نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن المملكة العربية السعودية التي تقوم بتعديل سياستها الإقليمية أمام الانسحاب الأمريكي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهلت في 26 تشرين الأول/أكتوبر إعادة حوالي 128 يمنيّا اعتقلتهم المملكة العربية السعودية خلال تدخلها العسكري في الدولة المجاورة، إلى وطنهم.
وقبل يومين عبرت عدة حافلات سعودية الحدود مع قطر مع جماهير أرادوا حضور كأس الخليج، حيث تمكن الفريق أيضا من السفر في رحلة مباشرة، وهي الأولى بين البلدين منذ 30 شهرا. وتكتسي هذه الإيماءات الصغيرة أهمية كبيرة، حيث تشير إلى أن الرياض بصدد إعادة التفكير والنظر في استراتيجيتها.
وبينت أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طبول الحرب التي بدأت منذ مدة في الخليج الفارسي ستهدأ على الأقل. وفي هذا السياق، يشير رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، أيهم كامل إلى أنه: "كان يتعين على السعوديين تعديل خططهم، لأنه على الأرجح أن الضمانات الأمنية الأمريكية لم ترق إلى مستوى ما توقعوه. كما أنهم بصدد البحث عن سبل للحد من التوترات مع إيران والحوثيين، وحتى مع قطر".
وأوردت الصحيفة أن نقطة التحول كانت بلا شك الهجوم على اثنين من المنشآت النفطية السعودية الرئيسية في منتصف أيلول/ سبتمبر. فبين عشية وضحاها، فقدت السعودية نصف إنتاجها من النفط الخام، 5.7 ملايين برميل. وسرعان ما اتهمت الولايات المتحدة إيران، التي نفت من جهتها أي تدخل وتشير إلى مطالبة المتمردين الحوثيين في اليمن.
وأضافت أنه قبل بضعة أشهر فقط، اعترف الرئيس دونالد ترامب بأنه ألغى "في آخر لحظة" عملية انتقامية ضد الحرس الثوري الإيراني بسبب إسقاطه طائرة أمريكية دون طيار. وكان الجهاز يراقب الخليج الفارسي "لضمان حرية الملاحة" على خلفية سلسلة من عمليات تخريب ناقلات النفط على أبواب مضيق هرمز، الذي يتيح الدخول إلى تلك المياه.
وفي اليوم نفسه الذي وقع فيه تفجير محطتي بقيق وخريص النفطيين، دعا ترامب ولي العهد السعودي إلى الاهتمام بالأضرار التي لحقت به، وأخبره ابن سلمان أن المملكة مستعدة للتعامل مع هذا العدوان الإرهابي.
ومع ذلك، أصبح من الواضح أن واشنطن لن تتخذ أي إجراء بشأن هذه المسألة، وتجنبت الرياض اتهام طهران مباشرة. وقد اعتبر المتحدثون السعوديون أن ما حدث يعد بمثابة "هجوم على الاقتصاد العالمي"، مما يعني أن الاستجابة يجب أن تكون عالمية. ولكن لم يتخذ أي طرف خطوة إلى الأمام.
وأبرزت الصحيفة أن الخوف من المواجهة مع إيران وميليشياتها، يبدو أنه أثر على التحول الاستراتيجي الملحوظ. وفي الواقع، بدأت الإمارات العربية المتحدة، الحليف السعودي الرئيسي في المنطقة، تنأى بنفسها منذ أشهر عن سياسة نسبها العديد من المحللين إلى رجلها القوي محمد بن زايد. وعلى عكس الولايات المتحدة والسعودية، تجنبت الإمارات تحميل إيران مسؤولية مباشرة عن الحوادث البحرية في الربيع الماضي، وأرسلت خفر السواحل إلى طهران. وبحلول نهاية الصيف، سحبت معظم قواتها من اليمن.
وأوردت الصحيفة أن وحدة السعودية ضد إيران لها علاقة كبيرة بسياسة ترامب، التي تكمن في استراتيجية "الضغط الأقصى"، التي استقطبت كل من الحكام السعوديين والإماراتيين المتشككين، على غرار التي تتعلق الاتفاق النووي. كنتيجة لذلك، تحاول السعودية الحصول على تنازلات من طهران دون أن تبدأ حربا أخرى في الشرق الأوسط، ولكن أيضا مع الأخطاء التي ارتكبتها المملكة.
وبعد مرور شهرين على توليه السلطة في سنة 2014. وعلى الرغم من كل التوقعات، بدأ الملك سلمان سياسة أكثر نشاطا بتدخل عسكري في اليمن لوقف تقدم المتمردين الحوثيين. وبعد ذلك، لاحظ كيفية تدخل منافسة الإيراني من أجل الهيمنة في المنطقة.
وأوضحت الصحيفة أن الملك سلمان وضع نجله البالغ من العمر 29 سنة، الذي كان مقتنعا بتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة (التي كانت آنذاك تحت قيادة باراك أوباما) وكان حريصا على تأكيد ثقل بلاده في المنطقة؛ في واجهة هذه الحرب كوزير للدفاع، الذي أطلق خلال السنة الموالية برنامج إصلاح طموح.
وبعد خمس سنوات، أدت النتائج المأساوية للحرب والمقاطعة المطلقة لقطر وعملية التطهير المثيرة للجدل لرجال الأعمال والقتل المشؤوم لخاشقجي، إلى خسائر فادحة، التي شملت بالأساس الاكتتاب العام في أرامكو، شركة النفط العملاقة السعودية. وفي الوقت الراهن، تحاول السعودية تصحيح المسار، أو على الأقل التخلص من هذا العبء.
وأضافت الصحيفة أن إطلاق سراح السجناء اليمنيين ليس الإيماءة الوحيدة التي تشير إلى أن السعوديين يبحثون عن مخرج من اليمن. كما لاحظ مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، أن هناك تراجعا كبيرا في القصف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، أعرب الملك نفسه عن رغبته في أن يكون اتفاق الرياض الأخير (بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة المعترف بها دوليا) بمثابة أساس لمحادثات سلام أوسع.
وفي الوقت ذاته، أشار المحللون إلى زيارات وزير الخارجية العماني، الذي يعمل مرة أخرى كقناة اتصال مع إيران.
ونقلت الصحيفة عن المحلل في مجموعات أوراسيا أيهم كامل، أن "هذا لا يعني التطبيع التلقائي، لأنه بالكاد يمكن أن يحدث ذلك". كما أن الممالك العربية السنية، التي لا تزال تشعر بالقلق إزاء تأثير إيران الشيعية، لا تزال ترغب في الحد من النفوذ الإيراني. ومن جانبها، تواصل الولايات المتحدة تحذيرها ضد أنشطة الجمهورية الإيرانية. في المقابل، يبدو أن جيرانهم خلصوا إلى أن المواجهة النهائية ستكون أكثر ضررا بمصالحهم.
جيروزاليم بوست: هكذا يمكن تحقيق التعاون الإسرائيلي السعودي
نيويوركر: هذه قصة تبادل السجناء بين أمريكا وإيران
واشنطن بوست: لماذا تراجعت حدة المواجهة الخليجية مع إيران؟