لطالما اعتبرت مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة واحدة من أهم المدن ذات القوة الاقتصادية والتجارية، كما تشكل بلدتها القديمة نواة هذه القوة، والتي تقلصت شيئا فشيئا بفعل الاحتلال، وشكل عام 1994 منعطفا واضحا في ذلك.
فبعد مجزرة المسجد الإبراهيمي الشريف التي نفذها
المستوطن "باروخ غولدشتاين" بحق مصلي الفجر في شهر رمضان عام 1994، استغل الاحتلال الحدث لصالحه وقام بتقسيم المسجد على إثر ذلك.
وبعدها انتقل الاحتلال ليغلق
مناطق واسعة في محيط المسجد أمام حركة الفلسطينيين، بحجة تأمين عدم احتكاك المواطنين
بالمستوطنين، وهو ما تُرجم على أرض الواقع بإغلاق سوق الخضار القديم والذي كان
مركز حيوية المدينة والمحال التجارية المجاورة له.
ويقول رئيس تجمع شباب ضد الاستيطان، عيسى عمرو،
لـ"عربي21" بأن "هذا المكان لم يكن أي شخص يفوّت زيارته عند المجيء
إلى المدينة، حيث كان بمثابة مركز قوتها ويمثل نبض الحياة فيها، حيث كان يضم سوق
الخضار والجملة وجميع الأسواق الحرفية التقليدية والصناعات اليدوية التي تشتهر بها
الخليل".
اقرأ أيضا: ما الذي تفعله إسرائيل لتمزيق الخليل منذ 25 عاما؟
ويوضح بأن "منزل عائلته الذي نشأ فيه كان
لا يبعد عن هذا المكان سوى 50 مترا، وكان حين يصاحب والده إلى السوق وهو طفل كان
يمسك بيده طيلة الوقت حتى لا يضيع وسط زحام الناس، في إشارة إلى اكتظاظ المكان
دائما بالزبائن".
ويروي عمرو حكاية إغلاق المكان، حيث أن الاحتلال
أصدر بعد المجزرة على الفور قرارا يقضي بإغلاق منطقة الحسبة والأسواق المحيطة بها
لمدة ثلاثة أشهر تحول خلالها المكان إلى فارغ، وبعد ذلك سُمح للأهالي بدخول
المنطقة ليتفاجأوا بأن الاحتلال قام بتقسيمها عبر مكعبات إسمنتية إلى أجزاء توضح
أماكن تواجد الفلسطينيين والمستوطنين كل على حدة.
ويضيف: "قاموا فعليا بتقسيم المنطقة بيننا
وهي التي لم تحتو أصلا على تواجد للمستوطنين ولم يجرؤوا دخولها يوما فوجدنا أن
المجزرة بدلا من أن تُنصفنا قام الاحتلال بوسائله الخبيثة بتحويل نتائجها لصالحه".
ومع مرور الأيام أقام الاحتلال في المكان ثكنة
عسكرية بحجة حماية المستوطنين الذين يمرون ويتواجدون فيها على مدار اليوم.
ويؤكد عمرو بأن الأمر الأكثر خطورة هو أن
الاحتلال "أصدر أوامر عسكرية بإغلاق 520 محلا تجاريا في المكان، ولكن المحلات
التي أغلقت في مناطق شارع الشهداء وتل الرميدة ومحيط المسجد الإبراهيمي بسبب
سياسات الاحتلال وصلت إلى 1800 محل تجاري".
ويشير إلى أن 77 بالمئة من منطقة التسوق الكاملة
في الخليل تم إغلاقها من قبل الاحتلال سواء بأوامر عسكرية أو بسبب سياسات الإغلاق
التعسفية الهادفة إلى محو الوجود الفلسطيني في قلب المدينة.
مخطط تهويدي
وقبل عدة أيام أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية نية
الاحتلال إنشاء حي استيطاني مكان السوق القديم، حيث أصدر وزير الحرب الإسرائيلي
"نفتالي بينيت" قرارا بإخطار بلدية الخليل بالتخطيط لإقامة الحي والذي
سوف يتزامن مع هدم المحال التجارية في المكان.
ويبين عمرو بأنه ليس من الواضح كم بناية سيقوم الاحتلال
بهدمها لإقامة هذا الحي، ولكنه ينوي مبدئيا هدم بنايتين تحتوي كل منها على عشر
محلات تجارية، لافتا إلى أن ما تسرب عن تفاصيل هذا الحي هو أنه سيحتوي 17 شقة
سكنية للمستوطنين، ولكن المخطط يحتوي على أكثر من ذلك كما يبدو.
اقرأ أيضا: الكشف عن مخطط تهويدي جديد بالمسجد الإبراهيمي في الخليل
وحول أهداف إقامة الحي يؤكد بأن أبرز ما تريد قوات الاحتلال تحقيقه هو ربط الأحياء الاستيطانية المقامة في مدينة الخليل ببعضها، ومحاصرة المسجد الإبراهيمي، معتبرا أن ذلك هو اعتداء على الهوية التاريخية للبلدة القديمة وكذلك ضربة أخرى لاقتصاد الخليل.
