باحث سياسي، زميل في مركز الدراسات الشرق أوسطية- جامعة هارفارد
تقترب
الانتخابات الإسرائيلية من موعد إجرائها يوم الاثنين (2 آذار/ مارس)، لتكون الانتخابات الثالثة في غضون أقل من سنة. ولا شك في أن وضعا كهذا يدل على عدم الاستقرار السياسي.
والنظام الانتخابي النسبي في إسرائيل تُعتبر فيه كل القرى والمدن منطقة انتخابية واحدة، وكل حزب يتجاوز نسبة الحسم والتي تساوي 3.25 في المئة من الأصوات الصحيحة، يحصل على ممثلين في الكنيست.
هذا المقال يسعى لوضع صورة كلية عن الحالة السياسية في المؤسسة الإسرائيلية، الواقع السياسي والسيناريوهات الممكنة بعد الانتخابات القريبة.
الحالة السياسية الإسرائيلية شابها في السنة الأخيرة عدم استقرار، ويعود ذلك لانفراط عقد الحكومة الإسرائيلية الأخيرة التي قادها
نتنياهو والذي ما زال في السلطة منذ عام 2009. عدم وجود أغلبية برلمانية لنتنياهو كان لخروج حزب "إسرائيل بيتنا" من الائتلاف الحكومي لنتنياهو، ورفضه الانضمام بعدها لأي ائتلاف آخر مع المتدينين اليهود، والذين برأيه يزيدون العبء السياسي في إسرائيل من خلال عدم انضمام أعداد كبيرة منهم للجيش الإسرائيلي. وتقوم الأحزاب الدينية من "شاس" و"يهودوت هتوراه" بمساندتهم بذلك والمساهمة في تشريعات لصالحهم.
كل ذلك، مع الحالة السياسية والأمنية خصوصاً على حدود غزة، وعدم استطاعة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ووزراء الدفاع المتعاقبين من توفير الأمن والهدوء للإسرائيليين، إضافة لاتهام نتنياهو بقضايا فساد، أدى بالحالة السياسية الإسرائيلية للتململ ومحاولة الخروج من حالة القائد الأوحد الذي جسدّه نتنياهو في العشرية الأخيرة.
الواقع السياسي الإسرائيلي المركّب هذا، ترافق مع نزعة يمينية متصاعدة في صفوف الإسرائيليين. هذا لا يعني أن اليسار الإسرائيلي أقل "حرصاً" على "المصلحة" الإسرائيلية ليؤيده الناس، ولكن اليمين الإسرائيلي يقوم بخطوات متسارعة في قضم الحقوق الفلسطينية وبشكل عدواني واضح وبتحريض على العرب والفلسطينيين (ولربما هذا جيد لإظهار الطبيعة الحقيقية للاحتلال). كما أنه لا يمكن التغاضي عن أن اليمين التقليدي الإسرائيلي هو يمين "أرض إسرائيل الكاملة" واليسار مع تحصيل أكثر ما يمكن من "أرض إسرائيل" (ووجود اختلافات أخرى لا يمكن التفصيل بها هنا، ولكن هذه الاختلافات تقلّصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة لصالح التوجه اليمين). السياسة الإسرائيلية، والتي كما أشرت انزاحت أكثر نحو اليمين حتى بتنا لا نستطيع التحدث عن يسار إسرائيلي، ستجُر إسرائيل لدولة أبارتهايد، ففكرة إسرائيل الكاملة وعدم إعطاء أي حق معقول للفلسطينيين يجعلنا في هذا الواقع من الفصل العنصري.
بالعودة للحلبة السياسية الإسرائيلية، فإن الواقع السياسي الذي عايشته المؤسسة الإسرائيلية في نهاية عام 2018، أدى لأن يحاول بيني غانتس ائتلافه الذي أطلق عليه "أزرق أبيض" (بالعبرية: كحول لافان) طرح بديل لنتنياهو، وخصوصا لأن للرجل خلفية عسكرية في قيادة رئاسة الأركان الإسرائيلية. طرح البديل لم يكن لنهج نتنياهو السياسي وأيديولوجيته، فغانتس بدأ دعايته الانتخابية عام 2019 بالتفاخر بعدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتلهم في غزة، كما أنه سياسياً، لأسباب أيديولوجية ومصالح انتخابية، يقع في يمين الخطاب السياسي الإسرائيلي، فهو بالتالي غير مختلف عن نتنياهو من جهة المواقف، بل إنه كذلك أيّد خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، لكن بنفس الوقت هو أقل حدة في مسألة تحجيم الحيز الليبرالي في إسرائيل.
إذاً غانتس جاء ليستبدل نتنياهو، ولكن مشروعه السياسي الأساسي في القضايا المركزية وخصوصاً المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لا يختلف عن نتنياهو، على الأقل وفقاً للتصريحات، وبات برنامج غانتس استبدال شخص نتنياهو مستفيداً من ملفات الفساد ضد الأخير، وارتهان نتنياهو للقوى الحريدية المتدينية (في سياق صراع المتدينيين العلمانيين في إسرائيل) والذي يتم استغلاله دائماً لأغراض انتخابية بدون رؤية وإيمان عميق بتوجه واضح للتعامل معه، والمزاودة في التعامل الأمني مع أهلنا في غزة، وكل ذلك تم استغلاله في الدعاية الانتخابية في الفترات الانتخابية الأخيرة.
