رغم نجاح مجامع استيلاب الوعي المعولمة في احتكار الفضائيات الرقمية وأدوات الميديا الجديدة، وما صاحبهما من انزياح بيّن نحو تفشي ظاهرة سلعنة المضامين الإعلامية الموجّهة إلى الطفل، ينبري التحدي مطلوبا لتحييد مجال صناعة كتاب أدب الطفل عن هذا المستنقع "الليبيرالي"، على أمل توجيهه نحو مربعات صناعة القيمة، بما يضمن صون منظومتيِ الجودة والإبداع الفكريّيْن.
عربيا، ورغم سبق التجربة المصريّة وريادتها، في نقل أدب الطفل إلى مجال الثقافة العربية الإسلامية، منذ نهاية القرن الـ19 مع جيل الترجمة الممثّل في رفاعة رفعة الطهطاوي وأحمد بلال، مرورا بجيل البواكير (الشبعان والعريان) ووصولا إلى ما سمّي بجيل الإبداع الممثّل في كامل كيلاني، فإنّ كل هذه الخمائر المؤسسة لم تفلح في نحت تجربة عربية فعلية، وفق كثيرين، تراعي المعطى الحضاري، وتتجاوز الإنتاج المناسباتي الهش، المرتبط أساسا بالجوائز والمسابقات الموسميّة.
تونسيا، وعلى أهميّة المضامين الأدبية الموجهة إلى الطفل، والتي عرفت النور منذ ستينيات القرن الماضي، فإن التحدّي الأكبر، وفق الدكتور لطفي الحجلاوي، الخبير في أدب الطفل، يبقى متمثلا في سبل تركيز آليات رقابة فعلية أو منظومة مواثيق نشْرٍ أخلاقية وقانونية، تضمن تجويد المضامين الأدبية المنشورة وتسمح بمتابعة المخلين بجودة العملية الإنتاجية في صورة الإخلال أو التقصير، وتقيّد دور النشر بضرورة الاحتكام إلى لجان قراءة ومراجعة متخصصة ومستقلة ترجع إليها الكلمة الفصل في تقييم المضمون الموجه إلى الطفل.
من الأقلام النسائيّة الجادّة والمتميّزة التي أثرت مكتبة أدب الطفل التونسيّة بأكثر من 17 إصدارا، صدر منها 4 بداية 2017، و4 نهاية 2017، أعيد طبعها جميعا سنتي 2018 ثمّ وبدعم من الصندوق الوطني للتشجيع على الإبداع أصدرت نهاية 2019، 9 قصص تنضاف إلى الثمانية السابقة، وهي تعيد الآن طبع 17 عنوانا طبعة ثالثة: نجيبة بوغندة، أستاذ أول في اللغة والآداب والحضارة العربية وباحثة في مجال الأدب، والتي عملت كتاباتها على نحت كيان الطفل، من خلال العمل على تنمية ذائقته الجمالية وتطوير حسّه الإبداعي وفتح بصيرته على عوالم تمهّد لقبول الآخر وبناء ثقافة الاختلاف لديه.
اجتهاد الروائية نجيبة بوغندة، صاحبة المجموعتين القصصيتين "سأكتفي بك حلما" و"حديث وسط السكون" ورواية "اللاجئة"، في تثوير البناء القصصي المبني على تنمية ثقافة الاختلاف والتنوّع لدى الناشئة، في إصداراتها الأخيرة عن دار "يس"، والارتفاع المتواصل لمعدّلات الجريمة لدى الأطفال في تونس، وآخرها ما تمّ تسجيله من حدوث ثلاث حالات انتحار، في مدرسة ريفية نائية بمدينة سيدي بوزيد، في مدة لا تتجاوز الشهر الواحد، دافع مهم لتعيد "عربي 21"، طرح سؤال التربية ما قبل التمدرس ومكانة كتاب الطفل في منظومة التربية ما بعد الرابع عشر من جانفي 2011، واستفسار القاصّة بوغندة عمّا أحدثته فراغات عصر الميديا لدى الناشئة، خاصّة وهي المشتغلة على هذا الحقل بحثا وممارسة بوصفها مربية ومساعد بيداغوجي بالمدارس الابتدائية التونسية. كما يستفسر التقرير عن التحديات العملية التي تحول دون تطوير الكتابة الموجّهة إلى الطفل واستثمارها للحد من منسوب العنف المسجل لدى هذه الشريحة العمريّة.