ويتابع: "إقامة الحي الاستيطاني يؤثر على
الوضع الاقتصادي والنسيج الاجتماعي في المنطقة الجنوبية التي باتت فصولة من كل
الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية".
وبحسب عمرو فإن "إقامة الحي الاستيطاني
سيؤثر على مسجد السنية وهو واحد من ثلاثة مساجد فقط موجودة في البلدة القديمة، ولكن
مدخله أغلق عقب المجزرة عام 1994 ومرة ثانية مطلع انتفاضة الأقصى عام 2001، فإقامة
الحي سيجعل مدخله مغلقا بشكل دائم لا يمكن فتحه".
محاولات للتصدي
أما عن كيفية التصدي لمثل هذه المخططات، فيقول
عمرو إن "الأمر يبدأ بتعريف المجتمع الفلسطيني في الخليل حول ضرورة عدم فقدان
الأمل ومحاولة مقاومة الاستيطان ببرنامج وطني فلسطيني مشترك على الأرض".
ويضيف: "على الصعيد الدولي سنقوم بإرسال
رسائل للأمم المتحدة والقيام ببرنامج حملة دولية لفضح الاستيطان في الخليل تحديدا،
كما نحاول من جانب قانوني أن نعيق تنفيذ هذا المخطط رغم علمنا أن القضاء
الإسرائيلي منحاز للاستيطان".
وكانت مؤسسات وفعاليات مدينة الخليل وبعد اجتماع
مع ممثليها على ضوء القرار الإسرائيلي الأخير الذي يقضي بهدم وبناء وحدات
استيطانية في سوق الخليل المركزي أعلنت عن "استنكارها للقرار الذي يخالف
القوانين الدولية والذي سيؤدي إلى مزيد من عنف المستوطنين".
وفي بيان لها أكدت الفعاليات بأن "القرار
هو خرق واضح للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة
الخاصة بحماية السكان المدنيين تحت الاحتلال وكذلك خرق واضح لقرارات الأمم المتحدة
واتفاق بروتوكول الخليل ومنظمة اليونسكو التي وضعت البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي
الشريف على قائمة التراث العالمي والمهدد بالخطر وحمايتها من أي عدوان في العام
2017".
اقرأ أيضا: مخطط إسرائيلي لبناء حي استيطاني بالخليل.. وتنديد فلسطيني
وأكد البيان بأن "مؤسسات وفعاليات وأهالي مدينة الخليل وعلى رأسها بلدية الخليل ستعمل على متابعة هذا الموضوع سياسيا وقانونيا على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي من أجل وقف وإلغاء هذا القرار الجائر الذي يستهدف البلدة القديمة لمدينة الخليل وسكانها الآمنين، والذي ينذر بالمزيد من الإجراءات الهادفة للتوسع الاستيطاني خاصة بعد قرار وزير الخارجية الأمريكي بشرعنة الاستيطان".
ودعا
إلى "إزالة جميع الحواجز المفروضة داخل البلدة القديمة وفتح شارع الشهداء
المغلق منذ العام 1994 تفاديا لانفجار الوضع".
بدوره، يقول مسؤول دائرة الإعلام في بلدية الخليل،
غيث غيث لـ"عربي21" بأن "البلدية عملت على تشكيل لجنة قانونية
مشتركة مع لجنة إعمار الخليل وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان من أجل التصدي عبر
الطرق القانونية لإقامة هذا المخطط".
ويوضح بأن "البلدية تعمل كذلك على محاولة
التصدي للمخطط على الصعيد الدولي من خلال إرسال عدد من الرسائل لمؤسسات حقوقية
دولية تظهر فيها حجم الضرر الواقع على أهالي المدينة جراء إنشاء هذا الحي"،
معتبرا أن "التصدي لهذا المخطط يستوجب جهودا مشتركة قانونية ودولية وشعبية".
استيطان مستمر
ويضيف غيث: "تأثير هذا المشروع الاستيطاني لن
يقتصر فقط على سكان المنطقة بل على جميع أهالي مدينة الخليل، حيث سيعمل على ربط
الأحياء الاستيطانية في البلدة القديمة ببعضها لاستكمال المخطط الضخم الذي يريد له
أن يربط منطقة المسجد الإبراهيمي بشكل دائم مع مستوطنة كريات أربع".
ويؤكد غيث بأن هذا المخطط إذا تم تطبيقه على أرض
الواقع فله ما بعده ومن الممكن أن يجر مخططات لا تقل خطورة عنه، معربا عن اعتقاده
بأن "الحديث عن إنشاء هذا الحي الاستيطاني يأتي في سياق الدعاية الانتخابية
للأحزاب الإسرائيلية والتي تتنافس على تشكيل الحكومة محاولة جذب انتباه الأحزاب
المتطرفة".
ما الذي تفعله إسرائيل لتمزيق الخليل منذ 25 عاما؟
كاتب إسرائيلي: هذا ما قاله لي "مثقف" سعودي زار إسرائيل
صحيفة إسرائيلية: بينيت يتبنى خطة جديدة ضد إيران هذه معالمها