منذ تفشي جائحة كورونا في أوروبا بدأت تعلو أصوات
منتقدة للاتحاد، ومتهمة اياه بالتقصير في دعم بعض الدول كإيطاليا وصربيا..
وجاء عدد من هذه الأصوات المنتقدة على لسان
مسؤولين سياسيين، حيث حذر رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الاتحاد الأوروبي من
أنه "قد يفقد سبب وجوده" في حال ارتكابه "خيارات مأساوية" في
مكافحة فيروس كورونا، وتنبأ بحالة كساد غير متوقعة قد تغرق أوروبا.
وكشف كونتي عن أنه خلال اجتماع المجلس الأوروبي
الخميس، حصلت مواجهات "شديدة وصريحة" مع المستشارة الألمانية أنغيلا
ميركل، لأن بلاده تعيش أزمة أسفرت عن عدد كبير من الضحايا، وتسببت في ركود اقتصادي
شديد.
بدوره قال الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، إن الاتحاد الأوروبي لم يقدم المساعدة في ما يتعلق باحتواء فيروس كورونا ومنع انتشاره،
ووصف التعاون الأوروبي بأنه "حبر على ورق".
وتزامنت هذه التصريحات مع حدوث قرصنة لبعض
شحنات الأقنعة الواقية، حيث صادرت السلطات التشيكية شحنة أقنعة كانت في طريقها إلى
إيطاليا قادمة من الصين، لمساعدتها في تجاوز أزمة فيروس كورونا التي استفحل
انتشارها في البلاد.
إعادة النظر بالمنظومة الصحية
وأثارت هذه الأحداث تساؤلات عن مدى تأثير جائحة
كورونا على تماسك ووحدة الاتحاد الأوروبي، وما إذا كانت ستساهم في تفكيكه.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة
الأردنية حسن البراري، أن جائحة كورونا طرحت سؤالا صعبا على كل دول العالم وليس
فقط بلدان الاتحاد الأوروبي حول مسألة المساعدات والوحدة.
وأضاف البراري لـ"عربي21":
"بتقديري عدم تقديم المساعدة جاء بسبب تفشي الوباء في دول الاتحاد الكبرى
أيضا، بمعنى أن السبب خلوها من الفيروس والبخل في مساعدة إيطاليا، بل إنها بالكاد
تكفي نفسها".
وأشار إلى أن جائحة كورونا فاجأت النظام الصحي
العالمي كاملا، وأظهرت عيوبه وافتقاره للقدرات اللازمة لمواجهة الفيروس.
وتابع البراري: "لكن من المبكر القول إن
جائحة كورونا ستعصف بالاتحاد الأوروبي، وأعتقد أنه بعد انحسار سيعيد النظر في ملف
التعاون الصحي بين بلدانه".
وشبه الحديث عن أن جائحة كورونا ستقضي على وحدة
الاتحاد الأوروبي بـ"الرومانسيات والحديث غير الواقعي"، لأن هذه الدول "بينها
مصالح مشتركة، وبينها اعتمادية متبادلة لا تتوقف على ملف أو ملفين"، وفق
قوله.
وأضاف: "أعتقد بأن جائحة كورونا لن تعصف
بوحدة الاتحاد الأوروبي، بقدر ما ستؤدي به لإعادة النظر بالمنظومة الصحية وطريقة
التعامل مع أي وباء قد يحدث في قادم الأيام".
النزعات الفردية
وحول احتمالية تنامي النزعة الفردية بين دول
الاتحاد الأوروبي، قال البراري: "لن نرى نزعة فردية، بل على العكس برأيي هذه
الدول ستصل لنتيجة بأن هناك حاجة لجهد دولي لمقاومة أي وباء قد يتفشى في العالم،
خاصة أن الأمراض التي تنتقل بالعدوى ستهدد جميع الدول، بالتالي هناك حاجة لإيجاد
آلية لتبادل المعلومات، لأنه من المعروف أنه تم اتهام الصين بالتكتم وهذا صحيح
فهي تكتمت في البداية".
وأضاف: "بالتالي فإنه في تقديري هنالك قراءات متسرعة
للأحداث، فنعم العولمة دخلت غرفة الإنعاش حيث أغلقت الدول حدودها وزادت من الرقابة
لكن بتقديري هو إجراء مؤقت إلى أن يخرج العالم من هذه الجائحة".
ولفت إلى أن "النزعة الفردية السياسية موجودة
حتى قبل جائحة كورونا، فمثلا بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي وأمريكا خرجت من
كثير من الاتفاقيات الدولية، وبالتالي فهي موجودة حاليا".
وأردف: "لكن هل سيسرع كورونا هذه النزعة
الفردية؟ أرى أنه من المبكر الاجابة عن هذا السؤال، لكن ربما زاد هذا الوباء في فهم العالم أن التصدي له ليست مسؤولية دولة وحدها بل مسؤولية المجتمع الدولي،
وهذا يحتم على صناع القرار أن يكون هناك مزيد من التنسيق وأن هناك حاجة لأن يفكر
العالم بطريقة مختلفة، بمعنى أنه سيكون هناك حاجة لتبادل المعلومات الاستخبارية كما
يحدث في الحرب على الإرهاب".
إرباك كبير
بدوره أشار الخبير في الشؤون الدولية، حسام
شاكر، إلى أن جائحة كورونا كانت تجربة غير مسبوقة، وتسببت في إرباك كبير على مستوى
الدول والأقاليم الأوروبية.
وأوضح شاكر في حديث لـ"عربي21"، أن
منطق التعامل مع الجائحة في مرحلتها الأولى اعتمد على العزل وفصل المناطق عن
بعضها، وهذا عطل جانبا مهما من الوحدة الأوروبية القائم على التواصل والانفتاح
وإزالة الحدود، وهذا الأمر له أثر نفسي كبير.