الانتخابات القريبة والتي هي الأخرى تتمحور حول مع بقاء نتنياهو أو ضده، ستكون كذلك غير محسومة، فكما كان في الانتخابات السابقة والتي لم تؤد نتائجها لتشكيل حكومة، وذلك بالأساس لرفض ليبرمان الانضمام لنتنياهو والمتحالفين معه من الأحزاب المتدينة، والصهيونية الاستيطانية، في مسعى من ليبرمان لتثبيت نفسه كصاحب قرار سياسي في إسرائيل وفي مسعى منه لإخراج نتنياهو من دائرة السلطة ليتقدم هو خطوات في هذا الاتجاه، وبنفس الوقت لم يستطع دعم غانتس الذي لا يملك أغلبية ائتلاف "يهودي". كل ذلك جعل الحلبة السياسية الإسرائيلية تتأرجح، طبعاً ترافق ذلك مع محاولة تشكيل حكومة "ائتلاف وطني" إسرائيلي بين حزب أزق أبيض والليكود ولكن هذا لم ينجح، بسبب معضلة نتنياهو ودوره السياسي المقبل مع ملفات الفساد التي سيحاكم وفقها.
الانتخابات القريبة والتي وفقاً لاستطلاعات الرأي تُعيد الحلبة السياسية الإسرائيلية لمكانها، من حيث عدم وجود أغلبية واضحة لنتاياهو وكذلك هو الوضع لجانتس، لتزداد حدة المنافسة وتؤدي بكل تيار بأن يقوم بحملة قوية لزيادة حظوظه. ولكن وفقاً للاستطلاعات الأحدث فأن نتنياهو بات أقرب لـ60 مقعد من جانتس، وهو، أي نتنياهو، قد استخدم أوراقاً سياسية كثيرة في مسعى منه لحسم المعركة لصالحه، فخوّف من العرب وبنفس الوقت توجه لهم، وغازل اليمين الاستيطاني واعطى الوعودات المختلفة، كل ذلك في سبيل أن يستطيع الوصول ل 60 مقعد من دون أي مبدئية واضحة.
السيناريوهات الممكنة بعد الانتخابات الثالثة هي: حكومة يقودها نتنياهو إذا ما استطاع الحصول مع ائتلافه (من دون ليبرمان بالطبع) على 61 مقعدا، وهذا أمر صعب على الأقل وفق استطلاعات الرأي، مع أن حظوظ نتنياهو تتزايد في الأيام الأخيرة وتياره يزداد قوة.
الإمكانية الأخرى هي حكومة أقلية يقودها غانتس بدعم خارجي من القائمة المشتركة وليبرمان، وهذا كذلك صعب لعدم رغبة هذه الأطراف أن تكون معاً وعدم توافقها السياسي (وخطورة ذلك، في ما يخص إمكانية دعم القائمة المشتركة، تتمثل بكسر حاجز لطالما حافظت عليه الأحزاب العربية بعدم دعم حكومة صهيونية، وكذلك سيكون له تأثير على هوية الفلسطينيين في الداخل وانتمائهم).
الاحتمال الثالث هو حكومة ائتلاف وطني. وهنا يكمن السؤال: ماذا سيكون دور نتنياهو؟ وهل سيخسر حزب أزرق أبيض كل ما حاول بناءه شعبياً من أجل سنتين في الحكم، ولربما لن يعود بعدها للسلطة لانعدام الثقة به إذا ما تحالف مع نتنياهو (ناهيك عن إمكانية تراجعه لعدم وجود أيديولوجية ورؤية سياسية خاصة به)؟ فحكومة ائتلاف وطني كهذه يمكن أن تكون ممكنة إذا ما تنازل نتنياهو عن دوره في رئاسة الوزراء، وهذا ليس سهلاً.
الاحتمال الرابع هو كسر أحد الشخصين لائتلاف الآخر وضم شخصيات منه لصفوفه ليشكّل حكومة وفقاً لذلك.
والاحتمال الخامس هو أن يقرر ليبرمان تأييد أحد الشخصين ممن لديه حظوظ أكبر.
أخيراً، يمكن أن تستمر حالة انسداد الأفق السياسي ليكون احتمال انتخابات رابعة، ولكن حالة كهذه سيئة للإسرائيليين والوضع الاقتصادي، وتعزز من عدم الثقة في شكل النظام السياسي في إسرائيل وفي الأحزاب الإسرائيلية ومسؤولياتها..
الانتخابات باتت قريبة، والنتائج والفوارق بين الخطاب السياسي قبل الانتخابات وبعده ستحدد شكل الوضع السياسي الإسرائيلي المقبل!