س ـ مرحبا بالكاتبة والقاصة نجيبة بوغندة، دعينا نبدأ من حيث بدايتك مع الكتابة..
ـ ركّزت الدولة التونسية، في بداية الاستقلال، اهتمامها بالتعليم، ولعلّ المطالعة من بين أهمّ الجسور التي اعتنت بالطفل وساهمت في اطلاع النشء على الثقافات الأخرى، من خلال ترجمات القصص العالمية والاقتباس، ولعلّي من ذاك الجيل الذي استفاد من الكتاب ونحت فيّ شخصية اليوم، وقد ظهر أثر ذلك من خلال مادة الإنشاء التي كنت أوظّف فيها مطالعاتي وتجد استحسانا من معلميّ وجعلتني متميزة في ذلك المنحى وهو ما جعلني إلى اليوم أقفو أثر الكتاب، مما جعل الحلم لا يغادرني لإشباع رغبتي من عالم أعشقه، وها أني باحثة في ذات المجال الذي أحببته وكرعت منه ككل أبناء جيلي. ولكنّ بداياتي الفعلية انطلقت سنة 2014 حين أصدرت أول مجموعة قصصية تلت ثانية فرواية.
س ـ طيب، أي تعريف مبسّط لأدب الطفل؟
ـ أدب الطفل مصطلح حديث، برز بروزا واضحا بعد الحرب العالمية الثانية إثر الإعلان عن حقوق الطفل الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أحد فروع الأدب عامة، وقد عُرف منذ بداية القرن 17 من خلال ترجمة بعض الأساطير في أوروبا. وقد عرف أدب الطفل تطورا بداية من القرن 19 حيث ظهرت المجلات وانتشرت الكتب الموجهة إلى الطفل، ثم تلتها برامج سمعية وأخرى بصرية تشمله.
س ـ هل من خصائص محددة تميّز أدب الطّفل عمّن سواه؟
ـ نعم، لهذه المرحلة خصائص تفرض مسايرة نمو الطفل بنواحيه الجسمية، النفسيّة، الانفعاليّة، الاجتماعية والإبداعيّة. فلو عدنا إلى القرن 18 لوجدنا الطفل قد صار له الحق في اللعب والتسلية والمطالعة، عكس ما كان عليه من قبل، حيث كان يعامل نفس معاملة الشخص الرّاشد. ويكفي التذكير هنا بالاهتمام الكبير الذي لقيه كتاب جون جاك روسو عن تربية الطفل من رواج كبير واهتمام بالغ.
في البداية، كانت الكتابة الموجهة إلى الطفل محددة الأهداف منها: اكتساب المعارف، تعلم شؤون الحياة وبناء السلوك الحسن وبالتالي اتّخذ الأدب وظيفة تعليمية تربوية. وبذلك خضعت الكتابة الموجّهة إلى هذه الفئة إلى معايير تقيّدها، كاجتناب الألفاظ الغريبة والجمل الطويلة والأساليب المجازية أو المبالغ في زركشتها وتفاصيلها.
س ـ هل من الضروري تخصيص مجال أدبي خاص بالطفل؟
ـ تنبري الحاجة الماسّة للاهتمام بأدب الطفل إلى كونه يمثّل النواة الأولى التي تؤسس لملامح رجل المستقبل وعماد مجتمع الغد، ولعلّ الكتابة له أهمّ ملمح يصقل ذوقه ويدرّبه على الاختلاف والقبول بالآخر، وبالتالي العمل جنبا إلى جنب مع من لا يشبهونه، بما يبني ويؤسس لا بما يهدم ويقوّض.
في هذا الشأن أحبّذ شخصيّا أن تكون الكتابة من قبل الطفل للطفل، حتى يكون لسان حال أنداده، يضمّنها آماله وتصوراته ويُشبعها من خيالاته. ولضمان نجاحها يمكن أن يشرف عليها كاتب يوجّهه كلما حاد أو ينمّي قدراته بطريقة غير مباشرة من أجل تجويد كتابته.
