضا: هجوم صاروخي بالبصرة العراقية على شركات نفط بينها أمريكية
"تخادم رسمي"
وفي السياق ذاته، قال هشام الهاشمي، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، إن "بيان تحالف الفتح اليوم الذي استنكر استهداف المنشآت النفطية العراقية في البصرة، يؤكد أن المؤسسات الأمنية العراقية عاجزة عن أن تشكل ردعا وتهديدا وجوديا لخلايا الكاتيوشا السائبة المعرفة لديهم، وأن قيادات الفتح وفصائلها هي الوحيدة القادرة على ردع وضبط استهتار خلايا الكاتيوشا".
الهاشمي أوضح في سلسلة تغريدات على "تويتر" أن "خلايا الكاتيوشا تعتمد على أساليب وطرق في تنظيمها وتسليحها، مشابهة لتكتيكات المجاميع الخاصة التي ظهرت في الفترة بين 2007 و2011 بمنهجية حرب العصابات، والتي تعتمد على غطاء من التخادم الأمني الرسمي، وخفة الحركة والتنقل، وحرية نقل الأسلحة والمعدات العسكرية، مع إمكانيات اقتصادية عالية، ووثائق رسمية".
وأشار إلى أن "هذه الخلايا لديها إمكانيات إعلامية أخذت بالنمو والتحسن، وخبرات عسكرية جاءت نتيجة تجارب سابقة أو تدريبات حصلت عليها في معسكرات خارج العراق، بهدف الظهور المفاجئ في الزمان والمكان غير المتوقعين للعدو، مـع إمكانية العمل بشكل مفارز صغيرة، والتعايش على البقاء في بيئة حاضنة لمدة طويلة".
ورأى الهاشمي أن "ظهور وانتشار خلايا الكاتيوشا تحت عناوين وأسماء جديدة لم تعرف ضمن خريطة الفصائل المسلحة العراقية من قبل إلا في شهر آذار/ مارس 2020 أصبح واحدا من الملامح الحادة والمحرجة للفصائل الولائية (تدين بالولاء للمرشح الإيراني علي خامنئي) الكبيرة، وكذلك لأجنحتها السياسية التي تقود وزارات ومؤسسات ولجانا هامة في الحكومة والبرلمان".
ولفت إلى أن "هذا الإحراج والتهديد يتوقع أن يصبح مصدرا وسببا في تهديد أمن قيادات تلك الفصائل الكبيرة واستقرار مكاسبها الاقتصادية والسياسية لفترة طويلة قادمة، إذ وضح أنه لا يمكن ردع أو تحجيم خلايا الكاتيوشا بسهولة، إلا بثمن التصادم الذي قد يسبب تمردا غير محدود".
"عمليات تخريبية"
بدوره، عبر تحالف "الفتح" في بيان وصل لـ"عربي21" نسخة منه، الاثنين، عن قلقه وامتعاضه من استهداف المنشآت النفطية في محافظة البصرة، داعيا الأجهزة الأمنية والجهات المختصة إلى اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الشركات العاملة.
وقال التحالف في بيان: "تابعنا بقلق بالغ وامتعاض شديد الأخبار التي تحدثت عن قيام مجموعة تخريبية باستهداف منشآتنا النفطية عبر استهدافها إحدى الشركات العاملة في منطقة البرجسية بالبصرة".
ووصف "الفتح" هذه الأعمال بأنها "إجرامية" و"تخريبية"، ومن شأنها التسبب بـ"أضرار فادحة" بالاقتصاد العراقي، و"تدمير ممنهج" لخطط التنمية وتطوير الصناعة النفطية.
ودعا البيان الأجهزة الأمنية والجهات المختصة إلى "اتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الشركات العاملة، وتوفير بيئة آمنة لتطوير هذا القطاع المهم والحساس، ومتابعة هذه المجاميع التخريبية، التي تهدف إلى الإضرار بالعراق، وإنزال أقصى العقوبات بهم".
اقرأ أيضا: تحوّل مفاجئ.. إيران تدعم مرشحا رفضته لرئاسة حكومة العراق
تحوّل مفاجئ.. إيران تدعم مرشحا رفضته لرئاسة حكومة العراق
الزرفي يتحدى إيران.. ماذا يحصل إذا قبل برلمان العراق حكومته؟
خاص: الزرفي يحاول كسب تأييد إيران لتشكيل حكومة العراق