وأضاف: "الدول الأوروبية تعاملت بأساليب
مختلفة مع الجائحة لعدة اعتبارات، مثل مستوى تفشي الوباء أو الخشية على الصحة أكثر
من الاقتصاد أو العكس أو لمقاربات متعجلة في التعامل مع هذه الجائحة غير المسبوقة،
وهذا أظهر أن دول الاتحاد غير متساوية في منطق تعاملها مع الوباء، بمعنى أن كل دولة
تعاملت معه بشكل منفرد واضطرت للعمل دون وجود مساندة كافية من الدول الأخرى".
وأردف: "لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن
كل الدول كانت معرضة للجائحة، بالتالي يصعب القول إنه كان ممكنا تقديم مساعدة خاصة
لدولة معينة لأن الكل كان يشعر أنه تحت ضغط هذا الوباء الذي لم تكن الدول مهيأة
له بشكل كاف".
وتساءل: "هل هذا سيضعف الوحدة الأوربية؟ في
تقديري سوف يكون له آثر عميق جدا على مشاعر الناس وتفكيرهم في بعض المناطق في
المرحلة الأولى، خاصة حول جدوى الوحدة لأن بعضهم استشعر بأن الاتحاد الأوروبي لم
يقف بجانبهم".
وأكمل شاكر: "لكن في تقديري بالمرحلة
اللاحقة ستتضخم هذه المشاعر وسوف تستفيد منها القوى المعارضة للوحدة الأوروبية مثل
تيارات أقصى اليمين والقومية، وستزيد الشعور بأن علينا أن نتدبر أمرنا بمعزل عن
بقية الدول الأوروبية، وبالفعل بدأت تنطلق بعض الأصوات والحملات الناقمة على
الاتحاد وتحميله المسؤولية وكأنه خذل دولة أو أخرى وهذا واضح بشكل جلي في إيطاليا".
وأضاف: "لكن في الوقت ذاته ستكتشف الحكومات
المعنية والاقتصاديون أن الاتحاد مطلوب في المرحلة اللاحقة أي بعد احتواء الفيروس
لإنقاذ اقتصادات منهارة، وسيكون ذلك تحديدا في البلدان التي تتوقع دعما أوروبيا،
لكن في المقابل سيكون هناك ثمة مشكلة في البلدان التي واجهت صعوبات".
وعبر عن تصوره بأنه "في الأمد القريب لن
تؤثر جائحة كورونا على وحدة الاتحاد الأوروبي، لكن إن أخفق أعضاؤه في التوافق على
خطة إنقاذ اقتصادي أو احتواء لمضاعفات الانهيارات الاقتصادية بعد انقضاء موسم
كورونا، فسيؤدي ذلك إلى ارتدادات شاقة جدا على تماسك الاتحاد، لانتفاء ما قد تبدو
للدول جدوى اقتصادية منه".
وخلص إلى القول: "أتوقّع أن تتصاعد مظاهر
التمرد على الاتحاد من جانب بعض الدول الأعضاء، وأن يوضع الاتحاد في بؤرة النقد
اللاذع من سياسيين شعبويين، لكن مع البقاء داخل الاتحاد، يوجد احتمال قائم
لمراجعة أنظمة الوحدة تحت عنوان إصلاح الاتحاد الأوروبي مثلا، وهذا مطلب تتبناه بعض
القيادات في أوروبا منذ مدة أساسا".
الانفتاح على روسيا والصين
وفي ذروة انتشار جائحة كورونا في أوروبا، قدمت
الصين وروسيا مساعدات لعدد من الدول منها إيطاليا وصربيا، بالمقابل أمريكا لم تقدم
لها الكثير، فهل سيؤدي ذلك لتقارب أوروبي روسي صيني أكثر، مع تباعد أوروبي أمريكي؟
ورأى المحلل السياسي البراري، أنه لن يكون هناك
تقارب بين بعض الدول الأوروبية وبين الصين وروسيا بالمعنى الجيوسياسي، مضيفا أنه "سيكون هناك انفتاح في العلاقات، على الرغم من أن البعض يريد من هذه الجائحة
قلب التحالفات الدولية، لكن في الواقع هذه التحالفات مرتبطة بتاريخ وتهديدات
استراتيجية جيوسياسية ولا علاقة للوباء بها".
وأوضح أن هذه الدول تعلم أنه لا غنى لها عن
توحدها أو عن الولايات المتحدة، حيث لا يمكن لروسيا مساعدة دول الاتحاد الأوروبي
بالمعنى الاستراتيجي، فهي دولة ضعيف، فحجم اقتصادها يساوي اقتصاد إسبانيا، ولا
الصين يمكن أن تحل محل أمريكا خاصة أن هناك صراعا بين الشرق والغرب.
وأضاف: "هناك بعد آخر يمنع هذا التقارب
وهو أن هذه الدول ضاربة عبر التاريخ وعاقلة وهي تتعامل مع هذه الأزمة بانفتاح على
الجميع بما يساعدها على الخروج منها، ولكن في الحسابات الاستراتيجية والجيوسياسية فإن العلاقة الأوروبية الداخلية أو مع واشنطن لن تتفتت، فكلفة انفكاك هذه الدول
وانفتاحها على الصين وروسيا بشكل كامل باهظة جدا".
100 ألف إصابة بأقل من شهر.. كيف اجتاح "كورونا" أمريكا؟
إصابات كورونا تتخطى حاجز نصف مليون.. أمريكا تتصدر القائمة
كيف التزم المصريون بقرارات غلق المحلات التجارية؟ (صور)