س ـ وهل لقصّة الطّفل مقوّمات تقنيّة خاصّة؟
ـ من الضروري أن تكون قصة الطفل صدى لواقعه، في جوانب من ذاك الواقع، كتجاوبها مع البرامج التعليمية ونظام المجتمع من حيث مبادئه العامة، وأن تكون بلغة تشبهه، كاُعتماد اللغة العلمية وتوظيف الخيال العلمي، مما يجعلها عاملا من عوامل النجاح دون إسقاطات أو استبلاه للطفل. وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد بقصة "هاري بوتر" التي تحولت إلى عمل مصوّر، ولاقت تفاعلا كبيرا من قبل الأطفال، فهي قد جمعت بين الخيال وأساطير الأولين من شعوذة وسحر وأطر مكانية كالأقبية والقصور وغيرها، وحتى الأطر الزمانية الأدخل في التاريخ، وبين واقع الطفل من حيث الألعاب المستعملة ومستوى التعليم الذي يظهر من خلال التجارب التي تنجز في المخابر مما يساهم أكثر في شدّ الطفل إلى متابعة القصة في مراوحة مميزة بين عالمين مختلفين وهو ما ينقص أعمالنا الموجّهة إلى الأطفال وبقينا نقلّد الغرب في جزء بسيط لا نتعدّاه إلى التحسين بحسب حاجيات طفلنا واختلاف ثقافته.
س ـ وهل نمو التعبير الفني عند الأطفال يمر بمراحل محددة، تدفع لمراعاة ذلك في كتابة القصة الموجهة إليهم؟
ـ تختلف مراحل نمو الطفل من سنة إلى أخرى، وتتحول من حسية حركية إلى ذهنية دالة على الفهم، وتتغير من المشاهدة والملاحظة إلى نص شفوي أو مكتوب في مرحلة لاحقة، ثمّ اعتماد بقية حواسه في بناء معارفه، ولعل الكتاب من أهمّ تلك الثمار التي نشعر فيها بمدى تقدّم ذلك الطفل وتحسّن آدائه ومدى إلمامه بما حوله، لتتحول في مرحلة موالية إلى اعتماد الذهن أي الفكر للتحليل والاستنتاج بعد كل قراءة لتتيسّر له إعادة بناء النصّ من جديد.
هذه التحوّلات تعضدها البرامج التعليمية وتنميها لدى الطفل في مجالات شتى ولعلّ أبرزها الكتابة في علاقة بالمطالعة.
س ـ إلى أي حد تساهم قصص الأطفال في تنمية التفكير الإبداعي عند الطفل؟
ـ تساهم قصص الأطفال في نحت كيان الطفل، فتنمي فيه الذائقة الجمالية وتطوّر فيه الحسّ الإبداعي وتفتح بصيرته على عوالم ساحرة تمهّد لقبول الآخر وبناء ثقافة الاختلاف إلى جانب تنمية الرصيد اللغوي وتحسين قدراته الكتابة، ومن المؤسف أن تظلّ الكتابة للطفل في الوطن العربي مناسباتية، مرتبطة بالمسابقات وليست فكرة مسترسلة على امتداد العام، ولعلّ ذلك يعود إلى عدة عوامل.
س ـ ما هي التحدّيات التي تجعل من الإنتاج الموجه للطفل إنتاجا مناسباتيا؟
ـ في الحقيقة هي عديدة، لعلّ أهمّها صعوبة الكتابة لهذه الشريحة الخاصة وما تتطلبه من أدوات دقيقة ومصطلحات مناسبة وحذر شديد، ثمّ غلاء تكلفة الكتاب عامة، والموجه إلى الطفل على وجه الخصوص، باعتباره يحتاج إلى مخرج من نوع خاصّ يحسن توظيب القصة: من حسن اختيار للمشاهد والألوان والحجم ونوع الخطّ وغير ذلك من الأمور. كما تجدر الإشارة إلى جشع بعض الموزعين في توظيف أداءات كبيرة على الكتاب مقابل الترويج للإصدار، قد تصل إلى نصف كلفة الكتاب. هذه المصاعب قد تكون عائقا فعليا أمام الكاتب بصفة عامة وكاتب أدب الطفل بصفة خاصة، وهو ما يدفع بعض دور النشر إلى الركون إلى ترجمة جزء من الأدب العالمي بديلا عن الخوض في عملية إنتاجيّة مكلفة، وهذا يؤدّي في نهاية المطاف إلى قتل الرغبة في البحث والتجديد.
س ـ فقط، ومن خلال تجربتك وتخصصك البحثي في مجال أدب الطفل، هل من خصائص ومميّزات معينة بوسعها تنمية ملكة الإبداع عند الطفل؟
ـ لا يمكن حصرها ولكن من المهم جدّا أن تكون الكتابة الموجّهة إلى الطفل ذات دلالة، بمعنى تعبّر عنه وعن آماله وطموحاته وتجسّد تصوراته عمّا حوله، حتى تكون أكثر جدوى وفاعلية.
س ـ لو خضنا في تاريخيّة التجربة العربيّة في مجال أدب الطفل
ـ ظهر مصطلح أدب الطفل في العالم العربي بداية من سنة 1930، من خلال الدوريات، واقتصر الأمر على الأغراض التعليمية فقط، وقد مرّ بمراحل من الترجمة والاقتباس (أحمد شوقي رغم أنّ دعوته لم تجد آذانا صاغية) فالتجريب والتأصيل. بدأ أدب الطفل موجها إلى الذكور دون الإناث والأغنياء دون الفقراء، ثم سرعان ما زالت هذه الحواجز بصدور كتاب رفاعة رفعة الطهطاوي "المرشد الأمين في تربية البنات والبنين". ثمّ تطورت التجربة مع كامل الكيلاني، الذي عالج مواضيع تهتم بروح الطفل، من ذلك مؤلفه "السندباد البحري" الذي صدر سنة 1927، والذي هدف إلى تنمية الخيال لدى الطفل والاهتمام بجانبه الروحي والوجداني. وفي العموم ظلت الكتابة للطفل مستأنسة بالتجربة الأوروبية رغم اختلاف التجربتين الثقافيتين المرتبطتين بمجتمعين متباينين، وإن كان هذا التباين يعلو حينا ويضعف أحيانا ويلتقي أحيانا أخرى.
س ـ لكن هل نأمل لأيّ استنساخ أن ينجح في بيئة غير بيئته؟
ـ في الحقيقة يصعب ذلك، فبالنظر في القصص المتأتية من البيئة الصحراوية، نجدها مختلفة عن تلك المتأتية من البيئة الحضرية، وقصص أهل الخليج غير تلك التي يكتبها أهل المغرب من حيث التوجهات العامة، وأحيانا حتى في مستوى المصطلحات المعجمية المرتبطة بالشأن اليومي، هذا حال أهل الدار، فما بالك بالاستنساخ عمّن هم من خارج الأسوار وبالتالي هذا ما يعسّر عمليّة الاستنساخ ويعدم جدواها في كثير من الأحيان.
س ـ أين تضعين التجربة التونسية في مجال أدب الطفل؟
ـ بدأ الاهتمام بأدب الطفل في تونس منذ فترة الاحتلال الفرنسي، لكنه انتعش أكثر بعد الاستقلال، فظهرت سنة 1958 نصوص محتشمة، ثم تلتها سنة 1962 نصوص محمود شعبان والبشير عطية. ثم بدأت سنة 1965 تجربة الشركة التونسية للتوزيع والدار التونسية للنشر، فبلغت الإدارات الموجهة إلى هذه الشريحة قرابة 350 عنوانا.
ومن أهم روّاد هذا المجال نذكر محيي الدين خريف ونور الدين صمود ونافلة ذهب وعمار شعابنية ومصطفى المدائني ومحمد الغزي، رغم تفاوت إصداراتهم من حيث الكمّ، وتأتي تجربة نجيبة بوغندة ضمن هذه القائمة التي تبني شعبة من شعب أهمية الكتاب في حياة الطفل.
س ـ وهل تحظى الكتابة الموجهة إلى الطفل باهتمام سلط الإشراف المعنية؟
ـ نجاح كتاب الطفل مرهون بتظافر جهود كل الأطراف المساهمة في إنتاج الكتاب، كوزارة الثقافة من خلال صندوق الدعم أو شراءات إدارة الآداب، ووزارة الشباب والطفولة ودور النشر والمطابع، وكل الفاعلين في تنشئة الطفل كوزارة المرأة ووزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية، قصد الضغط على كلفة الكتاب وتيسير حصول الطفل عليه. وقد شهدت الألفية الثالثة تراجعا للكتاب الموجه إلى الأطفال وهو ما انعكس سلبيا على المردود الإبداعي لدى الطفل ونرجو أن يستعيد عافيته مع البرامج الداعمة له كبرنامج وزارة التربية التي جعلت من 2020 سنة المطالعة في الوسط المدرسي، وهي تكاد تكون نقطة الضوء الوحيدة في مجال الدعم لهذه الوزارة رغم كونها هي الأخرى موسمية ونأمل أن تتواصل. وبالمناسبة أدعو المشرفين على القنوات التلفزية إلى تخصيص برامج حقيقية موجهة إلى الأطفال وليس برامج تافهة لا تُسمن ولا تغني من جوع ولا دور لها سوى مزيد من التهريج.
س ـ على هامش ذكرك لوسائل الإعلام، أي تأثير للميديا الجديدة ولسطوة وسائل التواصل الاجتماعي على مجال الكتابة الموجّهة للطفل؟
ـ الطفل ابن عصره، والمقولة تقول بضرورة أن نربي أبناءنا لزمن غير زمننا، ولعلّ الميديا عنصر مهمّ في تسريع نجاح الطفل على الإبداع، إذا ما رام المطالعة والكتابة، حتى يكون توظيفه لهذه الوسائل التكنولوجية توظيفا إيجابيا بعيدا عن الإزعاج وسوء الاستعمال، ولعلّ ذلك يحتاج ضرورة إلى مراقبة أولياء الأمور حتى يعبر أبناؤهم إلى برّ الأمان.
في غالب الأحيان تُوَظَّف وسائل الإعلام الحديثة كفضاءات بديلة للتسلية ومشاهدة القصص المصورة والمشاركة في الألعاب الإلكترونية، وقليلا ما يوظفها الطفل في الاطلاع على آخر المستجدات في عالم الإصدارات الموجهة إليه، وربما يقتصر استعمالها في البحوث المدرسية الجاهزة. وحتى هذه الأخيرة في أغلب الأحيان ينجزها الولي أو يستخرجها من محلات النت ولا يطّلع عليها الطفل، وبالتالي تبقى بلا فائدة ولا أثر لها في بناء المعارف أو تطوير القدرات.
س ـ ماذا عن الرقابة المضمونيّة لأدب الطفل؟
ـ أدب الطفل مكتوب من قبل الكبار، وللكبار رسائل مشفّرة يمررونها بين السطور وقد تنزاح عن المسار وتذهب بعيدا نحو التطرف ولذلك وجب مراقبة كل الأعمال وخاصة منها الموجهة إلى الطفل باعتبارها شريحة حساسة كما أنها تربة خصبة لكل زرع وبالتالي وجب الحذر وعدم السماح لكل من هبّ ودبّ بأن يكتب لهم.
س ـ لكن ماذا عن تفشي ظاهرة الانتحار عند الناشئة في الأوساط المدرسية التونسيّة، هل تعكس الظاهرة ضعف المطالعة أم غياب فاعليّة الأدب الموجّه للطفل؟
ـ فعلا، من المؤسف حقا ما تمّ تسجيله في السنوات الأخيرة، وعلى وجه الخصوص في الأسابيع الأخيرة في بعض المناطق الداخليّة، من تفشّ لظاهرة خطيرة في الأوساط المدرسية ألا وهي ظاهرة الانتحار، ويمكن أن يكون غياب الكتاب أحد أسبابها، حيث فُسح المجال للألعاب العنيفة التي ترسّخ معاني القتل والفناء، وجعل كل من حولنا أعداءً لنا وهو ما نمّى ظاهرة الانتحار بطرق مختلفة، تارة عن طريق "لعبة مريم" وتارة أخرى من خلال "لعبة الحوت الأزرق" وطورا بمشاهدة برامج هابطة تشرح طرق الانتحار أو تمرير بعض الحالات، فيقتدي بها الطفل، ظنا منه أنه بذلك سيجد عالما أكثر اتساعا بألوان طفولته الوردية، وهنا مكمن الخطر الداهم، الذي وجب التنبيه منه.
س ـ وهل يمكن فصل معوقات أدب الطفل عن معضلة الإصلاح التربوي بصفة عامّة؟
ـ أرى أنّ بناء مجتمع متوازن مرتبط ضرورة بإعادة النبض للكتاب، من خلال المطالعة والترغيب فيها، وهو لبّ الإصلاح التربوي وجعل هذه المادة قائمة بذاتها حتى تستطيع مساعدة الطفل على تحديد ملامحه الإبداعية، كما وجب الاهتمام بالكتّاب المتوجهين بأقلامهم إلى هذه الشريحة ونشر نصوصهم ضمن البرامج الرسمية ليكونوا مثالا يُحتذى به لدى الطفل وتنظيم لقاءات معهم وتقريب صورة النص من صاحبه مما يدفع إيجابا إلى النسج على المنوال.
تونس.. جدل فكري على هامش أسبوع أفلام المقاومة والتحرير
الدولة الإسلامية ونظام الحكم.. مفاهيم وتجارب